بفكرٍ فني متجدِّدٍ، وحسٍّ بصري متفرِّدٍ، يواصل الفنَّانُ التشكيلي خالد زاهد رسمَ ملامحِ تجربته بأسلوبٍ، يجمع بين الأصالةِ والحداثة. من جدة، استلهمَ الجمالَ والتفاصيل، ومن تجاربه العالميَّة، اكتسبَ عمقَ الرؤية، ليصبحَ أحدَ الأصوات الفنيَّةِ السعوديَّةِ التي تُعبِّر بالألوانِ عن الإنسانِ والمكان. «سيدتي» كان لها هذا اللقاءُ معه.
المصور عمر النهدي

يُقدِّم المصوِّرُ الفوتوجرافي السعودي عمر النهدي نفسه بوصفه «عيناً عاشقةً لجدة»، ويحاولُ على الدوامِ التقاطَ ما لا يُقال، بل ما يُشعَر به. في هذا الحوارِ لـ «سيدتي»، نقتربُ من تجربته التي تجمعُ بين التوثيقِ والابتكار، ونكتشفُ كيف أصبحت الكاميرا لغتَه الخاصَّةَ للتعبيرِ عن الإنسانِ، والمكانِ، والذاكرة.
كيف يُعرِّفُ المصوِّرُ عمر النهدي بنفسه لجمهورِ «سيدتي»؟
عمر النهدي، مصوِّرٌ فوتوجرافي سعودي، حاصلٌ على جوائزَ وطنيَّةٍ عدة في التصويرِ الفوتوجرافي، ونظَّم أكثر من 30 معرضاً بين عامَي 2016 و2025، كما ينشطُ في تطويرِ الحركةِ الفوتوجرافيَّةِ في المملكةِ العربيَّةِ السعوديَّة، ويبحثُ في الضوءِ عن المعنى، وفي التفاصيلِ عن الذاكرة.
أرى أن الصورةَ، ليست مجرَّد إطارٍ، بل هي مساحةٌ للحوارِ بين الإنسانِ والمكان، وأقدِّمُ نفسي بوصفي «عيناً عاشقةً لجدة»، وشخصاً يحاولُ باستمرارٍ التقاطَ ما لا يُقال، بل ما يُشعَر به.
بدايةُ رحلتِك مع التصويرِ كيف جاءت، ومتى شعرتَ بأن الكاميرا أصبحت جزءاً من هويَّتك؟
بدأت رحلتي مع الكاميرا بوصفها فضولاً بسيطاً، لكنَّها تحوَّلت تالياً إلى لغةٍ، أتكلَّمُ بها. منذ أوَّلِ لحظةٍ، التقطتُ فيها الضوءَ كما أراه لا كما هو، شعرتُ بأن الكاميرا لم تعد أداةً، بل أصبحت امتداداً لروحي. اللحظةُ التي أدركتُ فيها أنني أتنفَّسُ بالتصوير، كانت عندما صرتُ أرى العالمَ في إطاراتٍ حتى دون أن أحملَ الكاميرا. إنها رحلةٌ جميلةٌ، بدأت في الطفولةِ مع الكاميرا، لكنَّ الرحلةَ الفنيَّةَ المحترفة، انطلقت عامَ 2015 في أزقَّةِ جدة التاريخيَّة التي أعدُّها بدايتي الفنيَّة.

ما الذي يُميِّز أسلوبَك في التصويرِ، وهل تعدُّ نفسك موثِّقاً، أم مبتكراً عبر الصورة؟
أسلوبي مزيجٌ بين الهدوءِ، والنقاءِ، والدهشة. أحاولُ أن أترك للصورةِ مساحتها، لتقولَ ما تريدُ دون مبالغةٍ، أو صخبٍ. أنا لا أوثِّقُ بقدرِ ما أُعيدُ بناءَ اللحظةِ من الداخل، وأبحثُ عن الروحِ التي تسكنُ المكان، وأمنحها صوتاً بصرياً جديداً. الابتكارُ بالنسبةِ لي، ليس بخلقِ شيءٍ جديدٍ، بل برؤيةِ المألوفِ بطريقةٍ غير مألوفةٍ، وهذا ما يُميِّزني عن غيري في تصويرِ الأشياءِ بزوايا، تجعلُ المتلقِّي يتساءلُ عن المكانِ، وعن الفكرة.
ما رأيك بالتعرف على الفنانة البصريَّة منال الضويان
ما تأثيرُ مدينةِ جدة في رؤيتك الفنيَّة، وما أكثرُ ما يُلهِمُك فيها بوصفك مصوِّراً؟
جدة تُشبه الضوءَ عند الغروبِ.. هي مثله مملوءةٌ بالتناقضاتِ الجميلة. إنها مدينةٌ، تُعلِّمني كيف أرى الجمالَ في الحداثة، والحنينَ في الجدرانِ القديمة. لقد ألهمتني جدة بفوضاها، ودفئها، بشوارعها التي تختزنُ الحكايات، وببحرها الذي يُشبه المرايا حين أبحثُ عن نفسي.
تُلقَّب بـ «سفيرِ جدة التاريخيَّة»، ما الرسالةُ التي تسعى إلى إيصالها عن المدينةِ عبر عدستك؟
رسالتي بسيطةٌ وعميقةٌ، بأن نرى جدة كما هي، لا كما تبدو، بأن نحترمَ ذاكرتها، ونُحافِظ على ملامحها قبل أن تذوبَ في الحداثة.
من خلال صوري، أحاولُ أن أقول: إن المدنَ، ليست حجارةً فقط، بل هي وجوهٌ، وملامحُ، وأصواتٌ، ما زالت تتردَّدُ في الزوايا القديمةِ، والتراثِ الأصيل. أحاولُ مزجَ الفنِّ في تصاميمِ عمرانها، ومع ثقافةِ أهلها، ونقلها إلى العالمِ أجمع.
«أبحث في الضوء عن المعنى وفي التفاصيل عن الذاكرة»

عند تصويرك أحياءَ جدة القديمة، ما التحدِّياتُ التي تواجهك، وكيف تُحافِظ على أصالةِ المشهد؟
أكبرُ التحدِّيات، هو أن توازنَ بين الصدقِ والجمال، ألَّا تُلمِّع الصورةَ، فتفقدُ روحَها، ولا تتركها باهتةً بلا حياةٍ. كذلك التعاملُ مع الإضاءةِ الطبيعيَّةِ في الأزقَّةِ الضيِّقة، يحتاجُ إلى صبرٍ طويلٍ، فكلُّ زاويةٍ لها إيقاعُها. أحافظُ على أصالةِ المشهدِ بعدمِ التدخُّل في روحِ المكان.
ما اللقطةُ التي تشعرُ بأنها الأقربُ إلى قلبك، ولماذا؟
أقربُ لقطةٍ إلى قلبي، هي صورةُ عاملِ السقَّا في جدة القديمة، وهو يحملُ الماء، وينادي بين الأزقَّةِ والممرَّات. التقطتُ الصورةَ من زاويةٍ علويَّةٍ، تُظهِرُه كما لو كان يرفعُ بصرَه إلى السماءِ منتظراً استجابةً لندائه.
بالنسبةِ لي، هذه الصورةُ، ليست مجرَّد مشهدٍ من الماضي، وإنما استعارةٌ عن الإنسانِ البسيطِ الذي يسعى خلفَ رزقه بصوتٍ مليءٍ بالحياة. هي تذكيرٌ بأن الجمالَ، لا يسكنُ في الأشياءِ اللامعة، بل في تفاصيلِ العطاءِ اليومي التي تمرُّ بها الناسُ دون انتباهٍ. في تلك اللحظةِ، شعرتُ بأنني لم ألتقط صورةً، بل التقطت زمناً، كان يُوشِك أن يختفي.
بمكنك أيضًا التعرف على فنانة البلورات البراقة سارة شاكيل
كيف ترى تطوُّرَ التصويرِ الفوتوجرافي في السعوديَّةِ اليوم، وهل تشعرُ بأن المجتمعَ، بات يُقدِّر الصورةَ أكثر؟
التصويرُ في السعوديَّة، يعيشُ لحظةَ نضجٍ جميلةً، إذ لم يعد مجرَّد هوايةٍ، بل صار لغةً للتعبيرِ والتعريفِ بالهويَّة. اليوم، الصورةُ أصبحت جزءاً من الوعي الجماعي. الناسُ بدأت ترى قيمتَها في توثيقِ الزمن، وفي سردِ القِصَّةِ السعوديَّةِ الحديثة، والأجملُ أن كلَّ مصوِّرٍ، تحوَّلَ إلى مؤرِّخٍ صغيرٍ لمدينته. الدولةُ من جهتها، خصَّصت في الفترةِ الماضيةِ جائزةً كبرى للتصويرِ الحضاري والثقافي، وهي جائزةُ «ألوان السعوديَّة» التي لفتت أنظارَ كلِّ المهتمِّين في العالمِ إلى السعوديَّة، كما أن هيئةَ الفنون البصريَّة، تُنظِّم معارضَ ومشاركاتٍ عالميَّةً لنقلِ ثقافةِ بلادنا عبر الصورِ الفوتوجرافيَّة.

ما دورُ الضوءِ والظلِّ في أعمالك، وهل تتعاملُ معهما بعفويَّةٍ، أم بخطَّةٍ مسبقةٍ؟
الضوءُ بالنسبةِ لي، ليس إضاءةً، وإنما شعورٌ. أحياناً أتبعُه بعفويَّةٍ كمَن يلاحقُ حلماً، وأحياناً أضعُ له خطَّةً كمَن يكتبُ قِصَّةً. الظلُّ هو ما يمنحُ الضوءَ معنى، ودونه لا يوجدُ عمقٌ ولا أسرارٌ.
كيف تتعاملُ مع التغيُّراتِ الحديثةِ في جدة، وهل تراها فرصةً جديدةً للإلهام، أم تحدياً للذاكرةِ البصريَّة؟
أراها مزيجاً من الاثنين. التغيُّراتُ الحديثة، تُعيد تشكيلَ ملامحِ المدينة، لكنَّها أيضاً تُذكِّرني بأهميَّةِ التوثيقِ قبل أن تتغيَّرَ التفاصيل. أحاولُ أن أتعاملَ مع التحوُّلِ لا كفقدٍ، بل كمرحلةٍ جديدةٍ في حكايةٍ أطولَ اسمُها جدة.
أخيراً، ما الرسالةُ التي تودُّ أن تتركها لقرَّاءِ المجلَّةِ عن الفنِّ، والمدينةِ، والحياةِ بعدسةِ عمر النهدي؟
رسالتي، أن الجمالَ، ليس فيما نراه، بل في الطريقةِ التي ننظرُ بها.
يجبُ أن نُحافِظ على إحساسنا بالعالم، لأن الصورةَ في النهايةِ، هي مرآةُ القلبِ قبل أن تكون عملاً فنياً. الفنُّ بالنسبةِ لي، هو محاولةٌ دائمةٌ لقولِ: «أنا هنا»، ليس بصوتٍ، بل بنورٍ صغيرٍ في زاويةٍ منسيَّةٍ.
يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط






