عند الرابعة مساءً، يُغلق الكمبيوتر، تُطفأ الإضاءة، وتبدأ موجة المغادرين، لكن في بعض الوظائف، لا يغادر الموظف فعلياً، بل يغادر جسده فقط، ويترك عقله معلقاً في قائمة مهام لا تنتهي. هؤلاء لا يحظون بفصل حقيقي بين البيت والعمل، لأن طبيعة وظائفهم تشدهم نفسياً حتى في اللحظات التي يُفترض أن تكون راحة. في ما يلي ست وظائف لا تنتهي بانتهاء الدوام، بل تبدأ مرحلة ثانية غير مرئية، لكنها مستهلكة جداً. بحسب الخبيرة النفسية الدكتورة ناديا نصيرات.
وظيفة الطبيب مستمرة ذهنياً
على الرغم من انتهاء المناوبة؛ يبقى عقل الطبيب مشغولاً بتحليل حالة صعبة، أو توقع مضاعفات محتملة، أو مراجعة تشخيص لم يطمئن له. حتى في البيت، الرسائل لا تتوقف، والاتصالات الطارئة حاضرة. الضغط النفسي لا يرتبط فقط بالحالات الخطيرة، بل أيضاً بالخوف من الخطأ أو الإهمال. الطبيب لا يملك رفاهية الإغلاق التام لعقله بعد انتهاء الدوام، بل يعيش حالة من التأهب الداخلي الدائم، حتى في العطل والمناسبات.
ما رأيك: لماذا نشعر بالحاجة إلى التمثيل في 4 مواقف مهنية يومية؟
وظيفة المحامي تطارد التفاصيل
التحضير لأي قضية لا ينتهي في المكتب؛ لأن القضايا لا تُقاس بالساعات بل بالثغرات. المحامي يفكر في سطور القانون، وهو في سيارته، يراجع المرافعة في ذهنه في أثناء العشاء، ويُعيد ترتيب الحجج في السرير. حجم المسؤولية كبير، خاصة عندما يتعلق الأمر بمصير أشخاص أو شركات. وكل تأخير أو غفلة قد تكون مكلفة؛ لذلك فإن ذهن المحامي يبقى يقظاً حتى في صمته، وكل لحظة فراغ قد تتحول إلى جلسة تفكير قانوني طويلة.
وظيفة المدرس تلاحقه التحضيرات
انتهاء الدرس لا يعني انتهاء المهمة؛ فالمعلم يعود إلى بيته محملاً بالواجبات لتصحيحها، والدروس لتحضيرها، وخطط لتعديلها. كما يعيش المعلم شعوراً دائماً بالمسؤولية التربوية؛ فهو لا يدرس فقط، بل يُربي، ويؤثر، ويتعامل مع شخصيات معقدة. هذا الضغط لا يُترجم دائماً إلى إرهاق جسدي، بل إلى استنزاف عاطفي ونفسي يجعل المعلم في حالة تفكير دائم. وحتى في لحظات الاستراحة، تراوده مواقف حصلت داخل الصف، أو تعليقات أثرت فيه.
وظيفة المدير لا تتوقف ذهنياً
الإدارة تعني القرار، والتخطيط، وتحمل المسؤولية. المدير لا يغلق هاتفه، ولا ينتهي عمله عند خروج الموظفين، بل قد يبدأ العمل الحقيقي بعد هدوء الضجيج. الرسائل ترد بلا توقف، والمشكلات تنتقل إلى المنزل من دون دعوة، والتفكير في المستقبل لا يهدأ. المدير الناجح لا ينفصل عن مشروعه بسهولة، بل يعتبر كل موقف داخل الشركة انعكاساً له؛ لذلك يبقى في وضع تأهب دائم، ولو بدا ظاهرياً مرتاحاً. هذه المهنة تسرق النوم ببطء من دون أن يشعر أحد.
وظيفة الصحفي تستمر بالمراقبة
الخبر لا ينتظر نهاية الدوام، ولا الحدث يتأخر حتى الصباح. الصحفي الجيد يعيش حالة ترقب مستمرة، يتابع الأخبار حتى في وقت الراحة، ويتنبه لأي معلومة قد تُصنع منها قصة. ذهنه يعمل طوال الوقت على التقاط الأفكار، والتحقق من التفاصيل، وترتيب الصياغات. ولا يستطيع بسهولة أن ينسى موضوعاً يُعِدُّه، أو أن يتجاهل تسريباً مثيراً، حتى في المناسبات الاجتماعية، قد يتلقط فكرة من جملة عابرة، ويحولها إلى محتوى في اليوم التالي.
وظيفة رائد الأعمال بلا إغلاق
صاحب المشروع لا يعرف حدوداً بين الوقت الشخصي والعمل. الهاتف لا يُغلق، ورسائل العملاء تصل في منتصف الليل، والقلق على الأداء والنتائج لا يغيب. كل حركة داخل المشروع تنعكس عليه شخصياً، لأنه ليس موظفاً ينتظر راتباً، بل مسؤول عن استمرارية كاملة. حتى في السفر أو الإجازة، يبقى ذهنه متعلقاً بالتحصيل، بالخطة، وبالأرقام. وهذا التعلق يخلق نوعاً من التوتر الصامت، حيث الراحة تتحول إلى قلق من الغياب، لا فرصة للانفصال.
راقب وتعلم: 4 مواقف يومية تبدو عاديةً.. لكنها تكشف صراعاً داخلياً لم تحسمه بعد