في الوظيفة، هناك شيء أقوى من المهارة والخبرة والأرقام... إنه الطريقة التي نتحدث بها مع بعضنا. كلمة واحدة قادرة أن تُشعل الحماس أو تُطفئه، ونبرة بسيطة قد تصنع جسرًا بين الزملاء أو تزرع جدارًا من الصمت. التواصل والملاحظات البناءة هما نبض الفريق الحقيقي، فبدونهما يتحول العمل إلى مجرد أداء آلي بلا روح، وتصبح الاجتماعات مزدحمة بالكلام الفارغ بدل الأفكار الملهمة.
كم مرة أنجزت مهمة بكل جهدك، ولم تجد كلمة تقدير؟ أو سمعت نقدًا جعلك تشك في قدراتك بدل أن يدفعك للأمام؟ تشير الخبيرة في مجال التنمية الذاتية وعلم النفس، الأستاذة ناديا نصيرات لـ "سيدتي" إلى أربع أسباب توضح أهمية الملاحظات البناءة في العمل.
أهمية التواصل الفعال والملاحظات البناءة في مكان العمل
على مر السنين، تسارعت جهود الشركات في بناء مؤسسات قوية قادرة على النمو والتطور المستدام. ومن بين الركائز الأساسية التي يقوم عليها أي كيان ناجح يأتي التواصل الفعّال والملاحظات البناءة في المقدمة. فسواء كان التواصل عبر الاستماع النشط، أو الكتابة، أو الحوار المباشر، أو حتى عبر لغة الجسد، فإن وضوح هذه القنوات يشكل الأساس لتدفق سلس للمعلومات داخل الفريق، ويقلل من احتمالية سوء الفهم.
إن غياب التواصل الواضح لا يؤدي فقط إلى ارتباك في أداء المهام، بل قد يتسبب في خلق صراعات داخل بيئة العمل تضعف الروح الجماعية. لذلك، فإن فهم أهمية التواصل وأساليبه، إلى جانب تطبيق الملاحظات البناءة بوعي، يشكل خطوة جوهرية نحو خلق بيئة عمل صحية يسودها التعاون والثقة والوضوح.
نصائح لموقف محبط: كيف تتعامل مع زميل يأخذ الملاحظات بشكل شخصي؟
نتائج إيجابية يحققها التواصل الفعّال والملاحظات البناءة:
تعزيز شعور الموظفين بالانتماء للمنظمة
يبدأ الانتماء الحقيقي عندما يشعر الموظف أن صوته مسموع فعلًا. فممارسات مثل الاستماع النشط، وتبادل الأفكار، وجلسات العصف الذهني الجماعية، تخلق بيئة يشعر فيها الأفراد بالتقدير والمشاركة. عندما يُظهر المديرون اهتمامًا صادقًا بآراء موظفيهم، ويأخذون ملاحظاتهم بعين الاعتبار، فإن ذلك يعزز لديهم الإحساس بالرضا وتحقيق الذات، وهي أعلى مراحل الاحتياجات الإنسانية وفقًا لهرم ماسلو. هذه الحالة لا تزيد من التزام الموظف فحسب، بل تجعله مصدر إلهام لمن حوله، مما ينعكس مباشرة على روح الفريق وإنتاجيته.
رفع مستوى الإنتاجية في بيئة العمل
التواصل الواضح هو الوقود الخفي للإنتاجية. فحين تكون الأهداف محددة والتعليمات دقيقة والجداول الزمنية شفافة، تقلّ مساحة الالتباس ويزداد تركيز الموظف على النتائج. الوضوح بين الإدارة والموظفين، وبين الزملاء أنفسهم يزيل الشعور بعدم العدالة أو الغموض في توزيع المهام، ويفتح الطريق أمام أداء متوازن وسريع التطور داخل الفريق.
الحد من سوء الفهم وتعزيز الذكاء العاطفي
غالبًا لا يكمن الخلل في الرسالة نفسها، بل في الطريقة التي تُقدَّم بها. فالتواصل لا يعتمد فقط على الكلمات، بل على نبرة الصوت، ولغة الجسد، وسياق الموقف. استخدام الذكاء العاطفي في العمل يساعد على إيصال الأفكار بوضوح واحترام، ويمنع وقوع التوترات الناتجة عن التفسيرات الخاطئة. كما أن اختيار وسيلة التواصل المناسبة، سواء كانت اجتماعًا مباشرًا أو رسالة إلكترونية يسهم في بناء علاقات مهنية أكثر انسجامًا.
بيئة صحية تصنع النجاح
في النهاية، التواصل الفعّال ليس مجرد مهارة تنظيمية، بل ثقافة مؤسسية متكاملة. عندما يُصغي القادة إلى موظفيهم بصدق، ويُشجعون الملاحظات البناءة، تزدهر بيئة العمل بقيم الثقة والشفافية. عندها يتحول الفريق إلى منظومة حية من الموظفين السعداء والمنتجين الذين يدفعون المؤسسة نحو آفاق جديدة من النمو والإبداع.
3 نصائح لتطبيق التواصل والملاحظات البنّاءة بين الزملاء:
-
تحدث لتفهم.. لا لتُقنع
التواصل الفعّال لا يعني أن تكون المتحدث الأفضل، بل المستمع الأذكى. حاول أن تدخل أي حوار بهدف الفهم، لا الدفاع. عندما تُنصت حقًا لوجهات نظر الآخرين دون مقاطعة، فأنت تفتح الباب لبناء ثقة متبادلة، وتُحوّل النقاش من "مَن عليه الحق" إلى "كيف ننجح معًا".
-
اختر توقيت الملاحظة لا كلماتها فقط
الكلمة المناسبة في الوقت الخطأ قد تتحول إلى نقد جارح بدل أن تكون بنّاءة. لذلك، اجعل ملاحظاتك مرتبطة بالسياق والزمن الصحيح، قلها حين يكون زميلك مستعدًا للاستماع، لا حين تكون أنت منزعجًا. التوقيت الجيد يجعل الملاحظة تُستقبل كفرصة، لا كهجوم.
-
اجعل الملاحظة دعوة للتعاون
بدل أن تكتفي بتحديد الخطأ أو النقص، قدّم ملاحظتك على شكل اقتراح مشترك: "ما رأيك أن نجرب كذا؟" أو "هل يمكن أن أساعدك في تحسين هذه الفكرة؟". هذا الأسلوب يحوّل النقد إلى مساحة تعاون، ويخلق روح فريق يشعر كل أفراده بأنهم في صف واحد لا على طرفين.
كيف تتعامل: عندما يأتيك النقد من زميل مبتدئ.. كيف تتعامل بذكاء دون أن تفقد احترافيتك؟