غالباً ما يُنظر إلى الفن التجريدي على أنه يحمل بُعداً أخلاقياً؛ إذ يُمكن اعتباره رمزاً لفضائل كالنظام والنقاء والبساطة والروحانية، فمنذ أوائل القرن العشرين، شكّل الفن التجريدي تياراً أساسياً في الفن الحديث، و التجريد عامة يعني التخلص من التفاصيل التي تفضي للشكل الخارجي، أو تُكرس للواقع المرئي للشيء بغرض الوصول لماهيته وتأثيره ونحو أبعاد أكثر عمقاً، ويمكن تطبيق هذا المصطلح على الفن القائم على شيء أو شكل أو منظر طبيعي؛ حيث تم تبسيط الأشكال أو تخطيطها، فالفن التجريدي هو فن لا يهدف إلى تقديم تصوير دقيق للواقع المرئي، بل يستخدم عناصر بصرية كالأشكال والألوان والأنماط والعلامات الإيمائية لتحقيق تأثيره.. ونحو المزيد عن الفن التجريدي.. مفهومه وماهيته وما يهدف إليه.. تابعي السياق التالي.
تعبير فني يُعطي الأولوية للعاطفة والحدس على العقل

تقول تقى سمير عبد الله فنانة تشكيلية لـ"سيدتي": الفن التجريدي هو تعبير فني يطرح مفهوماً مختلفاً عما يُعتبر حقيقياً. إنه نقيض الفن التصويري أو الواقعي؛ إذ لا يُمثل أشكالاً ملموسةً مُميزةً للعالم الحقيقي، بل يُقدم منظوراً مختلفاً للأشياء من خلال لغة "خالصة"، فالفن التجريدي هو شكل من أشكال التعبير الفني، تتغلب فيه الفكرة على تمثيل الواقع. وقد أبدع الفنانون التجريديون ألواناً وأشكالاً مختلفة؛ لتخرج تركيبات فنية تخلو من الإشارات. ويُعطي هذا التعبير الفني الأولوية للعاطفة والحدس على العقل. وبهذا المعنى، يكون تفسير هذا الفن أقل وضوحاً أو منطقية؛ حيث تكسر الأعمال التجريدية الأعراف والحس السليم، وتسعى إلى مقاربة الجمهور من خلال الحدس والفكر الحر. هذا يعني أن المُشاهد يجب أن يمتلك فهماً يتجاوز المنطق؛ ليُعجب بعمل تجريدي.
من بين الخصائص الرئيسية للفن التجريدي، يُمكن القول إنه يُولي اهتماماً خاصاً للعناصر الأساسية للغة البصرية، مثل الألوان والأشكال؛ ليبتعد عن الواقع الملموس. وهكذا، لكل فنان تجريدي قواعده الخاصة في استخدام الألوان والخطوط والأشكال. ويتحقق السعي إلى تجاوز تصوير المظهر الخارجي للأشياء من خلال هذه الجوانب اللونية والشكلية.
ونحو المزيد يمكنك التعرف إلى: أشهر مدارس الفن التشكيلي
المدرسة الرومانسية والانطباعية، شكّلا بيئة مثالية لظهور المدرسة التجريدية

تقول تقى: ارتبط أصل الفن التجريدي برسومات الكهوف، التي عُثر عليها في كهوف ما قبل التاريخ. ومع ذلك، يُعتقد أن أصله الرسمي يعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، في أوروبا اكتسب زخماً في عام 1910 مع الفنان التجريدي الروسي فاسيلي كاندنسكي، الذي وضع نظريات، وعمل على نطاق واسع على هذا الفن.
تؤكد تقى أن الفن كان يُعتقد بأنه لا بد أن يُمثل الواقع بدقة. إلا أن تراجع الواقعية، إلى جانب تأثير الرومانسية والانطباعية، شكّلا بيئة مثالية لظهور التجريد، والذي دفع بأفكار جديدة تتعلق بدور الخيال والروحانية واللاوعي في الفن. اكتسب الفن التجريدي شعبيةً سريعةً في أوائل القرن العشرين، بالتزامن مع ظهور معظم الحركات الفنية الحديثة مثل الوحشية والتعبيرية والتكعيبية، والتي تشترك جميعها في ابتعاد واضح عن التصوير التمثيلي في الفن، على أن الفنانين الذين ابتكروا الفن التجريدي كانوا دائماً ما يبحثون عن تعبير جديد، يجسد التغييرات العميقة التي حدثت في عصرهم، من خلال الدفاع عن اللاوعي والعواطف، بدلاً من الفن التصويري.
وقد شهد الفن التجريدي منذ ظهوره العديد من الفنانين العظماء والذين أبدعوا لوحات مذهلة، من بينهم فاسيلي كاندنسكي، وكازمير ماليفيتش، وبيت موندريان، ومارك روثكو، وجاكسون بولوك، وخيسوس سوتو، وجوان ميرو، ومارسيل دوشامب، وروبرت ديوناي، وجان آرب. وتُعرض العديد من أعمال هؤلاء الفنانين العظماء في أهم متاحف العالم. علاوة على ذلك، تُعرض جميع هذه الأعمال في صور متاحة في مختلف المنشورات المادية والرقمية.
ويمكنك من السياق التالي التعرف إلى: الفرق بين الفن التشكيلي والتجريدي
أنواع الفن التجريدي

تقول تقى: يُقسم الفن التجريدي إلى أربعة تيارات رئيسية:
- التجريد الهندسي
- التعبيرية التجريدية
- التجريد الغنائي
- التجريد العضوي.
التجريدية الهندسية
يسعى الفن التجريدي الهندسي إلى أن يكون موضوعياً وعقلانياً وعلمياً. أي أن تركيبه منظم، ومن خلال الهندسة، يتجنب أي تعبيرية. يهدف هذا النوع من الفن التجريدي إلى الوضوح والدقة. ويُعتقد بأنه تأثر بالتكعيبية والمستقبلية.
ويُعد الرسام الهولندي بيت موندريان أبرز ممثليه. وكانت لوحة "اللوحة الأولى" من أشهر أعماله؛ حيث يمزج الفنان الألوان الأساسية مع خطوط سوداء محددة، مبتكراً بذلك كتلاً هندسية.
التجريدية التعبيرية
تُولي التجريدية التعبيرية الأولوية لتعبيرية الفنان، وتركز على العفوية والحدس والذاتية، وهذا النوع من الفن التجريدي، على عكس الفن الهندسي، غير منظم وغير مُخطط له. يُعطي الأولوية للارتجال والإيماءات والعاطفة والشعور.
ويُعد الفنان الأمريكي جاكسون بولوك أبرز رواد التعبيرية التجريدية. وكان هذا الفنان مدافعاً شرساً عن حرية التعبير، ومعارضاً للسياسات المحافظة. في لوحاته، يُولّد بولوك انفجاراً لونياً من خلال تقنية التنقيط.
التجريد الغنائي أو الليريكي
يُركز هذا النوع من الفن التجريدي على اللون والحدس والشعور. ولا يستخدم الهندسة أو أي عملية عقلانية؛ بل على العكس، فهو حر وعفوي تماماً. إنه حركة فنية متأثرة بالوحشية والتعبيرية.
من أبرز فناني التجريد الغنائي الفنان الروسي فاسيلي كاندنسكي. وتُعتبر إحدى أشهر لوحاته، "بدون عنوان"، التي رسمها عام 1910، أول لوحة مائية تجريدية. ويُعبّر كاندنسكي، المُستخدم الحبر والقلم والألوان المائية على الورق، عن المشاعر والأحاسيس من خلال تركيبة متناغمة من الألوان والأشكال والخطوط.
التجريد العضوي
يُمثل الفن التجريدي العضوي أشكالاً عضوية، أي أشكال موجودة في الطبيعة تُوحي بأشكال أخرى. وعادةً ما تكون هذه الأشكال هندسية مستديرة أو مُخففة. ويرتبط التجريد العضوي ارتباطاً وثيقاً بالسريالية والوجودية. ومن أبرز فناني هذه الحركة الفنان الفرنسي الألماني جان آرب، الذي أنتج عدداً كبيراً من المنحوتات واللوحات التجريدية، وكان أحد مؤسسي حركة الدادا.
والرابط التالي يعرفك أكثر إلى: فن المينيماليزم... "ما تراه هو ما تراه"!