بسبب عالم تسيطر عليه فكرة التواصل الافتراضي، بات الجميع يحتفظ بطبيعته الحقيقية مختبئة، بينما يصدر للعالم صورة تتماشى مع تصورات الآخرين، من ثم يشعر الشخص بأنه ينتمي إلى المجموعة.
تتضاعف هذه الأزمة لدى الشباب، لأنهم بعد فترة من الضغوط والمقارنات يفقدون التوازن بين شخصيتهم الواقعية وبين الصورة التي تُصدر عنهم أمام الآخرين.
هذه الازدواجية يمكن حلها من خلال الوعي وتحقيق التوازن، وعدم الانغماس في المقارنات، والحياة الزائفة على مواقع التواصل الاجتماعي.
إعداد: إيمان محمد
لماذا يبالغ الشباب في صناعة صورة عن أنفسهم؟
بداية، ناقش خبراء علم النفس وعلم الاجتماع الدوافع التي تجعل الشباب يصدرون صورة غير واقعية عن أنفسهم أمام الآخرين. وفي هذا الصدد أشار Greater Good Science Center إلى أن الدافع الأبرز هو الخوف والبحث عن الأمان. وأوضح أن بيئات العمل أو الدراسة التي لا تُشرك الشباب في القرار، أو لا تسمح بالمخاطرة الاجتماعية البسيطة، والتي قد تكون مجرد اختلاف في الرأي عن المحيطين، قد تدفع الشباب إلى تبني اتجاهات وآراء لا تعكس شخصيتهم، لكنها تضمن لهم الأمان.

السلامة النفسية
وفي هذا الصدد طرح الخبراء فكرة "السلامة النفسية"، والتي يعرفها المختصون بأنها: مساحة تسمح لك بأن تعبر عن قلقك ولكن دون أن تعاقب اجتماعياً.
تزداد الرغبة في الانتماء والسعي وراء الأمان عندما ينتمي الشخص للأقلية، سواء في العمر، الآراء، التوجهات، الخلفية، في هذه الحالة يسعى الشباب لأن يبدوا مقبولين أكثر حتى وإن لم نكن حقيقيين.
كيف تصبح شخصاً حقيقياً وتكسب رضا الناس؟
إنها ليست معادلة سهلة، ولكن قدم خبراء تحدثوا إلى Greater Good تعريفاً لأن توصف كشخص حقيقي، تتمتع بالأصالة، وقالوا "الأصالة هي علاقة قبل أن تكون شعاراً، لأنك تعيش وسط علاقات، وما تعتقد أنه صدق يحتاج أيضاً إلى ذكاء عاطفي واحترام واستماع وفهم لزاوية الآخر". وأضافوا "وهذا لا يعني أن تكون محبوباً دائماً، لكن يعني ألا تتحول أنك صريح إلى مبرر للإيذاء أو قلة الاحترام".
وهنا يشدد الخبراء على أن كونك شخصاً حقيقياً لا يعني أن ما يناسبك يناسب صديقك، فهناك شخص يعبر عن ذاته من خلال مظهره أو أسلوبه، وآخر من خلال حياته العائلية، وثالث يعبر عن نفسه من خلال ثقافته، الأهم أن ما تقدمه يجب أن تشعر معه بأنك لم تخن قيمك.
خطوات متوازنة للشباب ليبدو حقيقيين
القيم هي أساس أن تكون حقيقياً، حسب ما ورد في Harvard Business Review، وهنا ينصح الخبراء بمجموعة معينة من المعايير التي يجب اتباعها حتى يمكنك الموازنة بين حقيقتك وبين ما يرضي الآخرين.
قيّم البيئة المحيطة أولاً
حتى تبدو على طبيعتك، يجب أن تبحث عن بيئة تحقق لك السلام النفسي، لأن الاختلاف في بيئة متوترة أصعب بكثير، لذلك ابدأ بخطوات صغيرة وآمنة، وابنِ حضورك على المشاركة وعلى قيمك وليس على القبول الشكلي بين الناس.
اسمح لنفسك بالتجربة
لا يمكن أن تُخرج ما بداخلك قبل أن تسمح لنفسك بالتجربة والخطأ، وإن شعرت بأنك غريب في دور جديد، فهذا قد يكون علامة نمو لا علامة نفاق. جرب سلوكيات جديدة، استعن بأساليب ممن تثق بهم، ثم احتفظ بما ينسجم مع قيمك الأصيلة.

ضع حدوداً للحقيقة
الحقيقة لا تعني أن تكشف عن نفسك كل شيء، عليك أن تعلم أنه من النضج أن تحتفظ بجزء من حقيقتك بعيداً عن الناس، فهذا المسار يجعلك أكثر راحة وتوازناً.
رضا الناس ليس معياراً للذات
على الشباب أن يعرفوا أن رضا الناس لا يجب أن يكون هو معيار تقدير الذات، لأنهم قد يبالغون في صناعة صورة عن أنفسهم لأنهم يخافون فقدان القبول، من ثم قد يتحول الإعجاب إلى مؤشر قيمة، هنا يفقد الإنسان بوصلة الداخل ويعيش على رد فعل الخارج. لذلك يجب أن تنتبه ليس بتجاهل رأي الناس بينما يجب أن تضعه في حجمه.
احذر أن تتحول الصورة إلى ضغط
قد تهتم بصورتك أما الناس، لكن مع الوقت تتحول هذه الصورة إلى ضغط، وقتها تبدأ تراقب نفسك أكثر مما تعيشها: ماذا أقول؟ كيف أبدو؟ هل سيعجبهم؟ ومع تكرار هذا السؤال، تقل العفوية ويزيد التوتر.
في النهاية يمكنك أن توازن بين احترام قيمك وحقيقتك وبين كسب محبة الناس، فلا داعي لكشف كل التفاصيل، بينما يحق لك أن تحتفظ بجزء من صورتك لنفسك، فهذا ليس نفاقاً لكنه ذكاء اجتماعي.
اقرئي أيضاً كيف أكون ذكية عاطفياً؟





