بدرية البشر تروي حكايات نجد الشعبيَّة

2 صور

تشكل الحكايات الشعبيَّة عالماً مغرياً لأي منَّا، بما فيه من تاريخ وفكاهة وأقوال ومآثر وسير تختصر أياماً سالفة لا نعرف عنها الكثير. من هنا قررت الروائيَّة والكاتبة السعوديَّة بدريَّة البشر اقتحام عالم منطقة نجد قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عام 1157هـ -1744م من خلال الحكايات الشعبيَّة، فأصدرت أخيراً عن دار جداول كتاباً بعنوان (نجد قبل النفط: دراسة سسيولوجيَّة تحليليَّة للحكايات الشعبيَّة).

وهو بطبيعة الحال يشكل تجربة جديدة تختبرها البشر بعد كتابة الرواية والمقال. وفي هذا الصدد تقول لـ«سيدتي نت»: الكتاب نتاج رسالة الماجستير. ولقد اخترت هذا الموضوع تحديداً لأنَّه لم يتطرق إليه أحد من قبل. وهو في الوقت نفسه يتقاطع مع القصة القصيرة من خلال الحكايات الشعبيَّة في منطقة نجد التي جمعها عبد الكريم الجهيمان.

ومن ثم أخضعتها للتحليل الاجتماعي فاكتشفت نقص المعلومات الاجتماعيَّة حول منطقة نجد، على الرغم من أهميَّة الموضوع على المستوى الأنثروبولوجي، إلا أنَّ شغفي بالحكايات الشعبيَّة دفعني لتحليلها والاستزادة من الحياة الاجتماعيَّة في منطقة نجد، التي تشكل لأي باحث وروائي وقاص مخزوناً قد يفيده في التعرُّف إلى عوالم مناسبة لشخصياته وأبطاله في أعمال أدبيَّة.

بناء قصصي
ويبدو أنَّ بدريَّة البشر لم تبتعد في كتابها (نجد قبل النفط: دراسة سسيولوجية تحليلية للحكايات الشعبيَّة) عن البناء القصصي، حيث حرصت كما تقول على التعرُّف إلى حياة أهل نجد من خلال ما سجل في الحكايات الشعبيَّة، التي لا تستند إلى راوٍ واحد، بل إلى المجتمع كافة، وبالتالي تحمل مضامين مهمة على المستوى الاجتماعي أو النفسي أو المعاشي.

وهنا يمكن للقارئ معرفة القيم والعادات والأعراف التي يؤمن بها الناس، وشكل أزيائهم، وأنواع الطعام، وطريقة الاحتفالات. وبناء على ذلك تناولت البشر حكايات نجد الشعبيَّة من خلال ثلاثة محاور التي حددتها حسب الشكل التالي: يتناول المحور الأول دور الرجل والمرأة في نجد، كما انعكس في الحكايات الشعبيَّة. وحرصت في المحور الثاني على التعرف إلى مفهوم السلطة في نجد، وكيف تتوارث، وما هي مهام الحاكم أو الشيخ وصولاً إلى سلطة الأب. أما المحور الثالث فيتعلق بمسألة القيم الموجودة داخل هذه الحكايات مثل الصدق والحذر والأمانة والشرف الموجودة في كل الحكايات الشعبيَّة.

غموض وصعوبة
لكن البشر واجهت كما تقول صعوبة كبيرة أثناء العمل على هذه الدراسة، بسبب الغموض الذي يكتنف تاريخ نجد في فترة ما قبل الدعوة. لذلك اعتمدت على الحكايات الشعبيَّة الفلكلوريَّة التي جمعها الشيخ عبد الكريم الجهيمان ومحمد العبودي. ليس ذلك فقط، بل اعتمدت على دراسة الأخوين غراين في ألمانيا، اللذين كانت لهما تجربة في جمع الحكايات الشعبيَّة الألمانيَّة، بالإضافة إلى بعض الدراسات العربيَّة في قطر، لكني لم أجد هذا النوع من الدراسات في السعوديَّة.

أما أكثر الحكايات الشعبيَّة التي توقفت أمامها البشر أثناء عملها في الكتاب تلك التي تشير إلى الموقف من المرأة. وتشرح ذلك قائلة: تنقل الحكاية الشعبيَّة في نجد مفهوماً ينتقص من قيمة المرأة ويقلل من الثقة فيها، حتى أنَّ بعض الحكايات تحاول أن تؤكد على أنَّ المرأة غير جديرة بالثقة، أو أنَّها كائن غير عاقل، أو خائنة.

وتلتصق بها هذه الصفات السلبيَّة كلما تقدمت المرأة في السن، حيث تتسلم المرأة الكبيرة في السن الوظيفة الشريرة، فتساعد الشيطان واللص مثلاً وتسهل مهام الرجل الغريب. وأيضاً تعلي حكايات نجد الشعبيَّة من قيمة الفتاة البكر على المرأة الثيب. وهذا ما ظهر جلياً في إحدى الحكايات الشعبيَّة، حيث نصح أب ابنه بالزواج من فتاة بكر وليس من امرأة ثيب، لتنتهي الحكاية الشعبيَّة بالتأكيد على صوابيَّة رأي الأب، وأنَّ الزواج من الثيب لا يقود إلا للخسران. لكن على المقلب الآخر تعلي الحكايات الشعبيَّة من قيمة الأم، حيث حافظت على مكانتها وقيمتها. وهذا كله يدل على أنَّ الأنثى في المجتمعات الشرقيَّة، سواء في الهند أو نجد أو إيران أو غيرها من البلاد تحتل مرتبة دنيا، خصوصاً في المجتمعات غير المتمدنة، التي تمارس التمييز ضد المرأة، وتتكرس الطبقيَّة بينها وبين الرجل. وهذا ما رصدته في الكتاب من خلال الحكايات الشعبيَّة.