في العالم العادي، يغيب الموظف يومًا فيتراكم البريد الإلكتروني، أو تتأخر الاجتماعات. لكن في عالم آخر موازٍ، هناك موظفون لا يحتمل غيابهم. ليس لأنهم مهمون فحسب، بل لأن توقفهم لساعة واحدة قد يوقف حياة، أو يشلّ نظامًا، أو يهدد استقرار مجتمع. هؤلاء لا يتحدثون كثيرًا عن بطولاتهم، لأنهم ببساطة لا يملكون الوقت لذلك هم يعملون بينما ينام العالم، يسهرون حين يحتفل الآخرون، ويغيبون فقط حين يغيب الضوء. فمن هم هؤلاء الذين لا يُسمح لهم بالغياب، ولماذا يعتمد العالم على وجودهم كل يوم؟، وما هي طبيعة المهن التي يعملون بها؟ يشير إليهم الباحث الاجتماعي، والخبير في مجال التنمية الذاتية، الأستاذ طارق النوافلة.
الأطباء والممرضون
لماذا لا يمكن للمستشفى أن تغلق أبوابها ليوم واحد
في الوقت الذي يحصل فيه أغلب الناس على عطلة نهاية الأسبوع أو إجازة طارئة، تبقى أبواب المستشفيات مفتوحة طوال الوقت. الأطباء والممرضون يمثلون خط الدفاع الأول أمام الألم والموت، وهم الملاذ الأخير في لحظات الطوارئ التي لا يمكن تأجيلها. غياب أحد أفراد الفريق الطبي قد يعطّل سير العمليات أو يقلل من سرعة الاستجابة لحالات حرجة، وقد يُعرض حياة مريض للخطر لمجرد تأخير بسيط. الرعاية الصحية لا تعرف التوقف، لأن المرض لا يُخطرك بموعده ولا ينتظر حتى ينتهي دوام أحد. في كل دقيقة هناك مريض يدخل الطوارئ، أو سيدة في حالة ولادة، أو طفل بحاجة إلى إنعاش عاجل. هذا الواقع يجعل حضور الكادر الطبي حاجة لا يمكن الاستغناء عنها تحت أي ظرف.
فكر: 4 مواقف يومية تبدو عاديةً.. لكنها تكشف صراعاً داخلياً لم تحسمه بعد
رجال الأمن والدفاع المدني
ماذا يحدث لو لم يوجد من يرد على نداءات الخطر
حين تغيب الحماية، ترتفع الفوضى. رجال الأمن والدفاع المدني هم أول من يواجه الحريق والانفجار والجريمة قبل أن تصل الخسائر إلى ذروتها. هذه المهن تتطلب تواجداً دائمًا، لأن أي تأخير في التعامل مع حادث قد يكلّف حياة أو يتسبب بخسائر لا يمكن تعويضها. في حالات الخطر، يكون الزمن هو الفارق بين النجاة والمأساة، وحضور رجل الأمن أو المنقذ يعني أن هناك فرصة للسيطرة. الغياب في هذه المهنة لا يعني فقط ترك مهمة معلقة، بل يعني ترك مجتمع بلا درع واقٍ، يواجه المجهول بلا دعم. الأعياد، والعطلات، والظروف الجوية، لا تشكل مبرراً لتأخير الاستجابة، لأن مسؤولية الأمان أكبر من تفاصيل الحياة اليومية.
مشغلو محطات الكهرباء والمياه
لماذا لا يمكن إطفاء النور أو قطع الماء ليوم للراحة
في كل لحظة يستخدم الناس الماء دون التفكير في مصدره، ويضيئون الأنوار دون أن يتساءلوا كيف تصل الكهرباء إلى منازلهم. وراء هذه البساطة الظاهرة يقف موظفون يعملون بدقة عالية للحفاظ على استمرار الخدمات الأساسية. هؤلاء الموظفون مسؤولون عن أنظمة معقدة لا تتوقف ولا تسامح بالأخطاء، لأن أي خلل بسيط في التشغيل أو التأخير في الاستجابة قد يتسبب بانقطاع يضر بالمستشفيات والمنازل والمؤسسات الحيوية. غياب المشغلين أو المراقبين في محطات الكهرباء والمياه ليوم واحد قد يشل مدينة كاملة، ويُحدث فوضى في تفاصيل الحياة التي تعتمد على البنية التحتية. لذلك تبقى هذه الوظائف في حالة استعداد دائم، ولا تعرف معنى الإجازة الكاملة.
الصحفيون في غرف الأخبار العاجلة
من يُنذر العالم عندما يحدث شيء كبير
في لحظة وقوع كارثة أو حدث طارئ، لا ينتظر الناس تقارير اليوم التالي، بل يبحثون فورًا عن من يشرح لهم ما يجري. الصحفيون العاملون في غرف الأخبار، خاصة في الأقسام العاجلة، يتحملون مسؤولية إيصال المعلومة حين تكون الحاجة إليها حيوية ومباشرة. الغياب في هذا النوع من العمل لا يعني فقط انقطاع خبر، بل قد يؤدي إلى تضليل أو تأخير في فهم الأزمة. الصحفي هو من يصنع الجسر الأول بين المعلومة والوعي العام، وينقل الحدث من الميدان إلى العقول. حين يغيب هذا الدور، تنشط الشائعات، وتضطرب ردود الأفعال، وتفقد المجتمعات بوصلة الفهم. لذلك فإن وجود الصحفيين في كل لحظة من لحظات الطوارئ الإعلامية أمر لا غنى عنه للحفاظ على وعي الجمهور وسلامة القرار.
لماذا تعجز هذه المهن عن أخذ إجازة؟
هذه المهن لا ترتبط فقط بالروتين الوظيفي، بل تحمل بداخلها جوهرًا إنسانيًا واجتماعيًا يجعل منها ضرورة مستمرة. أصحابها لا يعملون لأجل راتب أو تقييم شهري فقط، بل لأن وجودهم هو ما يمنع الانقطاع في دورة الحياة نفسها. الغياب هنا ليس تأجيلًا في المهمة، بل تعريض الآخرين للخطر، أو تعطيل في منظومة أكبر من الفرد نفسه. لذلك لا يمكن لهذه المهن أن تختفي ليوم أو حتى لساعات، لأنها تمسك بخيوط حياة لا يمكن تركها تسقط، حتى لو لم يرها أحد.
ما رأيك؟ لماذا نشعر بالحاجة إلى التمثيل في 4 مواقف مهنية يومية؟