mena-gmtdmp

السوبرانو العالمية هبة القواس: المشهد الفني السعودي يفرض تميزه

السوبرانو العالمية هبة القواس
السوبرانو العالمية هبة القواس

تعدُّ السوبرانو العالميَّةُ الدكتورة هبة القواس، رئيسةُ المعهدِ الوطني العالي للموسيقى في لبنان ورائدةُ الأوبرا، من أبرزِ الأصواتِ الأوبراليَّةِ في العالم العربي، وقد أسهم ارتباطها بعلاقةٍ قويَّةٍ بالمملكةِ العربيَّةِ السعوديَّة، وما قدَّمته من إبداعاتٍ في مسيرتها الفنيَّةِ في منحها الجنسيَّةَ السعوديَّة أخيراً. هذا التقديرُ السامي، يحملُ في مضمونه ما يتمنَّاه كلُّ محبٍّ للفكرِ النهضوي الثقافي، خاصَّةً المايسترو هبة التي ترتبطُ ارتباطاً عاطفياً وفكرياً بالسعوديَّة، وهو ما تعرَّف عليه العالمُ العربي عندما افتتحت أوَّلَ حفلٍ أوبرالي في تاريخِ المملكة. التقينا في «سيدتي» الدكتورة هبة بمناسبةِ اليومِ الوطني السعودي، فتحدَّثت لنا عمَّا تعنيه لها، كما كشفت عن جوانبَ من أعمالها ومسيرتها.

حوار | عفت شهاب الدين Ifate Shehabdine
تصوير | فاتشيه أباكليان Vatche Abaklian
مساعد مصور | هاروت أباكليان Harout Abaklian
مكياج | أحمد الأسير Ahmad Al Assir
شعر | حسين عساف Hussein Assaf، من صالون طوني صوايا Toni Sawaya
موقع التصوير | متحف سرسق - بيروت


هبة القواس

السوبرانو العالمية هبة القواس
             السوبرانو العالمية هبة القواس بفستان من إيلي صعب Elie Saab

 

ما الذي يمثله لكِ اليوم الوطني السعودي؟

اليوم الوطني السعودي بالنسبة لي ليس مناسبةً احتفالية فقط، بل هو لحظة وعي كونيّ، يومٌ تستعاد فيه معجزة صنعها رجلٌ وُلد ليتجاوز بمشيئة إلهية المستحيل: الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود. في أرضٍ تناحرت فيها القبائل آلاف السنين ، لكنها في أعماقها تختزن أسرار حضارات سحيقة، مذكورة في الكتب السماوية، كأن الرمال أخفت ذاكرة البدء الإنساني، أطلّ الملك عبد العزيز ببصيرة الرائي وحكمة السياسي، فوّحد الأرض والروح، ورسم حدود وطنٍ لم يخضع يومًا لاحتلال خارجي.
هذه الأرض قاومت العثمانيين مراراً، وتجاوزت محاولات القوى الكبرى، ونهض فيها آل سعود منذ الدولة السعودية الأولى وما تلاها، كأنها كانت دائمًا تعود إلى أصحابها، كأن الرمال ترفض أن يكتب غير أبنائها تاريخها . وفي ذروة العالم المتناحر بين حربين عالميتين، وأطماع استعمارية تُعيد تشكيل المشرق، أعلن الملك عبد العزيز قيام الدولة السعودية الثالثة، كأنه يقول للتاريخ: من هنا تُرسم الخريطة الحقيقية للجزيرة العربية.
المعجزة لم تكن سياسية فقط، بل وجودية: أن تتحوّل الفوضى إلى نظام، والقبائل المتناحرة إلى شعب واحد، والجزيرة – التي كانت دائمًا مصدر إشعاع روحي – إلى دولة عصرية تحمل للعالم رؤيتها.
واليوم يستمر هذا القدر، مع استمرار الدم الملكي نفسه في القيادة، في حكمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي يُبقي الجذور راسخة، ويضمن توازن المسيرة. اليوم تدخل المملكة طورًا جديدًا: طور الانفتاح والقوة الاقتصادية، طوراً يتجلى في عبقرية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي لم يكتفِ برسم رؤية 2030 للمملكة، بل حوّلها إلى بيان كوني أعاد موازين القوى، جاعلاً من موقعها ثِقلاً سياسيًا فاعلًا مساهماً في صناعة السلام ، ومن انفتاحها مشروعًا حضاريًا مرشحًا ليكون عاصمة العالم الجديد.
اليوم الوطني بالنسبة لي هو أيضًا دهشة شخصية: دهشة الانتماء إلى وطن يحمل مكة والمدينة في قلبه، وأصولي القرشية في ذاكرته، وحلمي في مستقبله بأن أكون جزءًا من مساره الثقافي . إنه يوم أرى فيه المملكة لا كدولة فقط، بل كقارة روحية وحضارية، مرشّحة لأن تُعيد للإنسانية توازنها، وتكتب فصلًا آخر من معجزة الجزيرة التي لم تنتهِ، كأنها النغمة التي تنتظرها الإنسانية في موسيقاها الكبرى.

هل تختلف استعداداتكِ الفنية عندما تشاركين في مناسبة وطنية عن أي مناسبة أخرى؟

الاستعداد لمناسبة وطنية لا يشبه أي استعداد آخر. في العروض الموسيقية أو الأوبرالية التي أقدّمها حول العالم، يبدأ بالوصل الإبداعي وأتهيأ بالبحث والتقنية والتمارين الدقيقة، وبالمعرفة الموسيقية. لكن حين يتعلّق الأمر بمناسبة وطنية، يصبح الاستعداد مختلفًا: هنا لا أكون فقط مؤلفة أو مغنية أو قائدة أوركسترا، بل أكون شاهدة على لحظة أبعد من كينونتي وكأنني أتهيأ للدخول في لحظة تتجاوزني أنا لأذوب داخل وطن بكامله.

هل سبق لكِ أن غنيتِ باللغة العربية الفصحى أو باللهجة الخليجية في مناسبات سعودية؟ وكيف كان تفاعل الجمهور؟

الغناء بالفصحى هو مسار قدرٍ عشته منذ كنت من أوائل من ألّف موسيقى للشعر الحديث، وعدت منه إلى ينابيع الشعر القديم والصوفي، إلى مجد القصائد وروح القصيد. الفصحى هي مشروع عمري الأكبر: أن أثبت أنها قادرة على أن تعانق الأوبرا كما عانقتها لغات العالم الكبرى. وحين غنيت بها في المملكة، شعرت أنني أفتح للغة أبوابها الأولى، أعيد الكلمة إلى مقامها الطبيعي، إلى فضائها الأول فيشتد رنين الحرف في أرضه إشراقًا وبهاءً.
أما الغناء باللهجة السعودية – أو ما أسميه بحق اللغة النبطية – فهو أشبه برحلة في طبقات الجذور، بحثٌ عن موسيقى الروح المخبأة في نبرة الكلام اليومي. ومع كل تجربة، أشعر كأنني أشارك في كتابة قصيدة جماعية تقول للعالم: إن هذه اللهجة ليست لهجة محلية وحسب، بل أفق موسيقي كوني، سرّ من أسرار الجزيرة، ينتظر أن يُكتشف ويُصغي إليه العالم.

كيف ترين دور الأوبرا والموسيقى الكلاسيكية في المناسبات الوطنية في العالم العربي، والسعودية خصوصاً؟

الأوبرا ليست غريبة عن أرض العرب، بل هي في جوهرها صرخة إنسانية كبرى، قادرة على أن تحتضن الروح العربية وتكشف مكنونها. حين تدخل الأوبرا إلى المناسبات الوطنية، لا تأتي كفنٍّ وافد، بل كجسرٍ يربط بين ذاكرة الأمة وإشراق مستقبلها. ففي المملكة تحديداً، حيث التاريخ والحداثة يتعانقان، يصبح للأوبرا دور أشبه بمرآة: تُعيد صياغة الانتماء في لغة صوتية كونية، وتُظهر أن الهوية السعودية ليست حبيسة حدودها الجغرافية، بل هي قادرة على أن تخاطب العالم بمفرداتها الخاصة.
ما رأيك بالتعرف على الأوبرالية السعودية سوسن البهيتي

 

السوبرانو العالمية هبة القواس
                    عباية من زهير مراد Zuhair Murad

 

هل فكرتِ في تقديم عمل أوبرالي مستوحى من التراث السعودي؟

إن أرض المملكة وتاريخها زاخران بالقصص، من حضاراتها العريقة إلى ماضيها القريب، وصولًا إلى رؤى المستقبل الملهمة التي تحملها رؤية 2030، والتي تفتح أمامي عوالم عديدة من الموضوعات والأفكار. ولعلّ الغنى الموسيقي للمملكة من تنوّع الألحان والمقامات والإيقاعات يشكّل تجربة فنية بالغة الإثراء لأي مبدع. من هنا، فإن فكرة الأوبرا العربية المستوحاة من التراث السعودي ليست مجرّد احتمال بالنسبة لي، بل هي حلم فكّرت فيه طويلًا، وتهيّأت له بالكثير من الأفكار والموضوعات. إنني أحلم بتقديم أوبرا كاملة الجذور السعودية، تحمل إلى العالم صورة فنية جديدة للمملكة.

ما رأيكِ بالحِراك الثقافي السعودي من خلال افتتاح «دار الأوبرا الملكية» في الدرعية عام 2028 ؟ وهل سيكون لكِ دوراً فعّالاً من خلال هذا الحدث الفني المميّز؟

افتتاح «دار الأوبرا الملكية» في الدرعية عام 2028 سيُشكّل علامة فارقة، ليس فقط في تاريخ المملكة بل في تاريخ المنطقة بأكملها. فالدرعية التي حملت ذاكرة التأسيس ستصبح موئلاً لأفق جديد من الفنون، وصوتاً معاصراً يعكس عمق التاريخ السعودي ورؤيته المستقبلية. إن هذا الصرح لن يكون مجرد مسرح للفن، بل معلمًا حضاريًا عالميًا. أؤمن أن الأوبرا، رغم أن شكلها الأخير تبلور في أوروبا، إلا أنها في جوهرها فن كونيّ جامع. فالتقنيات الغنائية الصوتية التي تطورت مع زرياب في الأندلس والتي أشار إليها كبار المفكرين مثل الفارابي والأصفهاني وغيرهما، كانت ممهّدًا لقدرات تعبيرية ميّزت الأوبرا لاحقًا. وهذا الترابط يمنحني دافعًا دائمًا لاستعادة صوتنا العربي الأصيل وإدماجه في الأوبرا العالمية، حيث تتلاءم مخارج الحروف العربية وإيقاعاتها مع أعمق مستويات التعبير الفني. من هنا، أضع حلمي الكبير: أن تكون «دار الأوبرا الملكية» المنصة الصرح التي أحقّق فيها أوبرات سعودية وعربية أصيلة، تستلهم التاريخ والأساطير والواقع السعودي والعربي برؤية مستقبلية. وقد بدأت منذ سنوات بزرع هذه البذور عبر تدريبي للمواهب الجديدة من مغنين ومؤلفين من خلال أكاديمية هبة القواس. وإلى جانب دوري كرئيسة للمعهد الوطني العالي للموسيقى، تبقى هذه الأكاديمية جسرًا آخر لنقل التجربة والخبرة. ويسعدني أن أقول إن صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، وزير الثقافة، قد شرّفني باقتراح أن أكون مستشارة له في شؤون القطاع الموسيقي بالمملكة، وهي مسؤولية ثمينة ووسام شرف أضعه في خدمة وطني ورؤية سمو ولي العهد واستراتيجية وزارة الثقافة بقيادة سمو الوزير. فدوري لن يقتصر فقط على أن أكون مؤلفة موسيقية ومغنية أوبرا، بل أن أضع كل خبرتي ورحلتي الطويلة في الموسيقى والثقافة وصناعتهما في خدمة تطوير القطاع الموسيقي السعودي ليكون في صدارة العالم.

"التجربة الفنية في المملكة العربية السعودية تحمل فرادتها من عناصر متعددة"


كيف تقيّمين تطوّر المشهد الثقافي والفني في المملكة خلال السنوات الأخيرة؟

المملكة تشهد في السنوات الأخيرة نهضة ثقافية وفنية غير مسبوقة، نهضة تحمل في جوهرها رؤية استشرافية عميقة تنبع من روح «رؤية السعودية 2030” التي أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. لقد انتقلت الفنون من خانة المبادرات المحدودة إلى إطار مؤسساتي استراتيجي، حيث أصبح للفن والموسيقى والمسرح والسينما والمتاحف والآداب مساحات راسخة، تخضع لتخطيط مدروس واستثمار نوعي.
هذا التطوّر ليس مجرد توسّع في البنية التحتية من مسارح وقاعات كبرى ومؤسسات فنية، بل هو أيضًا إرساء لثقافة جديدة تُعلي من شأن الإبداع وتمنحه دوره الطبيعي في تشكيل هوية المجتمع وصورته أمام العالم. نرى اليوم انفتاحًا واسعًا على التجارب العالمية، وفي الوقت نفسه احتفاءً بالتراث الوطني وتوظيفه في أبهى صور الحداثة.

برأيكِ ما الذي يجعل التجربة الفنية في السعودية مميزة عن غيرها من التجارب في العالم العربي؟

التجربة الفنية في المملكة العربية السعودية تحمل فرادتها من عناصر متعددة، تجعلها مختلفة عن أي تجربة أخرى في العالم العربي. فهي أولاً تنطلق من أرضٍ ذات تاريخ حضاري وثقافي عميق، وتراكم التاريخي يشكّل مخزوناً هائلاً للإبداع.
ثانياً، المملكة تقدّم اليوم نموذجاً فريداً من خلال رؤية 2030، التي لم تكتفِ بفتح الأبواب أمام الفنون، بل جعلت منها محوراً استراتيجياً في مشروع وطني شامل، يستند إلى الهوية ويطلّ على العالم.
ثالثاً، ما يميّز التجربة السعودية هو الجمع بين الأصالة والمعاصرة: الأصالة التي تعكس غنى التراث والموسيقى الشعبية في مختلف مناطق المملكة، والمعاصرة التي تترجم في الانفتاح على التقنيات الحديثة والإنتاجات العالمية، سواء في المسرح أو الأوبرا أو السينما أو الفنون البصرية. هذا التوازن بين الجذور والانفتاح العالمي يمنح المشهد السعودي طابعاً لا يشبه غيره.
رابعاً، وهو عنصر محوري في هذه المرحلة، أن المملكة تنظر إلى الثقافة والموسيقى والفنون الإبداعية بوصفها جزءاً أساسياً من الاقتصاد الوطني. فنحن أمام ما يُسمى باقتصاد الإبداع، حيث تتحول الفنون إلى صناعة متكاملة، مما يفتح آفاقاً واسعة لخلق فرص عمل، واستقطاب الاستثمارات، وتصدير الثقافة السعودية كقوة ناعمة موازية لقوتها الاقتصادية التقليدية. وهنا أود أن أشير بشكل خاص إلى الاقتصاد الموسيقي، الذي أنادي به وأعمل عليه من خلال موقعي، باعتباره قطاعاً استراتيجياً يمكن أن يُبنى عليه نظام متكامل (ecosystem) للمنطقة بأسرها ينطلق من المملكة.
وأخيراً، هناك الحماس الجماهيري الفريد. فالإقبال الكبير من الشباب، الذي يُمثّل غالبية المجتمع، يعطي زخماً لا مثيل له، ويجعل التجربة السعودية ليست فقط مشروع دولة، بل مشروع أمةٍ تتطلع إلى المستقبل وتؤسس لنموذج عالمي جديد في كيفية جعل الفنون جزءاً من التنمية الشاملة.
من العالم الفن ما رأيك بالتعرف على السوبرانو الأردنية زينة برهوم

 

فستان من إيلي صعب Elie Saab
فستان من إيلي صعب Elie Saab

 

هل ترين أن هناك إقبالاً متزايداً على الفنون الكلاسيكية مثل الأوبرا في السعودية؟

نعم، هناك إقبال متزايد وملموس على الفنون الكلاسيكية مثل الأوبرا في المملكة العربية السعودية، وقد لمستُ ذلك بنفسي خلال حفلي عام 2018 الذي كان علامة فارقة. فقد شكّل نجاحًا كبيرًا حيث امتلأت القاعة بحضور اندفع لحضور الأمسية، وكان تفاعلهم على خشبة المسرح مصدر سعادة لي وللأوركسترا ولفريقي بأكمله، خاصة بوجود شخصيات من العائلة المالكة، وأعضاء من مجلس الشورى، ومجتمع مثقف من المفكرين والكُتّاب وعشاق الموسيقى والثقافة. لقد أكد لي هذا التفاعل أن الأوبرا والفنون الكلاسيكية تجد مكانها الطبيعي في المملكة. لكنني أرى أن الخطوة القادمة والأساسية هي استقطاب الجمهور الشاب. وهذا يتطلب برامج توعية خاصة وحفلات تثقيفية للتعريف بالموسيقى وتقديرها، تُقدَّم بأسلوب مبسّط وجاذب. فالشباب اليوم محاطون بالموسيقى التجارية والشعبية، لكن مع مرور الوقت سيبحث كثيرون منهم عن مستوى أعمق من الجمال والتعبير وعلينا أن نكون حاضرين لتلبية هذا التطلّع، شرط أن نمهد لهم الطريق ونفتح لهم الأبواب. وبذلك، لا نضمن فقط مستقبل هذه الفنون في المملكة، بل نرسخ أيضًا الأساس لتكون السعودية في صدارة المشهد الثقافي العالمي.

هل لديكِ ذكريات خاصة أو شخصية مرتبطة بالسعودية أو جمهورها؟

أحمل في قلبي ذكريات خاصة جدًا وهي بالنسبة لي ليست مجرد محطات فنية، بل تجارب إنسانية عميقة غيّرتني وأغنت رؤيتي للحياة والفن. علاقتي بالمملكة ليست حديثة، بل تعود إلى أواخر مراهقتي وبداية عشريناتي، حيث حظيت بفرصة التعرف العميق على ثقافتها وشعبها، وشكّل ذلك مرحلة أساسية من حياتي جعلتني أشعر بالانتماء الحقيقي إليها. في تلك الفترة بدأت صداقاتي القوية التي أعتبرها اليوم عائلتي الثانية، وهي روابط ما زالت تشكّل مصدر دفء وقوة لي حتى اليوم. أول ما يتبادر إلى ذهني أيضًا هو حفلي عام 2018، الذي كان من أجمل التجارب الفنية في مسيرتي حيث شرفت بأن أساهم بتسطير تاريخ جديد يبدأ مع رؤية 2030.
لكن علاقتي بالمملكة تجاوزت إطار الحفلات، إذ ارتبطت بها من خلال رحلاتي المتعددة في مختلف المناطق، التي كشفت لي عن ثراء ثقافتها، وجمال طبيعتها المتنوعة: شواطئها، جبالها، غاباتها وأشجارها النادرة، ورودها وعطورها، قهوتها وتمورها وفواكهها، ونقوشها ولغاتها القديمة التي قد تكون من أصول أقدم لغات العالم.
وفي قلب كل هذا التنوع، تظل الصحراء بالنسبة لي عالمًا خاصًا، ملاذًا للسكينة والعمق والسرية.
في اتساعها أجد أفقًا يتخطى الحدود ليمتد نحو المطلق. لقد ألهمتني الصحراء، استوحيت الكثير من موسيقاي التي ولدت هناك. الصحراء بالنسبة لي ليست فضاءً جغرافيًا فقط، بل هي مصدر وحي دائم يمدّني بالقوة والرؤية والإلهام وطريقٍ لفهم سرّ الحياة ذاتها.
ومن هنا جاءت تجربتي الأخيرة في الرياض، حيث قدّمت حفلاً أهديته إلى جمعية السيلياك، ليكون الفن جسرًا بين الإبداع والخير، بين الموسيقى والوعي الإنساني، فامتزجت رسالتي الفنية برسالة إنسانية أعتبرها جوهر الرؤية التي أؤمن بها. لقد ساهم هذا الحفل الحفل في رفع الوعي حول المرض، وترك أثرًا واضحًا في المشهد الثقافي والإنساني السعودي.
إلى جانب ذلك، أنجزت دراسات حول الموسيقى التقليدية في المملكة، وأبحرت في أصولها وإيقاعاتها الأصيلة، الأمر الذي جعلني أرى فيها كنزًا فنيًا حقيقيًا يمكن أن يشكّل أساسًا لأعمال موسيقية معاصرة وأوبرالية عالمية تنطلق من الهوية السعودية.
كل هذه التجارب جعلتني أشعر أنني جزء من رؤية 2030، ليس فقط كموسيقية، بل كمساهمة في هذا التحوّل الثقافي الكبير من خلال موقعي ودوري وكل لحظة عشتها في المملكة لم تكن عابرة، بل كانت حجراً في بناء هويتي الفنية والإنسانية، وحلقة في رحلة نحو معنى أعمق للحياة والفن وفي حلمي بأن أكون جزءًا فاعلاً من هذا الحراك الاستثنائي.

ما الرسالة التي تحبين توجيهها للشعب السعودي بمناسبة اليوم الوطني؟

رسالتي لكم في هذا اليوم الخالد، أنني أشارككم الفخر العميق بالانتماء إلى وطنٍ يصوغ تاريخه من جديد بعزيمة لا تلين ورؤية تفتح الأفق أمام الأجيال القادمة. نحن اليوم لا نحتفل فقط بذكرى تأسيس وطن، بل نعيش تجسيد معاني الهوية والكرامة والإنجاز التي جعلت من المملكة العربية السعودية قلب العالم النابض وقبلةً للإنسانية في أصالتها وقوتها وطموحها.
رسالتي أن نواصل جميعًا — شعبًا وقيادةً ومؤسساتٍ وأفرادًا — هذا البناء الاستثنائي، وأن نحمل قيمنا الأصيلة إلى المستقبل بثقة وإبداع. أن نصون تاريخنا العريق ونحوّله إلى مصدر إلهام، وأن نجعل من اقتصادنا وثقافتنا وعلمنا وفنوننا أركانًا لنهضةٍ تُترجم إلى عطاء عالمي.
وفي هذا اليوم أقول لشعبي: أنتم القوة الحقيقية التي تجعل من كل رؤية واقعًا، ومن كل حلم إنجازًا. معكم أشعر بالانتماء الكامل وبالمسؤولية العظمى، ومعكم أرى المستقبل أجمل وأكبر.
يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط