mena-gmtdmp

فنانون يُجسدون الجمال الأيقوني لمدينة البندقية الإيطالية

 لوحة عرس قانا
عُرضت لوحة "عرس قانا" للفنان باولو فيرونيزي في متحف اللوفر بباريس، في 7 يونيو/حزيران 2023. (Photo by MARCO BERTORELLO / AFP)

البندقية مدينة مثالية للحلم والخيال، ذات أجواء كرنفالية نابضة بالحياة، يغلفها السحر والغموض والأسرار، تعج بالألوان والحكايات السريالية الضاربة بجذورها في عمق التاريخ؛ حيث لم تجرؤ آلة الزمن أن تدخل بفعلها العجيب، فتغير من طبيعة هذه المدينة العتيقة بدقائقها وتفاصيلها وأصالتها، ولم تنجح في عصْرنة أجوائها وعلامات تميزها، فما زالت المباني الأوروبية القديمة بزخارفها المعمارية المبدعة بمختلف طرزها وفنونها، تعانق الطبيعة البحرية المذهلة للمدينة العائمة التي تتكون من مجموعة من 118 جزيرة، يربطها أكثر من 400 جسر تعلو ما يقرب من 200 قناة مائية، وتتخللها حوالي 125 ساحة، بالإضافة للأزقة الضيقة التي لا تقع على القنوات، والذي جعل المدينة بلا طرق وبلا سيارات؛ حيث يُحظر استخدام السيارات، وهو ما أجبر السكان المحلين والزوار العابرين والسائحين وعاشقي المدينة على المشي أو استخدام إحدى وسائل النقل المائي، مثل التاكسي المائي، أو القارب البخاري، أو القارب الخاص، أو الجندول.
كل هذه الأجواء مثلت أجواء مثالية للمبدعين وفضاءات شاسعة للفنانين؛ حيث تزهر موهبتهم، وتنطلق قريحتهم، وتفيض ملكاتهم الإبداعية، فيصولون ويجولون فيها بأفكارهم وخيالاتهم ورؤاهم وأحلامهم، ويحولونها بأقلامهم وألوانهم ومنحوتاتهم لمدينة الفنون بامتياز، فتغدو المدينة بطول الزمان مركزاً رئيسياً لعدد من الحركات الثقافية والفنية المهمة عبر التاريخ، خاصة خلال عصر النهضة؛ حيث أصبح العديد من البنادقة الأثرياء رعاة للفنون والإبداع.
اليوم وفي زخم استضافة مدينة البندقية لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي 2025 الذي يقام على ضفاف جزيرة ليدو دي البندقية خلال الفترة من 27 أغسطس إلى 6 سبتمبر 2025، والذي تحتضنه المدينة الساحرة، وما يحفل به من زخم من الفعاليات الفنية والإبداعية، وفي ظل التغطية المميزة التي تقدمها لكِ "سيدتي" لفعاليات المهرجان، "سيدتي" تٌدخلكِ فضاءات المدينة الإبداعية والفنية، وتعرفك في السياق الآتي على عدد من الفنانين الفينيسيين، وكيف أثروا الإبداع التشكيلي العالمي، وكيف جسدوا الجمال الأيقوني المذهل لمدينة البندقية الإيطالية؟.

أجواء مذهلة أدت لظهور بعضٍ من أكثر الفنون إبداعاً وعاطفةً

تُظهر هذه الصورة لوحة "الرجل ذو القبعة" (Gentiluomo col cappello) لرسام عصر النهضة الإيطالي تيتيان، خلال حفل إعادة في قصر كيابليزي في تورينو، في 19 مايو 2022، (Photo by MARCO BERTORELLO / AFP)


يُخبرنا موقع .thegeographicalcure.com، أن فناني البندقية لم يكتفوا بإتقان الألوان، بل أبدعوا فيها حرفياً، وعمدوا لإظهار توهجها وتألقها وأجوائها المدهشة معتمدين على ماهية الألوان بظلالها وكثافاتها وتدرجاتها، فبينما كان فنانو فلورنسا مهووسين بسياقات الخطوط والتصميم، كان البنادقة يرسمون بالضوء والظل، يجسدون الأجواء الفينيسية وما تحفل به من رومانسية وشاعرية، فقد أدت المدينة الإيطالية العائمة إلى ظهور بعضٍ من أكثر الفنون إبداعاً وعاطفةً وثراءً حسياً في التاريخ، من شاعرية جورجوني الغامضة إلى لوحات تيتيان المتوهجة، أعاد فنانو البندقية صياغة قواعد الرسم.
(فلورنسا وفينيسيا مدينتان إيطاليتان شهيرتان تتميزان بتاريخهما العريق وثقافتهما الفنية الغنية، لكنهما تختلفان في سماتهما؛ ففلورنسا تُلقب بـ"مهد عصر النهضة"، وهي مركز للفنون والعمارة التاريخية، بينما تُعرف فينيسيا (البندقية) بكونها مدينة فريدة مبنية على الماء، وتتميز بقنواتها المائية وجسورها وقوارب الجندول، مما يجعلها وجهة رائعة للفنانين العاشقين لاستكشاف التاريخ والجمال في الهواء الطلق.)
قد ترغبون في متابعة الرابط: على هامش مهرجان فينيسيا.. 10 حقائق مدهشة لا تعرفينها عن ممرات فينيسيا المائية وجنادلها السحرية

فنانون من البندقية أعادوا صياغة قواعد الرسم

تيتيان

تيتسيانو فيتشيليو Tiziano Vecellio 1488 – 1756، فنان فينيسي من عصر النهضة العليا، متخصص في الألوان والبورتريه، وقد عُرف عنه أنه أكثر رسامي الفرشاة تعبيراً وجرأةً في أوروبا خلال حياته. حقق إنجازه الكبير عام 1518 بلوحة صعود العذراء في كنيسة فراري، وهي عبارة عن لوحة مذبح شاهقة ظهرت فيها قوة فرشاته، والتي جمعت بين قوة مايكل أنجلو وأناقة رافائيل وروح تيتيان الفينيسية المميزة. جعلت هذه اللوحة الفنان نجماً فنياً لامعاً على الفور، على مدى العقود التالية، أصبح تيتيان الشخصية الأبرز في الفن الفينيسي. اشتهر بألوانه الزاهية، وضرباته التعبيرية، وقدرته على التنقل بسهولة بين رسم البورتريه الدقيق ذي الحس الأسطوري، والدراما، وقد دفعت لوحاته القماشية كبيرة الحجم، التي وصفها بـ"الابتكارات الشعرية"، الرسم نحو أشكال أكثر مرونة وتعبير تموج بالحسية والحركة.

أبرز أعماله:

  • صعود العذراء - كاتدرائية سانتا ماريا غلوريوسا دي فراري، البندقية
  • باخوس وأريادن - المعرض الوطني للفنون، لندن
  • فينوس أوربينو - معرض أوفيزي، فلورنسا

جورجوني

فنان فينيسي 1477 – 1510 Giorgione، أسلوبه غامض وشاعري، وقد ساهم في إحداث ثورة في الرسم الفينيسي. وعلى الرغم من ذلك لا يزال إحدى أكثر الشخصيات غموضاً في الفن الفينيسي، فقد دشن أسلوباً جديداً في الرسم، أكثر شاعرية، أثر على الجميع من تيتيان ومن بعده، ما جعل جورجوني ثورياً هو تركيزه على المزاجية في لوحاته، حيث لا يقتصر المشهد الطبيعي على تأطير الشخصيات فحسب، بل يتنفس معها، ويعده النقاد منْ قاد التحول الهادئ والهام بالفن في تلك الحقبة، فقد غيّر فن البندقية إلى الأبد

أبرز أعماله:

  • العاصفة - غاليري ديل أكاديميا، البندقية
  • فينوس النائمة – جيمالدي غاليري، دريسدن
  • ثلاثة عصور للإنسان - متحف تاريخ الفن، فيينا

والرابط التالي يعرفك: أسد فينيسيا المجنح أيقونة المدينة ورمز مهرجاناتها التاريخية بلا منازع.. ما القصة؟

باولو فيرونيزي

عُرضت لوحة "عرس قانا" للفنان باولو فيرونيزي في متحف اللوفر بباريس، في 7 يونيو/حزيران 2023. (Photo by MARCO BERTORELLO / AFP)

من أشهر فناني فينيسيا 1528 – 1588 Paolo Veronese، امتاز بالتركيبات الفخمة والضخمة، وأسلوبه ذو ألوان وذوق معماري. يُمثل فيرونيزي بأعماله أبهى صور البندقية؛ حيث تتميز بالروعة والحركة والوفرة. وإذا كان تيتيان روح البندقية، فقد كانت فيرونيزي مسرحها. رسم فيرونيزي مشاهد فخمة ومعقدة مليئة بعشرات الشخصيات، والأقمشة الفاخرة، والإيماءات الدرامية، والهندسة المعمارية التي تُشعرك وكأن اللوحة ستنفجر من زخم أحداثها المصورة بعناية، وقد عمل فيرونيزي لدى النخبة الفينيسية، وكانت ألوانه صافية، واضحة، وزاهية الألوان. وكان يتمتع بنظرة ثاقبة للمتعة، والملمس، والوفرة.
تخصص فيرونيزي في المواضيع الأسطورية والرمزية، وأتاح لها مساحةً للتعبير. فكّر في الأساطير والولائم، والمعجزات، والاستعراضات على أنه لم يغُص في أعماق المشاعر، أو ينخرط في سرد القصص، وكانت لوحاته أكثر زخرفية، وتركز على روعة السطح.

أبرز الأعمال:

  • عرس قانا الجليل - متحف اللوفر، باريس
  • وليمة في بيت ليفي - غاليري ديل أكاديميا، البندقية
  • لوحات سان سيباستيانو الجدارية - كنيسة سان سيباستيانو، البندقية (مرممة! لم تعد مظلمة وغير مرئية)
  • عائلة داريوس أمام الإسكندر - المعرض الوطني، لندن

جيوفاني بيليني

رائد عصر النهضة الفينيسية Giovanni Bellini 1430 – 1516، على الرغم من أن بيليني هو الفنان الفينيسي الأصيل، إلا أنه في الواقع، لم تطأ قدماه مدينة البندقية قط بسبب نفوره من السفر، وقد واصل بمفرده تطوير فن الرسم الفينيسيّ، فقد احتضن الرسم الزيتي قبل أن يصبح معياراً، مما سمح له باستخدام الألوان المشبعة والإضاءة الخافتة. وقد ابتعد عن جمود الرسم في العصور الوسطى، وهو أبرز ما يميزه، حيث تبدو شخصياته بشرية، ويمكنك أن ترى أبعادهم النفسية في وجوههم، وقد جعل من المناظر الطبيعية في فينيسيا جزءاً من القصة، وكانت خلفية لوحاته عاطفية، وليس مجرد مشهد طبيعي.

أبرز أعماله:

  • مذبح سان زاكاريا - سان زاكاريا، البندقية
  • القديس فرنسيس في الصحراء، مجموعة فريك، مدينة نيويورك
  • الدوق ليوناردو لوريدان - المعرض الوطني للفنون، لندن

تينتوريتو

جاكوبو روبوستي Jacopo Robusti 1518 – 1594، أسلوبه درامي، مسرحي، وحيوي؛ معروف بلوحاته الضخمة، وقد كان تينتوريتو قوةً خارقةً في عالم الفن البندقي. كان مزيجاً من فنان استعراضي، وهو مخطط استراتيجي ذو حماسة شديدة. أدار استوديو عالي الإنتاج، وأدار مجموعة من المساعدين، وعرف تماماً كيف يضع نفسه في مكانة مرموقة. كان سريعاً، غزير الإنتاج، وتنافسياً. أحياناً كان يتولى أعمالاً لمجرد منع منافس من الحصول عليها، وعلى الرغم من أنه غالباً ما كان يُنظر إليه على أنه فنان مخضرم، إلا أن تينتوريتو بنى لنفسه مساحة خاصة بأسلوب جريء وحيوي. فلوحاته لا تهدأ أبداً؛ بل تتدفق حيث تتلوى الشخصيات في منتصف اللوحة وتمتد على قماشها، أو تتهادى نحو المشاهد بتأثير درامي مشحون بالعاطفة، وقد أضفى حيوية مميزة في لوحاته عن مدينة البندقية في أواخر عصر النهضة. كانت حيوية، عاطفية، ومن إبداعه الذي لم يتوقف.

أبرز أعماله:

  • العشاء الأخير - سان جورجيو ماجوري، البندقية
  • معجزة العبد - غاليري ديل أكاديميا، البندقية
  • الجنة - قصر دوجي، البندقية (أكبر لوحة في العالم)
  • اللوحات الجدارية في مدرسة سان روكو الكبرى، بما في ذلك لوحة صلب المسيح - البندقية

ويمكنك التعرُّف إلى المزيد عن فينيسيا إذا تابعت الرابط: فينيسيا عاصمة الزجاج الأوروبية بامتياز

جيوفاني باتيستا تييبولو

عُرضت لوحة "الثالوث الأقدس يظهر للقديس كليمنت" من القرن الثامن عشر، والمنسوبة للرسام جيوفاني باتيستا تييبولو، خلال حفل إعادتها إلى الحكومة الإيطالية في 24 فبراير 2105 في نيويورك. (Photo by JEWEL SAMAD / AFP)


تييبولو Giovanni Battista Tiepolo 1696-1770 ، فنان روكوكو، معروف بلوحاته الجدارية الخفيفة والعظيمة والواسعة. وقد كان رساماً ذا امتيازات، وكان الفنان الذي تلجأ إليه الطبقة الحاكمة. أبدع لوحات جدارية العمل بجد واجتهاد، فهو ما يحدد سمعة الفنان، وبفضل هذا وفقاً لمعتقداته، جعل تييبولو نفسه أشهر فناني العصور القديمة. رسم أعمالاً سامية، وبطولية، وأسطورية. في بداياته، تأثر بأسلوب "كياروسكورو" في فن الباروك. لكنه وقع بعد ذلك تحت تأثير فيرونيزي، وانبهر بتأثيرات الخداع البصري والأشكال الدوامة، وتتميز أسقف تييبولو ومذابحه ببراعة فنية فائقة. كان بارعاً في استخدام الضوء، مستخدماً إياه للإضاءة والدراما

أبرز الأعمال:

  • مجد فينيسيا - القصر الملكي، مدريد
  • تأليه عائلة بيساني - فيلا بيساني، سترا
  • استقبال هنري الثالث في فيلا كونتاريني - جاكيمارت-أندريه، باريس
  • لوحات جدارية في كا ريزونيكو - البندقية

كارباتشيو

فيتوري كارباتشيو Vittore Carpaccio، 1465 – 1525 هو رسام سردي، مولع بالتفاصيل وسرد القصص. وكارباتشيو فنان استثنائي من عصر النهضة، تُزيّن لوحاته السردية للقديسين المسيحيين الكنائس والجمعيات في جميع أنحاء البندقية. وقد أبدع في رسم لوحاته بإتقان. حيث تبدو أعماله فخمة خيالية، بألوانه الغنية والواضحة. على أن الملاحظ أن أعماله غالباً ما تكون كئيبة نوعاً ما، وهو أكثر جرأةً من تينتوريتو الذي يُثير الحماس.

أبرز الأعمال

دورة القديسة أورسولا - معرض الأكاديمية، البندقية
القديس جورج والتنين - مدرسة سان جورجيو ديجلي سكيافوني، البندقية
معجزة بقايا الصليب - معرض الأكاديمية، البندقية
رؤية القديس أوغسطين - مدرسة سان جورجيو ديجلي سكيافوني، البندقية

كاناليتو

جيوفاني أنطونيو كانال Canaletto 1697 – 1768، عمِد لرسم مناظر مدينة البندقية الدقيقة والمشرقة؛ وهو فنان بارع قدّم توثيقاً رائعاً، احتفى بجمال البندقية؛ حيث امتازت لوحاته بأنها مزيج نادر من الدقة والإخراج والأناقة، والذي جعل أعماله تحظى بشعبية كبيرة لدى السياح البريطانيين الكبار الذين كانوا يبحثون عن "تذكارات" من البندقية، بعد ذهابه للندن بدأ سلسلة من المناظر الطبيعية الخيالية أو "كابريشيوس" للبندقية، ظهرت فيها مبانٍ وأطلال ومناظر طبيعية خيالية وأماكن وطرق غير متوقعة وبحيرات ومناظر الطبيعة المُبجّلة، مما جعله رسام البندقية الأصيل بامتياز.

أبرز الأعمال:

  • القناة الكبرى مع جسر ريالتو - نسخ متنوعة
  • ساحة الحجر - المعرض الوطني، لندن
  • بوشينتورو في عيد الصعود - المجموعة الملكية، وندسور

ويمكنك من الرابط التالي التعرف إلى: 11 حقيقة ممتعة عن مدينة البندقية الساحرة قد لا تعرفونها