شقيقتان إماراتيتان، انتابهما فضول وشغف كبيران تجاه الطيران، منذ طفولتهما، لم يكن مجرد حلم عابر، بل شعور داخلي بالانجذاب لهذا المجال. تؤمنان بأن السماء ليست بعيدة، وتتخيلان نفسيهما بين الغيوم، وأنه بالإصرار يمكن أن تصلا إليها. ومع مرور السنين أصبح شغفهما أقوى، فتحول الحلم إلى رحلة حقيقية انتهت بجلوسهما في قمرة القيادة. في يوم المرأة الإماراتية، وتحت شعار يداً بيد، نضيء على المرأة في فضاء الطيران في الإمارات,

صحيح أن الحلم كان يبدو بعيداً في البداية، لكن مع الإصرار أصبح واقعاً، في لقاء خاص، قامت به كاميرا "سيدتي" من قمرة القيادة، جمع بين هدى المسلمي، كابتن طيار، وشقيقتها رشا المسلمي، مساعد طيار أول، من طيران الاتحاد في أبوظبي.
حين يقرر أحد أن يدخل عالم الطيران، تتباين ردود أفعال العائلة والمجتمع، فما بالكم إذا كانت فتاة، ومن منطقة عربية، عن هذا تقول الكابتن هدى: "بالنسبة للعائلة في البداية كان هناك فرحة كبيرة مع عدم تصديق لهذا الإنجاز لأن المجال غير مألوف للعنصر النسائي، ومع الوقت لازمني دعم وتشجيع كبيرين إلى الأمام، الأمر الذي أعطاني دافعاً قوياً للاستمرار.
أما المجتمع، فقد واجهت في البداية مزيجاً متبايناً من ردات الفعل، لكن مع الإصرار والإنجاز تحوّل التشكيك إلى فخر ودعم، خصوصاً عندما رأوا أن المرأة الإماراتية قادرة على أن تثبت نفسها في أي مجال". تعقّب شقيقتها رشا، قائلة: "نعم كان هناك دعم كبير من عائلتي وأصدقائي، ووجدت أيضاً تشجيعاً من المجتمع، وهذا منحني دافعاً قوياً للاستمرار. هذا الدعم من الجميع عزز قناعتي بأن المرأة قادرة على إثبات نفسها والتميز في أي مجال تختاره".
تجربتي في عالم الطيران علمتني أن الطريق قد يكون تحديًا، ولكنه مليء بالفرص لأولئك اللواتي لا يخفن من السعي وراء أحلامهن.
أزداد مسؤولية

تتغير شخصية الكابتن هدى، فوق السحاب بطريقة واضحة؛ كما تقول: "أصير أكثر رسمية وانضباطاً، حيث تصبح المسؤولية عن سلامة الركاب والطاقم أولوية قصوى، وتزداد قدرتي على التركيز واتخاذ القرارات الحاسمة بثقة وهدوء. الشخص الذي أنا عليه في قمرة القيادة هو مزيج من الشغف العميق بالتحليق والخبرة المهنية التي تفرض عليّ الانضباط والحزم. ومع كل رحلة وهبوط، أعود إلى شخصيتي الطبيعية، لكنني أحمل معي دائماً القوة والثقة والوعي الذي تعلمته في السماء، ما يجعل كل تجربة طيران درساً يعزز من قدرتي على القيادة في حياتي اليومية.
أما شقيقتها رشا، فتوافقها الرأي حيث تشعر في الأجواء بسلام داخلي كبير ومسؤولية أكبر. حيث تؤكد قائلة: "تركيزي يكون في أعلى مستوياته لأنني مسؤولة عن أرواح الركاب والطاقم".
النظرة النمطية
أحد أبرز التحديات التي واجهتها هدى المسلمي، كامرأة عربية في مجال الطيران كان كسر الصور النمطية التقليدية التي غالباً ما ترتبط بهذا المجال بالرجال. كما تطلب الأمر التكيف مع بيئة عمل تتسم بالضغط العالي، واتخاذ القرارات الحاسمة تحت ظروف صعبة، مع الحفاظ على التوازن بين المسؤوليات المهنية والشخصية. ورغم هذه التحديات، فقد كانت العزيمة والشغف والطموح أهم عوامل تمكنت من خلالها من التغلب عليها، وأثبتت أن المرأة العربية قادرة على المنافسة والتميز في كل مجال تختاره.
تتابع رشا: "نعم فمن أبرز التحديات كانت النظرة النمطية أن الطيران مهنة صعبة على المرأة. لكن من خلال الاجتهاد والالتزام بالتدريب والتميز، استطعنا أن نثبت العكس".
في يوم المرأة الإماراتية ملهمات في مجالات الابتكار والتكنولوجيا في متحف المستقبل
لحظات مرحة

تتذكر هدى موقفاً طريفاً مع زميل جديد، حين أخذ يبحث عن "مفتاح" لتشغيل محركات الطائرة كما لو كانت سيارة. وبعد أن انكشف المقلب، عمّت الضحكات قمرة القيادة. تقول هدى: "حتى وسط الانضباط والمسؤولية، تبقى هذه اللحظات المرحة هي ما يضفي على العمل روحاً جميلة وذكريات لا تُنسى".
فيما تذكرت رشا، كيف أن الركاب يطلبون رؤية "الكابتن" بعد الرحلة تعلّق قائلة: "يتفاجؤون عندما يجدونني امرأة، فتكون ردة فعلهم مليئة بالدهشة والفخر في الوقت نفسه".
تجاوز التحديات بنجاح
مرت الكابتن هدى بتجارب طيران اضطرت فيها لاتخاذ قرارات سريعة وحاسمة لضمان سلامة الركاب والطائرة، وهو أمر قد يحدث لأي طيار، لكنه يبرز أهمية التدريب والانضباط. تستطرد قائلة: "في مثل هذه المواقف، أعتمد أولاً على معرفتي العميقة بالإجراءات التشغيلية والتدريبات المكثفة التي تلقيتها طوال مسيرتي المهنية. ثم أحافظ على هدوئي وتركيزي، وأتواصل بشكل واضح وفعال مع طاقم الطائرة لضمان التنسيق الكامل. تلك اللحظات تتطلب قدراً كبيراً من المسؤولية واليقظة، لكنها في الوقت نفسه تمنح شعوراً بالرضا والثقة بالنفس عند تجاوز التحديات بنجاح. كل تجربة صعبة تواجهها تزيد من خبرتك وقدرتك على التعامل مع المواقف الطارئة بشكل أسرع وأكثر فاعلية، وتؤكد أن الطيران ليس مجرد وظيفة، بل التزام عميق بالسلامة والكفاءة وقيادة الآخرين بأمان وثقة.
ومثلها، مرت شقيقتها رشا كذلك ببعض المواقف الطارئة مثل الأحوال الجوية الصعبة، لتضيف قائلة: "لكن بفضل التدريب المستمر والتعاون مع الطاقم نتعامل مع المواقف بهدوء واحترافية".
متابعة التحديثات التقنية

في عالم الطيران، الذي يتسم بالتطور السريع والتقنيات المتجددة، تعتبر الشقيقتان هدى ورشا، أن متابعة التحديثات التقنية والتدريبات المستمرة جزءاً أساسياً من مسؤولياتها المهنية. وتؤمن بأنه على قائد الطائرة المشاركة بشكل دوري في الدورات التدريبية المتخصصة، والمحاكاة العملية للطائرات، بالإضافة إلى برامج التدريب الفني والقيادي، لضمان أن تكون مهاراته ومعرفته دائماً على أعلى مستوى من الكفاءة. إذ تقول هدى: "نتابع باستمرار الإرشادات والتحديثات الصادرة عن الهيئات التنظيمية الدولية للطيران، ونطبقها بدقة في عملنا اليومي لضمان السلامة والكفاءة التشغيلية. بالإضافة إلى ذلك، نحرص على تبادل الخبرات والممارسات الفضلى مع زملائنا في المجال، حيث يُسهم الحوار وتبادل المعرفة في تعزيز قدرتنا على التعامل مع مختلف المواقف والتحديات في الطيران. هذا الالتزام المستمر بالتعلم والتطوير يضمن لي تقديم أداء مهني متفوق، والحفاظ على أعلى معايير السلامة، ويجعل خبراتنا في الطيران متجددة ومتوافقة دائماً مع أفضل الممارسات العالمية.
"يحرص الطيارون في الاتحاد للطيران على حضور الدورات التدريبية بشكل مستمر، لتجديد رخص القيادة بصورة دورية، ولإضافة أحدث الأنظمة والتقنيات في عالم الطيران إلى مخزونهم المعرفي، مما يعزز كفاءتهم وكفاءة مساعديهم".
مهارات عملية

لعبت مبادرات وبرامج الاتحاد للطيران دوراً مهماً في تطوير مسيرة الشقيقتين المهنية. من خلال برامج التدريب المتخصصة وورش العمل التي تقدمها الشركة، وقد حصلن على فرص لتوسيع مهاراتهما العملية والفنية، والتعرف إلى أحدث التقنيات والمعايير الدولية في الطيران. تتابع هدى: "وفرت لي هذه المبادرات بيئة تعليمية محفزة، يمكنني من خلالها تبادل الخبرات مع زملاء من مختلف التخصصات، مما زاد من فهمي الشامل لمجال الطيران وأهمية السلامة والكفاءة التشغيلية. بفضل هذه الفرص، لم تقتصر الفائدة على تطوير مهاراتي العملية فحسب، بل منحتني الثقة والخبرة اللازمة للتميز في هذا المجال والمساهمة بفاعلية في تحقيق أهداف الشركة والارتقاء بمعايير الأداء المهني".
وهذا ما أكدته رشا، حيث علّقت: " الاتحاد قدمت لي برنامج الطيارين المتدربين بالإضافة إلى تدريبات متقدمة ودعماً متواصلاً، مما ساعدني كثيراً في تطوير خبرتي وصقل مهاراتي".
أعلى مستويات الاحترافية
تؤكد الكابتن هدى، أن صورة المرأة العربية بدأت تتغير في أعين العالم من خلال تجارب وممارسات نساء طموحات في مجالات مختلفة، هذه التجارب تبرهن على أن المرأة العربية قادرة على تحقيق أعلى مستويات الاحترافية، والقيادة، وتحمل المسؤولية في مجالات كانت تعتبر تقليدياً حكراً على الرجل. تعلّق: "من خلال التزامنا ومهاراتنا وإنجازاتنا، نساهم في كسر الصور النمطية وإظهار القدرة والإبداع الذي تتمتع به المرأة العربية على الساحة العالمية".
تتفق معها شقيقتها رشا، التي تعلّق: "نعم بالتأكيد. المرأة العربية اليوم تثبت حضورها في مختلف المجالات، والطيران مثال واضح على أن لا شيء مستحيل مع الطموح والعمل الجاد".
حققي التميز في مسيرتك

في يوم المرأة الإماراتية، الذي يحمل شعار "يداً بيد نحتفي بالخمسين"، تُوجه الكابتن هدى رسالتها للفتيات الإماراتيات والعربيات اللواتي يحلمن بالطيران إذ تقول: "تمسكي بقدراتك، وكوني أكثر ثقة بنفسك، واعلمي أن الشغف والطموح والعمل الجاد يمكنهما تحويل أي حلم إلى واقع ملموس. تجربتي في عالم الطيران علمتني أن الطريق قد يكون تحدياً، ولكنه مليء بالفرص للواتي لا يخفن من السعي وراء أحلامهن، أنصحهن بالاستمرار في التعلم واكتساب الخبرات، والمشاركة في البرامج التدريبية، وبناء شبكة دعم قوية من العائلة والزملاء، فكل خطوة صغيرة تقرّبهن من القيادة الفعلية للطائرة والنجاح المهني، أريد أن يعرفن أن المرأة العربية قادرة على الإبداع والتميّز، وأن كل إنجاز يتحقق ليس فقط للفرد، بل يمثل رسالة قوية للعالم عن قوة وإمكانات المرأة الإماراتية. الأهم هو أن يثقن بأن كل حلم يمكن أن يتحقق بالصبر والإصرار، وأنهن قادرات على ترك بصمة إيجابية في مجال الطيران وفي كل مجال يخترنه، تماماً، كما أسعى أنا يومياً لتحقيق التميز في مسيرتي".
فيما تنصح رشا كل فتاة تحب دخول هذا المجال، بالثقة بالنفس، وعدم التردد في متابعة أحلامهن. تعلّق: "الطيران ليس حكراً على أحد، بل يحتاج فقط إلى شغف، التزام، وصبر لتحقيق الهدف"
في يوم المرأة الإماراتية. 6 إماراتيات على قائمة النجاح والتميز لعام 2024