أطفال يحولون المكافآت لمقايضات ابتزازية

3 صور

جلست أمام مكتب "سيِّدتي" بعيون شاردة تحدث نفسها هامسة: لا أعلم ماذا حدث لطفلي؟ كنت أكافئه لتشجيعه وزيادة حماسه، الأمر كان بيدي، والآن أصبح الأمر بيده، هو من يقايضني ليكسب المكافآت رغماً عني ليقوم بالسلوك الحسن.
تساؤلات روتها إحدى الأمهات في محاولة فهم سبب فقدانها السيطرة في تطبيق مبدأ الثواب بالهدايا التشجيعية، لينقلب الوضع لأمر إجباري بفرض الطفل اتباع التوجيه من قبل الأم على شرط أن ينال مكافأته، من أصبح يسيطر على من؟ وهل المكافأة أمر إلزامي فرض على الأم من قبل الابن؟
جميع تلك التساؤلات وأكثر تحدثنا حولها مع أكاديمية علم النفس التربوي نور علي، كاشفة لنا عن المرغوب والممنوع في مكافآت الطفل، وكيفية وضع الضوابط لها، ومتى تضع الأم خطوطها الحمراء للتوقف إن وصل الأمر للمقايضة؟


سلبيات مقايضة الأبناء للآباء:

• إنشاء طفل استغلالي متطلب دائماً يصعب إرضاؤه.
• حب الطفل لنيل المقابل الدائم على أفعاله وتسلط الـ"أنا".
• استسهال المقايضة في تحقيق الرغبات، والتي تنمو مع الطفل عبر السنوات.
• العند والتسلط في الرأي لتحقيق مبتغاه.
• عدم الشعور بأهمية المجهود المبذول في تحقيق الهدف.
• تفقد المكافأة قيمتها وبهجتها في نظر الطفل.


مؤشرات تدل على أن طفلك يقايضك: قبل سرد الأساسيات التي يجب على كل مربٍّ اتباعها في تطبيق التعزيز المادي والمعنوي على الطفل، يجب معرفة كيفية التصرف للسيطرة على الأمر عند شعور أحد الأبوين بأنه أصبح مبتزاً ومقايضاً من قبل طفله مستخدماً التصرفات التالية:


• المطالبة بمقابل دائم للتصرف السليم.
• فرض طلباته على الوالدين وشروطه لتنفيذ المهام.
• تعمد خلق الفوضى لينال حصة جديدة من المقايضة يهدف إليها.
• تصنع البؤس والحزن لتلبية رغباته التي يقرنها بمكافأة.
• تعمد التصرف السلبي والزيادة به عند رفض طلبه كعقاب للوالدين.


أساسيات التعامل الصحيح مع قاعدة "الثواب" بعيداً عن ابتزاز الأبناء:
1. الأسلوب الحواري: للحوار قيمة كبيرة ومعنوية، فالطفل يرغب دائماً بأن يفهم قبل أن يؤمر، ومن الهام شرح للطفل أهمية ما يطلب منه من تعديل سلوك واستذكار وتشجيع قبل أن يعطى له "حافز" على صينية من ذهب دون أن يفقه الهدف الحقيقي خلف ما سيناله من مكافأة.


2. وضع قواعد للمكافآت: لن يثاب الطفل في كل خطوة وكل سلوك جيد، بل يجب أن تبنى المكافآت على بند الاستثناء، وليس الدوام، وأن يفرق بين الانضباط والثواب، ويبنى الانضباط على محافظة الأبناء على مواعيد الاستذكار والنوم والاحترام وغيرها من الأمور، وقد يخطئ الآباء في فرض الهدايا على السلوك الانضباطي، فلكل تصرف نظام وتوقيت معين يجب أن يتعود الطفل عليه ويحترمه دون مقابل، أما المكافآت الاستثنائية فهي التي توضع في المناسبات الهامة للتشجيع والتحفيز.


3. التنوع في المكافآت: ليس شرطاً أن تحصر المكافآت في نطاق "الهدية والمال"، فهناك عدة طرق تكون بمثابة المكافأة المخفية التي تؤثر في الطفل وتدعمه من خلال استخدام كلمات الثناء والتشجيع والاحتضان والإشادة به دون زيادة عن الحد، تلك الأمور البسيطة تترك أثراً كبيراً في نفس الطفل وتشعره بالأمان وبأهمية ما أقدم عليه، كما بالإمكان وضع المكافآت الصغيرة دون إظهارها من منطلق "الثواب الغير مباشر" من شراء الحلوى أو قضاء وقت ترفيهي بمشاهدة التلفاز واللعب، فتقول الأم للطفل: "أنت اجتهدت اليوم في الدراسة، دعنا نشاهد مزيداً من الكرتون أو نتناول الحلوى"، "أنت اليوم كنت مهذباً وأنا سعيدة، هيا نقضي وقتاً ممتعاً في اللعب معاً"، فيما تأتي المكافآت المادية في المرحلة الأخيرة، وعلى فترات متباعدة من وقت لآخر.


4. معرفة الطلب من المقايضة: قد يطلب الطفل هدية نظير نجاحه، فيرفض الوالدان ذلك خوفاً من أن يقعا في المقايضة، لذا من الهام التمييز بين رغبة الطفل الصادقة وفرضه الابتزازي، والتي تقاس بتصرفات الطفل السابقة، وإذا كان طلبه نتيجة رغبته الشديدة في امتلاك شيء يحبه أم مجرد ابتزاز.


5. التصرف أهم من المكافأة: على الوالدين أن يغرزا هذا المفهوم في نفوس الأبناء بتذكيرهم دائماً بقيمة سلوكهم الحسن، واجتهادهم الذي يبرز ذكاءهم، ومدى حسن تربيتهم، وإخبارهم بالسلوك المتوقع منهم بدلاً من قول "إن كنت فعلت كنت سأعطيك"، تلك الثقة في تصرفاتهم تعتبر مكافأة الوالدين يحصدانها من أبنائهم، وهذا النوع من التعزيز الإيجابي يخلف الترابط الأسري والقوي بين الأبناء والوالدين الذي يقدرونه أكثر من الهدايا العينية، مثلاً: "أتوقع منك عندما تريد شيئاً أن تقول من فضلك" بدلاً من قول "لا تتحدث بصوت مرتفع".


6. المكافأة وسيلة وليست غاية: الفهم أن الغاية من المكافآت هي تحفيز الطفل على ممارسة مسؤولياته بصورة ناجحة، ويجد حافزاً يتخطاه لينال ما يسعده في النهاية، وليس من أجل الحصول على ما يرغب به في أي وقت وفرض السيطرة والتحكم في الآخرين.


7. الوفاء والعقاب: إذا وعد الوالدان بإعطاء مكافأة على أن تكون غير متكررة باستمرار، عليهما الوفاء بها دون تأخير أو تردد، وعند فشل الطفل أو عناده لتنفيذ ما وجه إليه، يجب فرض العقاب عليه ليعلم مقدار التزام الوالدين بقواعدهما.


8. التوازن السلوكي: بين الثواب والعقاب يجب أن يوضع معيار التوازن كي لا يخرج الأمر إلى الانحرافات السلوكية في شخصية الطفل، فالثواب والعقاب كلاهما يهدفان إلى تعزيز سلوك الطفل وليس تدميره، لذا يجب تجنب العقوبات القاسية والمؤذية، والإمعان في كثرة الإغداق بالمكافآت.