أصبح الهاتف الذكي أداة لا غنى عنها في حياتنا اليومية؛ فهو وسيلة للتواصل، والعمل، والترفيه، والوصول إلى المعلومات في أي وقت ومكان، ومع تزايد الاعتماد على هذه الأجهزة المحمولة، ظهرت ظاهرة مقلقة تعرف بـ"إدمان الهاتف الذكي"، وهي حالة من الاستخدام القهري والمفرط للهاتف لدرجة تؤثر سلباً على الصحة النفسية للشباب، والسلوك اليومي لهم، وعلاقاتهم الاجتماعية، والتركيز الذهني.
تجاوزت الهواتف الذكية دورها التقليدي كوسيلة للاتصال في أوساط الشباب، حيث أصبحت ملاذاً للهروب من الواقع، ومصدراً دائماً للتنبيهات والمحفزات التي تُشتت الانتباه وتُضعف من القدرة على التفاعل الحقيقي مع البيئة المحيطة، ومن هنا بدأت الدراسات النفسية والاجتماعية تُسلّط الضوء على الآثار السلبية لهذا النوع من الإدمان على فئة الشباب خصوصا، لا سيما تدهور جودة العلاقات الشخصية، سواء بين الأزواج، أو الأصدقاء، أو أفراد الأسرة، إضافة إلى ما يسببه من تراجع في مستويات التركيز والانتباه، وتشتت الذهن، وقلة الإنتاجية.
إيمانويل عوض، أستاذة جامعية وخبيرة في علم النفس، توضح في حديثها لـ"سيدتي" تأثير إدمان الهاتف المحمول على التركيز والعلاقات الاجتماعية، وتُقدّم نصائح عملية للتعامل مع هذه المشكلة.
تؤكد د. إيمانويل عوض أن الاستخدام المفرط للهاتف الذكي أصبح من أبرز مسبّبات ضعف التركيز لدى الشباب في الوقت الحاضر، وتشرح ذلك قائلة:

"مع الاستخدام المتواصل للهاتف، أصبح الدماغ في حالة ترقّب دائم لتلقي الإشعارات (Notifications)، وهذا يؤدي إلى تشتيت الانتباه بشكل مستمر، فكلما سمعنا صوت إشعار أو رأينا وميضاً على الشاشة، نبادر فوراً إلى التقاط الهاتف، حتى ولو كنا في وسط مهمة تتطلب تركيزاً عالياً".
وتضيف: "الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل إن ظهور المحتوى القصير (Short-form Content) على المنصات مثل TikTok وReels، جعلنا نستهلك مقاطع لا تتجاوز مدتها 30 ثانية، وأحياناً أقل من ذلك، ومع تفعيل خاصية تسريع الصوت، أصبح الدماغ معتاداً على نمط متسارع من الاستيعاب، مما ساهم في تقليص مدى التركيز والانتباه لدينا تدريجياً".
اضطرابات النوم والتركيز
وتشير الخبيرة إلى أن تأثير الهاتف الذكي يتعدّى التركيز ليصل إلى جودة النوم؛ إذ توضح:
"استخدام الهاتف قبل النوم يؤثر سلباً على النوم لدى الشباب من نواحٍ متعددة؛ فالتعرض للضوء الأزرق المنبعث من الشاشة يعطل إفراز هرمون الميلاتونين، وهو المسؤول عن تنظيم النوم، كما أن التفاعل مع المحتوى قد يثير الدماغ ويُبقيه في حالة نشاط، مما يجعل الدخول في النوم أصعب".
وتُشدّد على أن قلة النوم أو اضطرابه تنعكس مباشرة على الأداء الذهني والانتباه في اليوم التالي.
تأثير الهواتف على العلاقات العاطفية والاجتماعية

أما عن تأثير الإدمان على الهواتف في العلاقات الاجتماعية والعائلية، فتقول د. عوض:
"نحن أصبحنا نعيش في حالة ارتباط دائم بهواتفنا، حتى في وجود شركاء حياتنا أو أصدقائنا أو أفراد العائلة، هذا يؤدي إلى ما يُعرف بـ"الإهمال العاطفي"، حيث يشعر الآخر بأننا لا نوليه الاهتمام الكافي، بل وحتى الطرف الآخر قد يكون منشغلاً بدوره بهاتفه، مما يُضعف الحوار ويُقلل من جودة التواصل العاطفي والإنساني".
وتضيف: "وجود الهاتف بشكل دائم على الطاولة أثناء الحديث أو أثناء تناول الطعام، أو تصفحه أثناء الجلسات العائلية، يجعلنا نغيب عن اللحظة ونفقد التواصل الحقيقي، وهذا من أكثر ما يهدد العلاقات اليوم".
نصائح عملية للتقليل من الاعتماد على الهاتف
وتقترح د. إيمانويل عوض مجموعة من النصائح العملية التي تساعد الشباب على تقليل التعلق بالهاتف وتحسين التركيز وجودة العلاقات:
-
تحديد وقت "خالٍ من الهاتف":
تخصيص ساعة يومياً بعيداً عن الهاتف، لا سيما بين الشباب خلال الوجبات العائلية، ما يساعد في استعادة الروابط الاجتماعية والعاطفية.
-
تفعيل وضع "عدم الإزعاج" (Do Not Disturb):
يمكن تعيين أوقات معينة في اليوم، مثل ساعة قبل النوم أو أثناء العمل العميق، يتم فيها إيقاف الإشعارات لتفادي التشتت.
-
الامتناع عن استخدام الهاتف قبل النوم:
يوصي الخبراء بعدم استخدام الهواتف قبل ساعة على الأقل من النوم، للسماح للدماغ بالاسترخاء، فالضوء الأزرق المنبعث من الشاشات يؤثر سلباً على جودة النوم ودورته.
-
استخدام تطبيقات لتقنين الاستخدام:
هناك العديد من التطبيقات التي تتيح تتبّع الوقت الذي نقضيه على الهاتف أو على تطبيقات معينة، ويمكن ضبطها لتذكيرنا بالتوقف أو حظر الوصول بعد مدة محددة.
-
طلب المساعدة النفسية إذا لزم الأمر:
إذا جُرّبت هذه الأساليب ولم تكن فعالة، وشعر الفرد بأنه غير قادر على السيطرة على استخدامه للهاتف، فمن الأفضل مراجعة اختصاصي في الصحة النفسية للحصول على الدعم المناسب.
وتختم د. عوض أن الهواتف الذكية هي أدوات مفيدة، لكنها تتحول إلى مصدر ضرر حين تفقدنا السيطرة على استخدامها، المسألة ليست في الهاتف نفسه، بل في كيفية تعاطينا معه. التوازن هو المفتاح".