mena-gmtdmp

قيّمة فنية وأكاديمية سعودية الدكتورة عفت فدعق: الفن تجربة تتجدد بالبحث 

الدكتورة عفت فدعق
الدكتورة عفت فدعق

في المشهدِ الثقافي السعودي، يبرزُ اسمُ الدكتورة عفت عبدالله فدعق بوصفها إحدى الشخصيَّاتِ التي أسهمت في ربطِ الماضي بالحاضر، وإعادةِ قراءةِ الموروثِ الفنِّي السعودي بعيونٍ معاصرةٍ.. هي فنَّانةٌ، وأكاديميَّةٌ، وباحثةٌ، وقيِّمةٌ فنيَّةٌ، حملت شغفها بالفنِّ إلى ميادينِ البحثِ والتعليمِ والتقييم، لتُصبحَ صوتاً ثقافياً بارزاً، يجمعُ بين الفكرِ، والإبداعِ، والوعي الجمالي.

تصوير | عدنان مهدلي 

الدكتورة عفت فدعق

الدكتورة عفت فدعق


دكتورة عفت، بدايةً، كيف تشكَّلَ شغفكِ بالفنِّ والثقافةِ منذ المراحلِ الأولى في حياتكِ؟

شغفي بالفنِّ بدأ خلال دراستي البكالوريوس في جامعةِ الملك عبدالعزيز، قسمِ الفنونِ الإسلاميَّة، وقد كان آنذاك من أوائلِ الأقسامِ التي تُدرِّس الفنونَ الإسلاميَّةَ والجميلةَ والتطبيقيَّة. البيئةُ الأكاديميَّةُ الداعمة، وأساتذتي، أسهموا في ترسيخِ شغفي وإيماني بدورِ الفنِّ بوصفه قيمةً فكريَّةً وثقافيَّةً.

ما أبرزُ المحطَّاتِ التي تعدِّينها نقطةَ تحوُّلٍ في مسيرتكِ الأكاديميَّةِ والفنيَّة؟

مرحلةُ الابتعاثِ إلى بريطانيا، كانت نقطةَ التحوُّلِ الأهمِّ حيث درستُ الماجستير والدكتوراه في الفنونِ الجميلة. هذه التجربةُ، جمعت بين البحثِ والممارسة، وأعادت صياغةَ نظرتي للفنِّ بوصفه فكراً ومعرفةً، وليس مجرَّد إنتاجٍ بصري. ولكوني أوَّلَ سعوديَّةٍ تنال الدكتوراه في الفنونِ الجميلة، شكَّلَ ذلك إنجازاً، أفتخرُ به، لأنه فتح البابَ للمرأةِ السعوديَّةِ لدخولِ هذا المجال.

بوصفكِ امرأةً سعوديََّةً، تعملُ في المجالِ الثقافي، ما أبرزُ التحدِّياتِ التي واجهتكِ، وكيف استطعتِ تجاوزها؟

في بداياتي، كان الوجودُ النسائي محدوداً في الساحةِ الفنيَّة، لكنْ بدعمٍ من عائلتي، وإصرارٍ كبيرٍ مني، استطعتُ أن أشارك في أوَّلِ معرضٍ نسائي جماعي في الثمانينيَّات، وهي تجربةٌ، شكَّلت انطلاقتي. تعلَّمتُ أن الإبداعَ لا تحدُّه قيودُ النوع، بل ينبعُ من الصدقِ والاجتهاد.

دور الأسرة والدعم

 

من أعمال الدكتورة عفت فدعق


ما الدورُ الذي لعبته أسرتكِ في دعمِ مسيرتكِ العلميَّةِ والفنيَّة، وهل كان هناك تأثيرٌ معيَّنٌ من الوالدين، أو من أحدِ أفرادِ العائلةِ في توجيه شغفكِ نحو الفنِّ والثقافة؟

والدي ووالدتي، كانا الداعمَ الأكبر لمسيرتي. لقد غرسا في داخلي حبَّ الجمالِ والثقافة، ووفَّرا لي بيئةً منزليَّةً محفِّزةً للحوارِ والتجريب. أوَّلُ استديو فنِّي لي، كان في المنزلِ بفضلِ إيمانهما العميقِ بأن الفنَّ جزءٌ من التوازنِ الإنساني.

كيف ترين أهميَّةَ الأسرةِ في صناعةِ جيلٍ جديدٍ من المبدعين بالمجتمع؟

الأسرةُ الواعية، هي المنطلقُ الأوَّلُ للإبداع، فهي تزرعُ في الأبناءِ حبَّ الجمال، والفضولَ، واحترامَ الاختلاف. حين تمنحُ أبناءَها حريَّةَ التعبيرِ والحوار، تُسهم بذلك في نشأةِ جيلٍ مبدعٍ، يُفكِّرُ، وينقدُ، ويبتكر.

ما الصعوباتُ الشخصيَّةُ التي وقفت في طريقكِ خلال مسيرتكِ الثقافيَّة؟

التحدِّي الحقيقي، كان مع نفسي، وتحديداً في السعي لاكتشافِ ذاتي وحدودي الإبداعيَّة. لقد تعلَّمتُ أن مواجهةَ الأسئلةِ الداخليَّةِ بصدقٍ، هي ما يصنعُ الفنَّانَ الحقيقي، ويُنضِجُ تجربته.

ما رأيك بالاطلاع على بعدسات مصورين سعوديين.. لحظات ومحطات

الإنجازات والدور الثقافي

 

من أعمال الدكتورة عفت فدعق


حقَّقتِ عديداً من الإنجازاتِ حتى الآن، ما الإنجازُ الأقربُ إلى قلبكِ ولماذا؟

حصولي على الدكتوراه في الفلسفةِ، في تخصُّصِ الفنونِ الجميلة، كان حلماً تحقَّق. تلك اللحظةُ، كانت لحظةَ فخرٍ واعتزازٍ، إذ كانت خطوةً رائدةً للمرأةِ السعوديَّةِ في مجالٍ، لم يكن مألوفاً آنذاك.

كيف تنظرين إلى دوركِ في حفظِ وتوثيقِ الموروثِ الفنِّي والثقافي السعودي؟

دوري لا يقتصرُ على التوثيقِ فقط، بل ويشملُ أيضاً إعادةَ قراءةِ الموروث، وتحليله، واستحضارَه في الحاضر. الموروثُ بالنسبة لي مادةٌ حيَّةٌ، تتفاعلُ مع الزمنِ والإنسان، وتستمدُّ منهما ديمومتها.

في رأيكِ، كيف يمكن للموروثِ الثقافي أن يُشكِّل مصدرَ إلهامٍ للفنِّ المعاصر؟

الموروثُ، يحملُ رموزاً فكريَّةً وثقافيَّةً وإنسانيَّةً، يمكن استلهامها لخلقِ لغةٍ فنيَّةٍ معاصرةٍ. إن استحضارَ جذورنا، يمنحُ الفنَّ عمقاً، ويجعلُ منه وسيلةً للحوارِ مع الحاضرِ والمستقبل.

«القيّم الفنّي، هو المفكر الذي يصوغ حواراً بصرياً وفكرياً بين العمل الفنّي والجمهور»

 

 


دور القيّم الفني

من أعمال الدكتورة عفت فدعق


كيف تُعرِّفين مفهومَ «القيِّم الفني»؟

القيِّمُ الفنِّي، هو المفكِّرُ الذي يصوغُ حواراً بصرياً وفكرياً بين العملِ الفنِّي والجمهور. هو لا يكتفي بعرضِ الأعمال، بل ويبني أيضاً نصاً بصرياً وسرداً ثقافياً من خلالها، يفتحُ فضاءً للأسئلةِ والتأمُّل.

ما الصفاتُ التي ترين أنها أساسيَّةٌ، ليكون القيِّمُ الفنِّي صاحبَ رؤيةٍ شاملةٍ ومؤثِّرةٍ؟

الفضولُ المعرفي، والحسُّ الإنساني، والقدرةُ على الإصغاءِ والحوار، إضافةً إلى الاطِّلاعِ الواسعِ على تاريخِ الفنِّ والسياقاتِ الاجتماعيَّةِ والثقافيَّةِ التي ينشأ منها.

كيف يمكن للقيِّمِ أن يوازنَ بين الحفاظِ على الأصالةِ، والانفتاحِ على الحداثةِ العالميَّة؟

بفهمِ الهويَّةِ بعمقٍ، والانفتاحِ على العالمِ بوعي. الأصالةُ لا تعني الانغلاق، والمعاصرةُ لا تعني القطيعةَ مع الجذور. إنه توازنٌ واعٍ بين الانتماءِ والابتكار.

يمكنك أيضًا التعرف على الفنانة البصريَّة منال الضويان

المشروعات الحالية والمستقبلية

 

من أعمال الدكتورة عفت فدعق


ما أبرزُ المشروعاتِ التي تعملين عليها حالياً، وما الذي يُميِّزها عن غيرها؟

أعملُ حالياً على مشروعٍ بعنوان “في غفلة المدّ والجزر”، يجمعُ بين الفنِّ والتقنيَّةِ والذاكرة مستلهماً تحوُّلاتِ المكانِ في منطقتَي المحرّق والقفول. المشروعُ قراءةٌ فنيَّةٌ للعلاقةِ بين الإنسانِ والمكانِ والزمان.

هل هناك مشروعٌ تعدِّينه الحلمَ الذي تتطَّلعين لتحقيقه في المستقبلِ القريب؟

أحلمُ بتأسيسِ منصَّةٍ فنيَّةٍ وفكريَّةٍ مفتوحةٍ تحت مظلَّةِ “ستوديو نقش الفنِّي” الذي أسَّسته عام 1410هـ، تجمعُ الفنَّانين والباحثين في فضاءٍ إبداعي واحدٍ، يربطُ الفنَّ بالعلمِ والتقنيَّة، ويتيحُ التجريبَ والتبادلَ الحر.

الحراك الفني ودعم الجهات الحكومية

 

من أعمال الدكتورة عفت فدعق


ما تقييمكِ لدورِ وزارةِ الثقافةِ والجهاتِ الحكوميَّةِ في دعمِ الحراك الفنِّي والثقافي في السعوديَّة؟

وزارةُ الثقافة، أحدثت نقلةً نوعيَّةً في المشهدِ الفنِّي عبر دعمِ الفنَّانين محلياً وعالمياً، وتحويلِ الجهودِ الفرديَّةِ إلى منظومةٍ وطنيَّةٍ متكاملةٍ، تُسهم في بناءِ مجتمعٍ معرفي وثقافي مستدامٍ. هي بذلك تُقدِّم دعماً مادياً ومعنوياً وثقافياً شاملاً، يُرسِّخ مكانةَ السعوديَّةِ بوصفها حاضنةً للإبداع، ووجهةً رئيسةً للثقافةِ والفنونِ في المنطقةِ والعالم.

من وجهةِ نظركِ، ما الذي يُميِّز حضورَ الفنَّانِ السعودي في المحافلِ المحليَّةِ والعالميَّة؟

الفنَّان السعودي، يمتلك وعياً بثقافته وهويَّته، وفي الوقتِ نفسه، هو منفتحٌ على العالم، ما يجعله قادراً على صياغةِ خطابٍ فنِّي، يجمعُ بين الأصالةِ والإنسانيَّة. هذا الوعي المركَّبُ، هو ما يُميِّزه في كلِّ حضورٍ فنِّي محلي وعالمي، ويجعله صوتاً سعودياً متفرِّداً.

كيف يُسهم الفنَّانُ السعودي في دفعِ عجلةِ «رؤية 2030” على الصعيدَين الثقافي والفنِّي؟

من خلال ترسيخِ دورِ الفنِّ بوصفه قوَّةً مُحرِّكةً للهويَّةِ الوطنيَّةِ والاقتصادِ الإبداعي، وبالتكاملِ مع المؤسَّساتِ الثقافيَّة، يُسهم الفنَّانُ السعودي في بناءِ حراكٍ فنِّي مستدامٍ ومؤثِّرٍ.
ما رأيك بالتعرف على المهندسةُ منى القويز

النصائح والرؤية المستقبلية

 

من أعمال الدكتورة عفت فدعق

ما الرسالةُ التي تودِّين توجيهها للجيلِ الجديدِ من الفنَّانين والمهتمِّين بالفنِّ والثقافة؟

ابحثوا عن الصدقِ في تجاربكم، ولا تخشوا الخطأ، فكلُّ تجربةٍ، تضيفُ إلى رحلتكم الفنيَّة. الأصالةُ، تمنحُ المعاصرةَ عمقها الحقيقي، والسؤالُ الدائم، هو طريقُ الإبداع. الفنُّ في جوهره، ليس غايةً، وإنما رحلةٌ مستمرَّةٌ نحو معرفةِ الذاتِ والعالم.

كيف يمكن للشبابِ أن يصنعوا لأنفسهم مساحةً مميَّزةً في المشهدِ الفنِّي المحلي والعالمي؟

من خلال التعاونِ، والمبادرةِ، والتجريبِ، وبناءِ شبكاتٍ فكريَّةٍ وفنيَّةٍ نابعةٍ من هويَّتهم وثقافتهم، يُقدِّمون صوتاً سعودياً أصيلاً ومؤثِّراً عالمياً.

ما النصيحةُ التي تمنَّيتِ لو تلقَّيتها في بداياتكِ المهنيَّة؟

تمنَّيتُ لو تلقَّيتُ توجيهاً فنياً ممنهجاً، يُساعدني في فهمِ المسارِ بعمقٍ، وأن أُمنَحَ مساحةً أوسعَ للتجريب، وأن أجدَ مَن يُقدِّم نقداً فنياً بنَّاءً، يُوجِّه ولا يُقيِّد. الفنُّ ليس معادلةً، إنه تجربةٌ حيَّةٌ، تتجدَّدُ بالبحثِ، والصدقِ، والمثابرة.

يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط

الدكتورة عفت فدعق