حياة أخرى

شهرزاد

 

تبدو حياتنا أحياناً وكأنها حلقة من الغموض، ننغمس فيها بلا وعي، وندور فيها حد التخبط قبل الوصول إلى نقطة الاستقرار؛ فنتعرض فيها للكثير من المواقف التي تملأ أرواحنا باستفسارات لا نجد لها إجابات مقنعة.
كتلك المواقف التي نمر بها للمرة الأولى؛ فتبدو لنا وكأنها مكررة الأحداث ، لكننا نعجز عن تذكر متى وكيف وأين عشنا هذه التفاصيل؟ لنتضخم بالكثير من الدهشة وبالكثير من استفسارات تتحول مع الوقت إلى فراغات تبحث عن إجاباتها الصحيحة..
وكتلك الوجوه التي نلتقيها صدفة؛ فيخيل إلينا أننا قد تعرفنا عليها في مكان ما، وأن هذا اللقاء العابر على طريق يكتظ بالعديد من المارة، ليس هو اللقاء الأول بيننا وبينهم، كما يوحي المكان والوقت والتاريخ.
فنحمل الأسـئلة في دواخلنا ونكمل طريقنا بصمت..
فهناك أحاديث يجب ألا نثرثر بها خارج أجسادنا وخارج عقولنا..
وكتلك المدن والأمكنة التي تتعلق بها أرواحنا منذ الزيارة الأولى لها، كأننا عشنا فيها عمراً بكامل تفاصيله، وكأنه كانت لنا بها حياة قديمة، وذكريات قديمة؛ فنَحِنّ إليها كأنها مرحلة سابقة من أعمارنا، وكأننا مررنا بها يوماً ثم غادرناها بالكثير الذي تحول في الذاكرة إلى كتلة من حنين..
فمن منا لم يشعر يوماً أن ذلك المكان يشبه روحه لدرجة الألم عند المغادرة والحنين عند الغياب، ومن منا لم يشعر يوماً بأن ذلك الوجه الذي مرّ به في ازدحام الحياة، كان يجب أن يكون نصفه الآخر، لكن اختلاف الطرق غيّر الأدوار فوق مسارح الحياة.
فهل عاشت أرواحنا على الأرض قبلنا؟ وهل تواجدنا على هذا الكوكب بأجساد أخرى وأسماء أخرى وأوطان أخرى ورفاق آخرين؟
وهل عشنا عليها حياة أخرى، وتقاسمنا تفاصيلها مع بشر لم يعد لهم في زماننا هذا وجود؟
فنحن قد نفر بخيالنا أحياناً إلى مدن أخرى، وقد نتجول بأحلامنا في طرقات بعيدة عن واقعنا، ونلتقي بوجوه تألفها أرواحنا كثيراً.
فهل أحلامنا هي مخزون حياتنا الأخرى؟ أم أنها مجرد ثرثرة أرواح مرهقة تمارس الصمت أمام أحداث الحياة الواقعية، ثم تفر إلى الأحلام كي تتنفس من خلال تلك الرؤى العابرة؟
أم أنه مجرد تشابه أرواح يدفعنا للشعور حد التوهم بأننا ذات زمن كنا هنا، لكننا رحلنا بالكثير من التفاصيل، ثم كررنا العودة إلى الأرض بأجساد جديدة، وذاكرة جديدة..
فمن الصعب على أرواحنا التي تؤمن بأن الموت لا يتكرر، والبعث لا يتكرر، أن تؤمن بأن هناك حياة أخرى سبقت حياتنا الحالية، حياة مختلفة أدينا بها أدواراً تختلف عن أدوارنا الحالية..
قبل النهاية بقليل:
الوجوه التي تعترض طريقنا على هيئة صدفة عابرة، تتحول حين تختفي إلى قصة قصيرة جداً!