السؤال يتردد في ذهن كثير من النساء منذ الأسابيع الأولى للحمل، خاصة حالة تحول الغثيان من عرض متوقَّع إلى تجربة يومية مُربِكة، أو رسالة استغاثة من الجسد تشير إلى نقص تغذية خطير يهدد صحة الأم والجنين معاً، والمعروف أن غثيان الصباح إحدى العلامات الشائعة والمبشرة لقدوم الحمل.
وهنا تؤكد الدكتورة عاليا عبد المجيد أستاذة طب النساء والولادة أن ليس كل غثيان في الحمل علامة اطمئنان؛ فالجسد يتحدث وله إشاراته، وعلى الحامل التفريق بين الغثيان الطبيعي وناتج نقص التغذية؛ لضمان حمل صحي وآمن، مع تتبع طرق العلاج.
الغثيان في الحمل: متى يكون طبيعياً؟

غثيان الحمل الطبيعي ظاهرة تكاد تكون جزءاً من مرحلة الحمل لدى غالبية النساء، ويبدأ هذا الغثيان عادة في وقت محدد نسبياً، ما بين الأسبوعين السادس والتاسع من الحمل، وهو توقيت يتزامن مع التغيرات الهرمونية السريعة، وخصوصاً ارتفاع هرمون الحمل، وزيادة مستويات الأستروجين.
في هذه المرحلة يكون الجسد في حالة إعادة تنظيم شاملة، والجهاز الهضمي من أكثر الأنظمة تأثراً؛ لذلك يظهر الغثيان غالباً على شكل شعور بعدم الارتياح في المعدة، وقد يصاحبه قيء خفيف، خاصة في الصباح، ومن الممكن أن يحدث في أي وقت من اليوم.
علامات تُطمئنكِ أن الغثيان طبيعي
- يكون خفيفاً إلى متوسط الشدة.
- لا يؤدي إلى فقدان الوزن ملحوظ.
- لا يسبب جفافاً أو اضطرابات حادة في السوائل.
يترافق مع أعراض حمل أخرى مثل:
- غياب الدورة الشهرية.
- تغيُّرات في الشهية "نفور من أطعمة معينة أو اشتهاء أخرى".
- تعب عام وانتفاخ أو غازات.
يبدأ بالانحسار تدريجياً مع نهاية الثلث الأول من الحمل؛ أي بين الأسبوعين الثاني عشر والرابع عشر.
أهم من ذلك، أن هذا النوع من الغثيان يكون محدود المدة.
كيف يُدار الغثيان الطبيعي؟
في الغالب، لا يحتاج غثيان الحمل الطبيعي إلى تدخل طبي معقد، بل يمكن السيطرة عليه عبر تغييرات بسيطة في نمط الحياة، مثل:
- تقسيم الطعام إلى وجبات صغيرة ومتكررة.
- تناول بسكويت جاف أو قطعة خبز قبل النهوض من السرير.
- تجنب الروائح النفاذة والأطعمة الدسمة.
- شرب السوائل الباردة أو بكميات صغيرة على فترات متقاربة.
هذه الإجراءات قد لا تزيل الغثيان كلياً، لكنها تجعله محتملاً، وتسمح للمرأة بممارسة حياتها اليومية دون استنزاف طاقتها.
غثيان غير طبيعي ناتج عن نقص التغذية

بينما هناك نوع من الغثيان يبدو في ظاهره شبيهاً بغثيان الحمل، لكنه يختلف عنه جذرياً في العمق والخطورة؛ وهو الغثيان الناتج عن نقص وسوء التغذية، الذي قد يكون مرتبطاً بنقص في فيتامينات ومعادن أساسية يحتاجها الجسم بشدة خلال الحمل.
تشير الأبحاث الطبية إلى أن نقص فيتامينات مثل B6 وB12 إضافة إلى فيتامين D، يمكن أن يؤثر بشكل مباشر في تنظيم الإشارات العصبية المرتبطة بالغثيان والقيء، ومع استمرار النقص، يدخل الجسد في حلقة مفرغة مثل:
الغثيان يقلل من القدرة على الأكل، وقلة الأكل تفاقم نقص المغذيات؛ ما يزيد الغثيان سوءاً.
ومن سماته المقلقة:
- يكون شديداً أو مقاوماً للتدابير التقليدية.
- يترافق مع قيء متكرر قد يؤدي إلى فقدان وزن يتجاوز 5% من وزن الجسم.
- جفاف واضح، واضطرابات في توازن السوائل والأملاح.
- قد يصاحبه إعياء شديد، دوخة، أو علامات اضطراب أيضي مثل الحالة الكيتونية.
- لا يلتزم هذا النوع بجدول زمني واضح، وقد يستمر أكثر من نصف فترة الحمل، أو يتحول إلى حالة مزمنة.
التأثيرات الصامتة في الأم والجنين:
خطورة الغثيان الناتج عن نقص التغذية لا تكمن فقط في الإزعاج اليومي، بل في آثاره العميقة في صحةالأم والجنين على المَدَيَيْن القريب والبعيد.
في الأم:
- استنزاف جسدي ونفسي قد يصل إلى حالات اكتئابية.
- شعور بالعجز وفقدان السيطرة على الجسد.
- في الحالات الشديدة، قد تظهر أفكار سلبية أو يأس عميق نتيجة الألم المستمر.
في الجنين:
- بطء في النمو داخل الرحم.
- انخفاض الوزن عند الولادة.
- احتمالات اضطرابات في التطور العصبي لاحقاً، خصوصاً إذا استمر نقص المغذيات فترة طويلة.
هذه المخاطر تجعل التمييز المبكر بين النوعين مسألة أساسية، لا رفاهية.
كيف تميزين بين النوعين؟
التمييز بين غثيان الحمل الطبيعي وغثيان نقص التغذية يعتمد على مجموعة من المؤشرات الواضحة:
الوقت: الطبيعي يبدأ مبكراً ويخف بعد الأسبوع الـ14، وغير الطبيعي يستمر طويلاً أو يزداد سوءاً.
الحدة: الطبيعي لا يسبب فقدان وزن، أما غير الطبيعي فيؤدي إلى فقدان وزن وجفاف.
الأسباب: الطبيعي مرتبط بالتغيرات الهرمونية، وغير الطبيعي مرتبط بنقص الفيتامينات والمغذيات.
الأعراض المصاحبة: الطبيعي لا يترافق مع أعراض مرضية خطيرة، وغير الطبيعي قد يشمل اضطرابات أيضية أو صعوبة في الاحتفاظ بالطعام.
الحالة الأشد: القيء الحملي المفرط "Hyperemesis Gravidarum"

في أقصى درجات غثيان نقص التغذية، تظهر حالة تُعرف بالقيء الحملي المفرط، هنا لا يعود الأمر مجرد غثيان مزعج، بل حالة طبية حقيقية قد تهدد الحياة إذا لم تُعالج بشكل مناسب.
قد يصل عدد مرات القيء إلى عشرات المرات يومياً، ولا تتمكن المرأة من تلبية حتى نصف احتياجاتها الغذائية، ويحدث نقص حاد في الفيتامينات والمعادن.
يصبح التدخل الطبي العاجل ضرورياً، وقد يستلزم دخول المستشفى لتلقي السوائل الوريدية، والمكملات، وأدوية مضادة للغثيان.
نصائح عملية لكل امرأة حامل

- الغثيان الطبيعي يتحسن بتعديلات بسيطة، وغير الطبيعي يتطلب فحوصات دم، وتعويضاً غذائياً، وأحياناً علاجاً دوائياً.
- تفهمي الإشارات، واطلبي المساعدة في الوقت المناسب؛ لتحمي نفسك وتمنحي جنينك بداية أكثر أماناً للحياة.
- اهتمي بكل تفصيلة صغيرة؛ فالحمل تجربة إنسانية تستحق الوعي، والرحمة، والعناية المبكرة.
- راقبي وزنكِ بشكل دوري، خاصة في الثلث الأول، وانتبهي لكمية السوائل التي تتناولينها يومياً.
- لا تتجاهلي الغثيان الشديد أو المستمر، واستشيري طبيبة أو مختصة تغذية عند الشك بوجود نقص.
- لا تترددي في استخدام المكملات الغذائية الموصوفة طبياً، مثل فيتامين B6 عند الحاجة.
* ملاحظة من "سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.






