بينما علماء الاجتماع لا يزالون منشغلين بدراسة جيل زد، ظهر جيل لاحق وهو جيل ألفا الذي يعد الأصغر بين الأجيال لكن بتأثير كبير يُحسب له الحساب. جيل ألفا، الذي وُلد منذ عام 2010، نشأ في بيئة رقمية بالكامل إلى حد يجعله لا يعرف الحياة قبل الرقمنة، لذلك فإن البيئة التي تربى فيها أبناء جيل ألفا، تختلف تماماً عن بيئة آبائهم، وهو ما تسبب في فجوة فكرية بين الجيلين.
إعداد: إيمان محمد
سمات جيل ألفا
تشير الأبحاث الحديثة إلى أن هذا الجيل يحمل رؤية مختلفة للعالم في كل شيء تقريباً: التعليم، التكنولوجيا، القيم، وحتى العلاقات الاجتماعية، ويمكن أن نستعرض هذه النظرة بالتفصيل في السطور التالية.
التكنولوجيا لغة أولى
توضح دراسة صادرة عن McCrindle أن أكثر من نصف أفراد جيل ألفا يتقنون التكنولوجيا بالفطرة، وربما تلاحظ ذلك حولك، فقد يشعر رجل أربعيني بصعوبة في التعامل مع تقنية أو تطبيق ما، بينما يتمكن صاحب عشر السنوات من ذلك بكل سهولة ودون أن يعلمه أحد، ويعود ذلك إلى أنهم لم يعرفوا حياة دون الإنترنت أو الهواتف الذكية.
صحيح أن التكنولوجيا هامة وأساسية لكل الأجيال، لكن قد تكون وسيلة مساعدة للأجيال السابقة، بينما جيل ألفا الأمر لديهم مختلف، بيئة حياة كاملة. الأطفال يستخدمون الأجهزة اللوحية في عمر مبكر، ويعتبرون المساعدات الصوتية مثل "سيري" جزءاً من روتينهم اليومي، ما جعل التفاعل الرقمي بالنسبة إليهم طبيعياً كالتحدث مع الآخرين.
بحسب تقرير Penn university يمتلك نحو 40% من الأطفال جهازاً لوحياً في سن الثانية، ورغم أن هذا الاستخدام المبكر يعزز المهارات البصرية والانتباه، إلا أنه قد يؤثر في المهارات الاجتماعية المباشرة، وهو جانب ما زال الباحثون يدرسون آثاره طويلة المدى.

طرق التعلم لدى جيل ألفا
جيل ألفا يختلف كلياً في طرق التعلم عن الأجيال السابقة، فهو لا يعتمد على القراءة والحفظ، بينما يعتمد على التجربة البصرية والتفاعلية بدلاً، نلاحظ أن أبناء هذا الجيل يتعلمون من خلال مقاطع الفيديو والألعاب التعليمية أكثر مما يتعلمون من الكتب، يميل أبناء جيل ألفا إلى التعليم العملي القائم على التجريب والمشاهدة، هذه الطريقة جعلت هذا الجيل أكثر فضولاً وسرعة في استيعاب المعلومة، لكنه في المقابل أقل صبراً على الشرح الطويل أو الأساليب التقليدية في التعليم.
من ناحية أخرى، طرق التعلم التي يفضلها جيل ألفا، أعادت تشكيل العلاقة بين الطالب والمعلم، فبعد ما كان المعلم هو المصدر الوحيد للمعلومة، باتت مصادر المعلومات مفتوحة ومتنوعة.
القيم الاجتماعية
يُظهر التقرير السابق أن جيل ألفا يحمل مجموعة من القيم تختلف عن تلك التي كانت سائدة بين جيل الألفية أو جيل زد، ما يميزهم أنهم أكثر تقبلاً للتنوع والاختلاف مقارنة بالأجيال السابقة، كما أن لديهم وعياً بمفاهيم مثل العدالة والمساواة.
ينضم لذلك الوعي اهتمام جيل ألفا بالبيئة وقضاياها، وهو اهتمام يتشاركون فيه مع جيل زد، لكن يبدو أن الأمر لدى هذا الجيل يبدو أكثر اهتماماً وبديهية، فالقيم البيئية جزء بالفعل في حياتهم اليومية من خلال المدرسة والمحتوى الرقمي والمنتجات التي يستخدمونها.
العلاقات الاجتماعية
من أبرز مساحات الاختلاف بين الأجيال هي العلاقات الاجتماعية، يمكن القول إن الفجوة تتسع من جيل إلى جيل، وبالنسبة لجيل ألفا، فإنه يرى أن الصداقة الرقمية عبر الألعاب أو تطبيقات الدردشة لا تقل أهمية عن الصداقة الواقعية، بينما تميل الأجيال الأكبر إلى اعتبار العلاقات الحقيقية فقط هي الصداقة.
وتوضح دراسة McCrindle أن هذا الجيل ينظر إلى العالم باعتباره مجتمعاً كبيراً مفتوحاً لا تقيده الحدود الجغرافية أو الاجتماعية أو الثقافية؛ إذ يمكن لأي شخص أن يبني علاقات مع أقرانه في دول ثانية، وهو ما يوسع أفقه الثقافي لكنه يقلل من احتكاكه المباشر بالبيئة الاجتماعية المحلية.

السرعة في اتخاذ القرار
واحدة من سلبيات العالم الرقمي هي التسرع، لأن أبناء هذا الجيل يتعرضون إلى كم هائل من المعلومات يومياً، بالتالي يتصور أن لديه الفهم الكامل للأشياء، ومن ثم يمكنه اتخاذ أي قرار بسهولة، لكن هذا النمط من التفكير السريع يقابله تحدٍّ آخر، وهو قلة الصبر والتحمل عند مواجهة الفشل أو التأخير.
الفجوة بين الأجيال
لا يمكن إغفال الفجوة بين جيل ألفا والأجيال التي سبقته، لكن لم يحدث ذلك بشكل مفاجئ أو صدمة، بينما هذا التحول وقع تدريجياً نتيجة لاختلاف البيئة، ففي حين اعتمدت الأجيال القديمة على الذات والتجربة الواقعية، فإن جيل ألفا يعيش في منظومة تعتمد على المشاركة والتكنولوجيا والتواصل الفوري، ومن هنا رمى هذا الاختلاف بظلاله على الشخصيات وتركيبتها النفسية والاجتماعية.
ولكن ما يوصي به الباحثون هو ضرورة بناء جسور للتواصل بين الأجيال، واحترام الاختلاف والتعاطي معه بتقدير وتكيف، بل وتكامل للوصول إلى أفضل النتائج.
اقرئي أيضاً أثر الإدمان على الهاتف في العلاقات والتركيز