تعمل مصممة الأستوديو الديناميكي "ون ثيرد"، آمنة بن بشر؛ لتعيد مع الفريق المشارك لها، تعريف مجال التصميم، وتوحّد شغفاً لإنتاج تصاميم مؤثّرة وجذابة من الناحية الجمالية. ويخلق عشقها للتراث قوةً من الإبداع والابتكار لتقدّم منظوراً جديداً وثروة من التجارِب المتنوّعة إلى يد المستهلك.
حوار: لينا الحوراني
هي المصممة الإماراتية آمنة بن بشر، التي التقيناها في يوم المرأة الإماراتية، الذي نستقبله تحت شعار: "يداً بيد نحتفي بالخمسين"؛ لتنقل إلينا شغفها المبدع، الذي بدأته بحب التراث؛ لتصل إلى منتجات تضع مستقبل كوكبنا في الاعتبار.
الأسلوب البصري

تفخر آمنة بنهجها الفريد في التصميم؛ فهي تدمج الأساليب والتقنيات المتطوّرة التي تدفع بالإبداع إلى أقصى الحدود. وتقع الاستدامة في صميم روحها؛ لأنها تسعى جاهدة لإنشاء تصميمات جميلة ومستدامة في آنٍ معاً. من المواد الصديقة للبيئة، إلى العمليات الموفّرة للطاقة، تضع مستقبل كوكبنا في الاعتبار. تتابع آمنة: "أحرص دائماً على دمج عناصر مثل «المندوس» والأنماط الزخرفية الهندسية، بالإضافة إلى المواد التقليدية كالنخيل والخوص والنسيج الإماراتي «السدو». هذه العناصر ليست فقط جمالية؛ بل تحكي قصصاً عن الماضي، وتُضفي على التصاميم روحاً محلية أصيلة؛ حيث تمثّل العناصر التراثية تحدياً جميلاً، أدمجها في تصاميمي، أبدأ دائماً بفهم عميق للعنصر التراثي: أصله، وظيفته، ورمزيته. ثم أُعيد ترجمته بروح عصرية، سواء من خلال المواد أو الأسلوب البصري، مع الحفاظ على جوهره الثقافي. النتيجة تكون مزيجاً متوازناً بين الأصالة والتجديد".
كسر الصور النمطية

تعتمد آمنة على مصادر تاريخية أو أرشيفات أثناء تصميمها لمشروعها التراثي؛ حيث تمتدّ التزاماتها لما هو أبعد من الاستدامة؛ فتشمل الحفاظ على الثقافة والهوية التراثية الإماراتية. مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتراث الغني لدولة الإمارات العربية المتحدة؛ لتقوم بنسج هذه الخيوط الثقافية في تصاميمها لضمان إحياء الجذور التراثية، سواء بالمنتجات المستوحاة من أشكال الفن التقليدي، أو تلك التي تحتفي بالحِرَفية المحلية، أو دمج العناصر التي تعكس جوهر الحياة الإماراتية. تستدرك آمنة قائلة: "تتجاوز رحلتي مجرد صياغة المنتجات؛ فأنا أعمل على كسر الصور النمطية، وإلهام التغيير وإثبات الإمكانيات اللامحدودة في عالم التصميم؛ فأنا أواصل تشكيل صناعة التصميم وتعزيز التعاون وإلهام الآخرين للانضمام إلى الإبداعية. وأُخصص وقتاً للبحث في الأرشيفات الوطنية، والصور القديمة، والمراجع المعمارية والثقافية؛ بل وحتى الذكريات العائلية والقصص الشفوية. هذه المصادر تضيف طبقات من العمق والفهم لأي تصميم".
تصاميم تُشعرني بالانتماء
العودة إلى التراث تُعيدنا إلى الجذور، وتُشعرنا بالانتماء وتعزز الفخر الوطني؛ خاصة في وقت تتسارع فيه التغييرات. تعلّق قائلة: "عندما يرى الناس انعكاساً لهويتهم في تصميمٍ معاصر، يشعرون بالفخر. من خلال مشاركتنا في معارض محلية وعالمية، نُقدّم التراث الإماراتي بلغة تصميمية حديثة يفهمها الجميع. وأقرب مشروع إلى قلبي، هو عمل اشتغلت عليه لمدة تسعة أشهر مع Tanween by Tashkeel. كانت تشكّل دافعاً كبيراً لي لتحقيق ما كنت أطمح إليه، والحمد لله تحققت الفكرة. استخدمت في المشروع سعف النخيل والبرقع الإماراتي لتطوير تقنية تصميمية جديدة. سعف النخيل يعكس عمقاً اجتماعياً وثقافياً في حياتنا اليومية، بينما يحمل البرقع رمزية قوية لهوية المرأة الإماراتية. دمج هذين العنصرين شكّل تجرِبة غنيّة تعبّر عن الضيافة، والانتماء، والروح المحلية، لكن بروح معاصرة تجسّد الابتكار وتحافظ في الوقت نفسه على الأصالة. وفي النتيجة، صممتُ قطعة فنية باسم «تليد»، وتعني «قديم وموروث». وهي خزانة مستقلة تم تصنيعها من سعف النخيل المصبوغ بالنيّلة المستخرجة من البرقع الإماراتي، وتتوّجها قشرة خشب الجوز، مع تاج معدني مصنوع من النحاس، وتكتمل التفاصيل ببطانة من المخمل في الأدراج. «تليد» ليست مجرد قطعة أثاث؛ بل هي تجسيد بصري وملموس للذاكرة، والتقنيات، والهوية النسائية، وقدرة المواد المحلية على التحوُّل إلى لغة تصميمية معاصرة".
أُخصص وقتاً للبحث في الأرشيفات الوطنية، والصور القديمة، والمراجع المعمارية والثقافية؛ بل وحتى الذكريات العائلية
مهارات يدوية متوارَثة

تحرص بن بشر على التعاون مع الحِرفيين؛ خصوصاً النساء الإماراتيات اللواتي يملكن مهارات يدوية متوارَثة. تتابع قائلة: "هذا التعاون ليس فقط حفاظاً على التراث؛ بل أيضاً دعمٌ مباشر للمعرفة النسائية غير المكتوبة. المتاحف والمباني القديمة مصدرُ إلهام أيضاً، لكنها لا تُغني عن العمل مع الأشخاص".
تحاول آمنة أن تدمج الذكاء الاصطناعي في أعمالها، من خلال استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد؛ فهي ترى في هذه التقنيات فرصة لإعادة تقديم التراث بطرق جديدة. مثلاً، تستدرك قائلة: "نستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل الأنماط الزخرفية، أو الطباعة ثلاثية الأبعاد؛ لإنتاج عناصر زخرفية دقيقة مستوحاة من العمارة القديمة ولكن بخامات جديدة، مع الحفاظ على الروح التراثية في أعمالي".
تعيد آمنة مع شريكاتها استخدام مواد محلية أو طبيعية مثل سعف النخل، وأحياناً تعيد تدوير مخلفات منزلية في تصنيع مواد جديدة. وعن هذا تقول: "كما أننا نُراعي طول عمر المنتج وسهولة تفكيكه وإعادة استخدامه، ونُصمم بوعي بيئي دائماً. ومن خلال توفير مِنح، منصات عرض، وورش عمل، وتوثيق أعمال الإماراتيات، نجد الدعم الحقيقي يأتي من الاعتراف بجهود المصممات كمساهمات في حفظ الذاكرة الوطنية، وليس فقط كمبدعات".
الإبداع لا ينبت من فراغ
في يوم المرأة الإماراتية، أرادت آمنة أن ترسل عباراتها في رسالة هادفة للجيل الجديد الذي تنتمي إليه من المصممات الإماراتيات؛ حيث تقول: "لا تَخفْن من تراثكن، اقتربن منه، وافهمنه، وخُذْن منه ما يُلهمكن لتصنعن شيئاً يُشبهكن. نحن جيل محظوظ، نملك أدوات جديدة، لكن قوتنا الحقيقية في جذورنا. الإبداع لا ينبت من فراغ، هو يكبر لمّا نسقيه من هويتنا وأصالتنا".
بتوجيهات الشيخة فاطمة: "يداً بيد نحتفي بالخمسين" شعار يوم المرأة الإماراتية 2025