mena-gmtdmp

الصداقة الافتراضية.. هل هي حقيقية وتدوم؟

تصوير: دارون بانديرا Daron Bandeira - التاريخ: مايو 2024 - العدد: 2225
تصوير: دارون بانديرا Daron Bandeira - التاريخ: مايو 2024 - العدد: 2225

في عصرِ التكنولوجيا المتقدِّمة، والعالمِ الافتراضي الذي نعيشُ فيه، أصبح عقدُ الصداقاتِ، ثم الحفاظُ عليها أكثر أهميَّةً من أي وقتٍ مضى، فاليوم صارت علاقاتُنا الاجتماعيَّة، خاصَّةً الصداقات، مثل أنبوبِ الأوكسجينِ للمرضى في المستشفيات، شريانُ حياةٍ. لكنْ هل يتطلَّب الأمرُ علاقاتٍ جيِّدةً ومتينةً وإن كانت قليلةً، أم أن عدداً كبيراً من الصداقاتِ السطحيَّة، سيفي بالغرض؟ في هذا الشأن، تقولُ الدكتورة كارلا كسرواني، الاختصاصيَّةُ في علم النفس، في حديثها لـ «سيدتي»: «عندما يسألني عملائي عن ذلك، أميلُ إلى تقديمِ إجابةٍ متعدِّدة الطبقات».

الصداقات العميقة

تؤكِّدُ الدكتورة كارلا كسرواني، أن «الأبحاثَ العلميَّة، تشجِّع على عقدِ صداقاتٍ عميقةٍ، وعاليةِ الجودة، تُثري الروح، وتزوِّدنا بأكبر قدرٍ من الدعمِ العاطفي، والدفء، فهما عنصرَان أساسيَّان في الحفاظِ على حالةٍ عقليَّةٍ متوازنةٍ، تسهم في مواجهةِ عديدٍ من التحدِّيات النفسيَّة مثل الاكتئابِ، والقلق».

تقولُ، شارحةً أهميَّة الصداقةِ المتينة: «عكسَ الدولِ الغربيَّة، نحن محظوظون بشكلٍ خاصٍّ في هذا الجزءِ من العالم، فعلى الرغمِ من كلِّ الصعوباتِ التي نواجهها إلا أننا ما زلنا قادرين على الحفاظِ على شبكةٍ اجتماعيَّةٍ قويَّةٍ في حياتنا اليوميَّة. إن الاتِّصالَ بصديقٍ عزيزٍ، وعرضَ مشكلاتنا عليه له تأثيرٌ إيجابي كبيرٌ في حالتنا النفسيَّة والمزاجيَّة، تأثيرٌ يشبه مفعوله ما نشعرُ به عند تناولِ حبوبٍ مضادةٍ للاكتئاب، فالصداقةُ الحقيقيَّة، تزوِّدُ عقولنا بالدفءِ، والدعمِ، والحبِّ اللازم للبقاءِ على قيد الحياة. إنهم يملؤون حياتنا بالمعنى، ويضعوننا فيما هو مهمٌّ». وتستدرك: «لسوء الحظ، الحياةُ الافتراضيَّة التي نعيشها اليوم، جعلت من الصعبِ علينا تكوينَ صداقاتٍ، أو حتى الحفاظَ عليها».

وحول أفضلِ الأماكنِ للقاء أشخاصٍ جددٍ وذوي اهتماماتٍ مشتركةٍ، تجيبُ الدكتورة كارلا: «لفعل ذلك، يمكن زيارةُ صالةِ الألعابِ الرياضيَّة المحليَّة، أو حضورُ دروسِ نشاطٍ ما، أو ممارسةُ هوايةٍ معيَّنةٍ في مكانٍ عامٍّ، أو الوجودُ في التجمُّعات المجتمعيَّة، لكنْ، الأهمُّ من عقدِ صداقاتٍ جديدةٍ، تعلُّمُ كيفيَّة الحفاظِ على العلاقاتِ المحتملة، وتطويرها إلى صداقاتٍ قويَّةٍ، وهنا تبرزُ نقطتان رئيستان، الأولى معرفةُ احتياجاتك، إذ سيُساعدك ذلك في تحديدِ الصداقاتِ الجديرةِ بالاهتمام، فهذا الشخصُ، يمكن أن يكون قادراً على الاستماعِ إليك، والتعاطفِ معك، أو متاحاً في وقتٍ قصيرٍ، أو على مقربةٍ منك، أو يشاركك فقط شغفاً مماثلاً، والثانية معرفةُ احتياجاتِ الآخرين على اختلافها فحتى الصداقاتُ الحقيقيَّة، تتطلَّب قدراً معيَّناً من الاستثمارِ من الطرفين للحفاظِ عليها. إنها لا تحدثُ بسهولةٍ، لذا يجب أن نهدفَ دائماً إلى الحفاظِ على التوازنِ الذي تعلِّمنا إياه الطبيعةُ الأم، ذاك التوازنُ المثالي بين الأخذِ والعطاء. نحن ببساطةٍ لا نستطيع أن نُخرِجَ نفساً دون أن نأخذَ آخرَ. هذه هي دورةُ الحياة، وعليه يجب البحثُ عن تعزيزِ تلك الاتِّصالات التي تزوِّدك بالقدرِ الذي ترغبُ في بذله من جهدٍ ووقتٍ ودعمٍ».

يمكنك أيضًا الاطلاع على أخطاء شائعة في العلاقات الاجتماعية وكيفية تجنبها

 

 

الصداقات الحقيقية تتطلب قدراً معيناً من الاستثمار

 

 


الصداقات عالية الجودة نادرة


وعلى الرغمِ من أهميَّة الصداقاتِ الحقيقيَّة وعاليةِ الجودة، كونها تثري حياتنا إلا أن الدكتورة كارلا ترفضُ أن نجعل البحثَ عنها هدفاً رئيساً لنا. تبرِّرُ ذلك بالقول: «لسنا جميعاً محظوظين في هذا العصر لنعقدَ هذا النوعَ من الصداقات. هؤلاء الأصدقاءُ نادرون! لذا أميلُ إلى مقارنةِ الروابطِ الاجتماعيَّة في حياتنا بمجموعةِ الأدراج الموجودةِ في غرفة نومنا. إذا لم نتمكَّن من ملءِ الدرجِ العلوي ببعض الصداقاتِ الحقيقيَّة، فهذا لا يعني أن نتوقَّف عن ملءِ بقيَّة الأدراج من خلال العلاقاتِ عبر الشبكاتِ المهنيَّة والعائلة. يحتاج كلُّ واحدٍ من هذه الأدراجِ إلى الاستثمارِ في وقتنا وجهدنا ففي نهايةِ المطاف نحن مخلوقاتٌ اجتماعيَّةٌ قائمةٌ على التواصل».

وتطرَّقت إلى العلاقاتِ التي تنشأ حالياً في «السوشال ميديا» مبينةً أن «الباحثين، توصَّلوا في إحدى الدراساتِ إلى أن وجودَ مئاتٍ من الأصدقاءِ والمتابعين في مواقعِ التواصل الاجتماعي، ليس بديلاً أبداً عن الأصدقاءِ المقرَّبين، وإن كانوا قليلين في الحياةِ الواقعيَّة، وقد أثبتت أبحاثٌ عدة، أن الأشخاصَ الذين يحظون بصداقاتٍ قليلةٍ أكثر سعادةً مقارنةً بأولئك الذين يعقدون صداقاتٍ كثيرةً في الإنترنت، وأن مئات الصداقاتِ الافتراضية في هذه المواقع، لا تُغني الشخصَ عن الأصدقاءِ المقرَّبين في الحياةِ الواقعيَّة، فمَن تربطنا بهم صلةٌ على الإنترنت سواءً كانوا زملاءَ دراسةٍ، أو عملٍ، ليس لهم أي تأثيرٍ على سعادتنا.» لافتةً في هذا الجانب إلى أن «باحثين أكدوا أن وسائلَ التواصلِ الاجتماعي، تشجِّعُ الشبابَ اليوم على تكوين شبكاتِ تواصلٍ أكبر على حسابِ الصداقاتِ الحقيقيَّة! وهذا ما أوردته صحيفةُ ديلي ميل البريطانيَّة»، مشدِّدةً على أن «أفضل علاجٍ للوحدة قضاءُ بعض الوقتِ مع الأشخاص المقرَّبين منَّا في الحقيقة».

وفي ختامِ حديثها، نصحت الدكتورة كارلا ببناءِ روابطَ اجتماعيَّةٍ قويَّةٍ. تقولُ: «تأثيرُ الروابطِ الاجتماعيَّة، لا يرتبطُ بالعدد، وإنما بقوَّةِ وجودةِ هذه الروابط. قد تكون محاطاً بكثيرٍ من الأشخاص، ولديك آلافُ العلاقاتِ في مواقعِ التواصلِ الاجتماعي، ومع ذلك تشعرُ بالوحدة! والعكسُ صحيحٌ عندما يكون لديك عددٌ وإن كان قليلاً من الأشخاصِ الذين تتفاعلُ معهم، وتشعرُ بارتباطٍ كبيرٍ بهم. الروابطُ الاجتماعيَّة القويَّة وعاليةُ الجودة، تُبنى على الحبِّ، وتستنيرُ باللطفِ والمشاعرِ الإيجابيَّة التي تعزِّزُ الأداءَ والمرونة، كما تتميَّزُ بتجاربَ مشتركةٍ ذات مغزى، وعلاقاتٍ ذات منفعةٍ متبادلةٍ، يعطي فيها الأفراد ويتلقُّون».

يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط