طفلك الأعسر قد يكون عبقريا


 

تجزع بعض الأمّهات حين تكتشف أن طفلها أعسر (أشول)، وأنّه يفضّل الاعتماد على يده اليسرى أكثر من اليد اليمنى فتبدأ بالقلق والتوتر، رغم أن العالم قد بدأ ينظر بشكل مختلف وإيجابي إلى هذه الحال. فبعد أن كان المعلّم في المدارس البريطانية يجبر الطالب في الخمسينيات من القرن الماضي بالقوة وبالتهديد والتوبيخ وأحياناً بالعنف كي ينقل القلم من يده اليسرى إلى اليمنى، صار للأعسر اليوم أدوات خاصّة مصنّعة بطريقة تعينه على إنجاز كل مهامه اليومية، وبرزت في الإعلام أسماء ووجوه لمشاهير وسياسيين ورياضيين يستخدمون يدهم اليسرى، خصوصاً أن الدراسات العلمية تؤكد أن حوالي نصف المتفوّقين عالمياً هم من مستخدمي اليد اليسرى. أمّا في بلادنا العربية، فإن الأمر ما يزال يراوح في مكانه، وما يزال عدد من الأطفال يعانون الأمرّين، سواء في الماضي عندما كان يربط بعض الأهل اليد اليسرى لطفله كي يجبره على استخدام اليد اليمنى أو في وقتنا الحالي حيث يقابل الصغير أحياناً بغضب المعلّم حين يكتب باليسرى، وبسخرية الرفاق وحزن الأهل وشعورهم بالإحباط والمرارة واستخدامهم العنف أحياناً لتصحيح ما يرونه عيباً في طفلهم. ومن أجل مزيد من الفهم والتوعية بهذه الحال، كان لـ «سيدتي» اللقاء الآتي نصه مع الاختصاصية النفسية سوزن فوستر التي تعمل في عيادة North London للصحة الأسرية:

 


 

تكتشف الأم أن ابنها أعسر؟

يعطي الطفل إشارات أولية عن تفضيله لليد اليسرى على اليمنى حالما يبدأ بالتحرّك والكلام. وليس هنالك عمر محدّد ودقيق لاكتشاف هذا الأمر، ولكن الصورة تبدأ بالوضوح بعد عام ونصف من عمر الطفل، وتزداد وضوحاً في عمر الثلاثة إلى أربعة أعوام. وأهمّ العلامات التي تدلّنا على الطفل الأعسر، هي: اليد التي يحمل بها الملعقة وقلم الألوان وتفضيله للقدم اليسرى حين يطلب منه أن يقف على قدم واحدة واستخدامه لها في رفس الكرة. وقد تظهر بعض الإشارات غير الحاسمة في عمر التسعة شهور حين تقدّم الأم لطفلها لعبة فيأخذها بيده اليسرى أو حين يمسك بثدي أمّه بيده اليسرى عند الرضاعة أو عند حمل رضاعة الحليب. وهنالك بعض الأطفال الذين يستعملون اليدين بنفس الفاعلية
ولا يحدّدون خيارهم إلا في عمر الخامسة أو السادسة، وأحياناً يكتبون باليمنى بضغط من الأهل والمعلمين، ولكنهم يستخدمون اليسرى في كل المهام الأخرى.

 

ما هي الأسباب العلمية وراء حدوث هذه الحال؟

يمكن القول إن حوالي %10 من سكان العالم هم من هذه الفئة، وقد بحث العلماء هذه الظاهرة من كل جوانبها. وفي العام 2007، اكتشف علماء من جامعة أوكسفورد أول جين مسؤول عن زيادة احتمال ظهور مواليد يفضّلون اليد اليسرى على اليمنى يدعى LRRTM1 والذي يبدو أنه يلعب دوراً رئيساً في تحديد الوظائف التي يسيطر عليها الجزء الأيمن أو الأيسر من الدماغ. فالإنسان الذي يستخدم اليد اليمنى يكون الجزء الأيسر من دماغه مسؤولاً عن الكلام واللغة، فيما يسيطر الجزء الأيمن على العواطف، وتنقلب هذه المعادلة لدى الإنسان الذي يستخدم اليد اليسرى. وثمة نظرية ثانية غير مؤكدة تقول إن زيادة هرمون «التيستوستيرون» عند الرجل أثناء الإخصاب قد ينتج عنه مولود أعسر. كما أن نظرية فرنسية ثالثة تقول إن المولود الأعسر ربما كان جزءاً من توأم مات أحدهما وكان يمكن أن يستعمل اليد اليمنى ونجا الأعسر! وعموماً، تلعب الوراثة دوراً هاماً في ظهور المولود الأعسر، وأن الأم والأب الأعسرين سينجبان طفلاً أعسر بنسبة تتراوح ما بين %45 إلى %50.

 

التحدّي الأكبر

ما هو التحدّي الأكبر الذي يواجه الطفل الأعسر؟

ربما تكون تجربة الكتابة للمرّة الأولى هي أكبر تحدّ يواجه الطفل الأعسر! ولعلّ الأمر سيكون أهون مع الأطفال الذين يكتبون من اليمين إلى اليسار، مثل الناطقين بالعربية والفارسية والعبرية والأوردو، إلا أنّه سيكون أكثر صعوبةً مع الذين يكتبون من اليسار إلى اليمين كاللغة الانكليزية والفرنسية حيث تتحرّك يدهم اليسرى فوق الحروف وتتلطخ بالحبر.

 

هل من مشكلات نفسية يمكن أن تواجهه؟


يعاني الطفل الأعسر من مشكلة مزدوجة، فهو يلاحظ عدم الراحة أو حتى الشعور بالأسف والمرارة في عيون والديه وبتعاملهما الغريب معه وكأنه يشكو من عيب أو نقص جسماني. كما يواجه سخرية زملاء المدرسة واستخفافهم به وتندّرهم عليه لأنه لا يستطيع أن يعزف على الآلة الموسيقية العادية أو لأنه يجد صعوبة في الكتابة أو في قصّ الورق في مادة الفن، أو لأنه يضع أحياناً الساعة في يده اليمنى وأن هذا التعامل يجعله يشعر بأنه أدنى مستوى وأقل قيمة من الآخرين ويعزّز لديه الشعور بالاختلاف.

وفي الموازاة، يقود تعرّض الطفل الأعسر للضغط الشديد من الأهل أو المعلم كي ينتقل من اليد اليسرى إلى اليمنى الى الإحباط، فضلاً عن مشكلات نفسيّة معقّدة، من بينها: التلعثم بالكلام والخجل وفقدان الثقة بالنفس والخوف وعدم الشعور بالأمان، ما يجعله متحفّزاً للدخول في معارك مع زملاء المدرسة لشعوره بالغبن وبالاستهداف من الآخرين. ويمكن للمعلّم أن يلعب دوراً إيجابياً في التخفيف من حدّة هذه المشكلات ومعالجتها بقليل من التفهم والصبر وإدراك حجم الضغوط النفسية التي يتعرض لها الطفل، مع محاولة استثمار أية موهبة عنده.

 

دور الأم

 

كيف تتعامل الأم مع طفلها الأعسر؟

للأم دور كبير في الأخذ بيد طفلها الأعسر في سنينه الأولى والتي تعدّ الأصعب في حياته والأكثر أهميّة في تشكيل شخصيته، من خلال تفهّمها وقبولها الفكرة وعدم إجبار صغيرها على استخدام اليد اليمنى. ويجدر بها أن تدرك أن هذا الأمر يحدث تلقائياً ودون إرادة الطفل، فهو لم يختر أن يكون أعسر، كما أنّه غير قادر على تغيير هذا الأمر. ويمكن للأم أن تشتري بعض الأدوات التي تساعد صغيرها على التغلّب على بعض الصعاب التي تواجهه في المدرسة، وعليها أن تؤكد له أنه خاص ومميّز وأنّه لا يشكو من عيب خلقي وأنّه قادر على تحقيق كل أحلامه. ويمكن أن تطرح أمامه أسماء كثير من الرياضيين والعازفين والعلماء من المشاهير الذين لم تؤثّر حالهم الخاصّة في وصولهم إلى أعلى درجات التفوّق والنجاح ولم تثنهم عن تحقيق أحلامهم.

 

هل حقيقة ما يشاع أن الطفل الأعسر حاد الذكاء وربما عبقري أيضاً؟

هنالك بعض الدلائل التي تشير إلى وجود اختلافات جوهرية بين الذين يستخدمون يدهم اليمنى والآخرين الذين يستخدمون اليسرى. وفي هذا الإطار، أظهرت دراسة أسترالية نشرت العام الماضي أن الأعسر يمكن أن يفكّر بطريقة أسرع عند استخدام ألعاب الكومبيوتر أو عند ممارسة بعض الألعاب الرياضية. وأشارت دراسة فرنسية إلى تفوّق الأعسر في بعض المهارات اليدوية وفي الأمور التي تتطلّب جهداً ذهنياً مثل الرياضيات والحساب، وترى أيضاً أنّ له ميزة استراتيجية عند الدخول في معارك مع الآخرين، وتعزو السبب إلى شعور الأعسر بأنّه من ضمن أقليّة في المجتمع. لذا، يبدأ بتدريب نفسه على المواجهة بطريقة يتفوّق فيها على الشخص الذي يستخدم يده اليمنى. وأشارت دراسة أمريكية إلى أنّ تفوّق الأعسر يعود بالدرجة الأولى إلى شعوره بالنقص ورغبته في إثبات الذات، أمّا عن تفوّقه الرياضي وخصوصاً في الألعاب الفردية ككرة المضرب، فإن الأمر يعود إلى أن الأعسر يتدرّب على مواجهة من يستخدم اليد اليمنى، فيما يبقى مجهولاً بالنسبة للطرف الآخر. ومن هنا تأتي قوته! وتذكر دراسة قامت بها جامعة «برستول» البريطانية ذكاء الأعسر وقابليته على فهم الأمور بطريقة خاصّة، ما يفسّر وجود كثير من العباقرة ممّن يستخدمون يدهم اليسرى.