في عصر يُوصف بعصر السرعة والتكنولوجيا المتسارعة، يواجه الشباب تحديات غير مسبوقة تتطلب منهم تكيُّفاً دائماً وتطوراً مستمراً لمواكبة متطلبات الحياة الحديثة؛ فقد فرضت التحولات الرقمية، والانفتاح على العالم، والتغيرات السريعة في سوق العمل؛ ضغوطاً كبيرة على الأجيال الشابة، ما جعلهم يقفون أمام مفترق طرق حاسم في مسيرة حياتهم الشخصية والمهنية.
يُعَدُّ الانفجار التكنولوجي واحداً من أبرز ملامح هذا العصر، حيث أصبحت الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي جزءاً لا يتجزأ من حياة الشباب اليومية. وبينما توفر هذه الوسائل فرصاً كبيرة للتعلم والانفتاح، فإنها في الوقت نفسه تخلق ضغوطاً نفسية نتيجة المقارنة المستمرة مع الآخرين، وتقلص من الخصوصية، وتؤدي إلى الإدمان الرقمي والانفصال عن الواقع.
إليك أبرز التحديات التي يواجهها الشباب في عصر السرعة وفق فريال حلاوي، أستاذة محاضرة ومستشارة في تطوير الذات.
دور وسائل التواصل الاجتماعي
في السنوات الأخيرة، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي قوة مهيمنة في حياة الشباب، تشكل تجاربهم وعلاقاتهم وإدراكهم لذاتهم. لقد أعادت منصات مثل إنستغرام وسناب شات وتيك توك تعريف كيفية تواصل الشباب، وغالباً ما توفر مساحة للإبداع والتعبير عن الذات. ومع ذلك، فإن هذا الفضاء الرقمي يأتي أيضاً مع تحديات كبيرة، ولا سيما فيما يتعلق بالصورة الذاتية. تشير الدراسات إلى أن ما يقرب من 70% من المراهقين يعتقدون أن احترامهم لذاتهم يتأثر بالإعجابات والتعليقات التي يتلقونها على منشوراتهم. يمكن أن تؤدي هذه التغذية الراجعة إلى شعور متزايد بالتقدير أو، على العكس، يسبب الضيق عندما يكون التفاعل منخفضاً. علاوة على ذلك، تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي في مهارات التواصل بين الأفراد من الشباب. وعلى الرغم من أنها توفر فرصاً للتواصل؛ يجادل العديد من الخبراء بأن الاعتماد على التواصل الرقمي يمكن أن يعوق التفاعلات الشخصية المباشرة. وفقاً لمسح أجرته مؤسسة بيو للأبحاث، يشعر 60% من المراهقين بعدم الراحة عند المشاركة في محادثات شخصية، وينسبون هذا الانزعاج إلى العادات التي تشكلت من خلال التفاعلات على وسائل التواصل الاجتماعي. هذا التحول في أساليب الاتصال يثير القلق بشأن الآثار طويلة الأمد على مهاراتهم الاجتماعية وجودة العلاقات التي يقيمونها في العالم الواقعي.
يمكنك متابعة: مواقع التواصل الاجتماعي | مجلة سيدتي
تحديات الشباب في عصر السرعة والتكنولوجيا

في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم، يجد الشباب أنفسهم في مواجهة تحديات غير مسبوقة تمس مختلف جوانب حياتهم؛ فبين التطور التكنولوجي المتلاحق، وتحولات سوق العمل، والتغيرات الاجتماعية، باتت الضغوط تتراكم على كاهل هذه الفئة التي تشكل عماد المستقبل.
البطالة وقلة فرص العمل
أول هذه التحديات يتمثل في البطالة وقلة الفرص الحياتية؛ فقد أصبح من الشائع أن يُنهي الشاب دراسته الجامعية بعد سنوات من الجهد والتعب، ليُصدم بواقع صعب يتمثل في سوق عمل مكتظ لا يرحم. لم تعُد الشهادة الجامعية، كما في السابق، تضمن وظيفة مستقرة، بل أصبحت جزءاً صغيراً من معايير التوظيف، في ظل تزايد عدد الخريجين وتراجع القيمة الفعلية للتعليم الأكاديمي. ومع دخول الذكاء الاصطناعي إلى مجالات متعددة، أُقصي العنصر البشري من مهنٍ كثيرة، حتى تلك التي كانت تُعتبر حكراً على الكفاءة البشرية، كالجراحة أو التدريس أو حتى الفنون.
أزمة ثقة عند الشباب
هذا الواقع يُسبب أزمة ثقة بالنفس لدى الشباب، حيث يشعر كثيرون منهم بالإحباط والعجز، خاصة إذا كانت نظرتهم لذواتهم مرتبطة بإنجازاتهم الأكاديمية. ومع توقعات الأهل العالية، يتولد شعور بالذنب لدى الشاب الذي لا يتمكن من تحقيق ما انتُظر منه. وهنا تتشكل فجوة بين الطموحات والواقع؛ ما يؤدي إلى ضغوط نفسية متزايدة قد تؤثر في الصحة الذهنية والاستقرار النفسي.
هشاشة العلاقات الاجتماعية
ولا تقف التحديات عند الجانب المهني فقط، بل تمتد إلى العلاقات الاجتماعية، حيث أصبحت أكثر هشاشة وسط طوفان التكنولوجيا؛ فقد تراجعت العلاقات العميقة، لتحل محلها صداقات سطحية عبر الإنترنت. وعلى الرغم من كثرة المتابعين والأصدقاء على منصات التواصل، يعاني الكثير من الشباب من العزلة الحقيقية والشعور بالوحدة. يُضاف إلى ذلك خطر التنمر الإلكتروني، الذي بات يشكل تهديداً نفسياً حقيقياً، خاصة في ظل غياب قوانين واضحة تحمي الأفراد على الإنترنت.
ضعف تحمل المسؤولية
ومن التحديات البارزة أيضاً، ما يتعلق بضعف تحمل المسؤولية وعدم الجاهزية لتكوين أسر متماسكة. الكثير من الشباب اليوم يجد صعوبة في إدارة حياته الشخصية، فضلاً عن بناء علاقة زوجية ناجحة؛ فقد تعوّد بعض الشباب الاعتماد المفرط على الأهل، ما يجعل الانتقال إلى الحياة المستقلة أمراً صعباً وصادماً. كما أن الواقع الاقتصادي الصعب وأسعار المعيشة المرتفعة يشكلان عائقاً أمام تأسيس أسر على النمط التقليدي المعروف في المجتمعات العربية.
أزمة تواصل وتحقيق ذات
كل هذه التغيرات تُنتج جيلاً يعيش في دوامة من القلق والتشتت وأزمة الهوية. في عالم تُختصر فيه المشاعر بـ"رموز تعبيرية"، وتُقاس فيه مدة الانتباه بالثواني، لم يعُد من السهل بناء تواصل حقيقي أو التعبير عن الذات بشكل عميق وصادق. وبهذا، نجد أن هذا الجيل يواجه أزمة تواصل وأزمة تحقيق ذات.
ما رأيك في الاطلاع على الصداقة الافتراضية.. هل هي حقيقية وتدوم؟
وتختم حلاوي: "نحن أمام جيل من الشباب يعيش وسط عالم لا يعترف إلا بالسرعة والتجدد، ويحتاج إلى دعم حقيقي، لا يتمثل فقط في النصائح التقليدية، بل في فهم عميق لتحدياته واحتياجاته. إن تمكين الشباب اليوم يتطلب تطوير المناهج، توفير فرص عمل حقيقية، دعم الصحة النفسية، وتعزيز مهارات الحياة التي تساعدهم على التكيف مع عالم متغير. فهم ليسوا ضعفاء، بل يواجهون واقعاً صعباً، ويحتاجون إلى من يرافقهم لا من يحاكمهم".