توصيات علاجية للحدّ من خطورة اليرقان الوليدي

يعتبر اليرقان الوليدي من أبرز العلامات الإكلينيكية التي تبدو على الرضع وحديثي الولادة خلال الأيام الأولى بعد الولادة، وتستلزم استشارة الطبيب والمتابعة المستمرة. ويعرف اليرقان الوليدي Neonatal Jaundice بأنّه اصفرار يصيب جلد الرضيع والجزء الأبيض من عينه، عادةً ما يحدث بشكل فسيولوجي، إلا أنّه قد يمثّل في بعض الأحيان مؤشراً خطراً لأسباب مرضية تستدعي التدخّل العلاجي، منعاً لحدوث مضاعفات للمولود. وفي هذا الإطار، تبيّن دراسة نشرتها جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو إصابة نحو 50 إلى 60% من إجمالي الأطفال حديثي الولادة (مكتملي النمو) باليرقان الفسيولوجي خلال الأسبوع الأول بعد الولادة، علماً أن هذه النسبة تزداد بين الأطفال الخدّج (المواليد قبل اكتمال الحمل أي أقل من 37 أسبوعاً).

"سيدتي" تطّلع من طبيب الأسرة أمجد الحادي عن أسباب اليرقان الوليدي وأنواعه، مع أهم العلامات والمضاعفات التي تصيب الرضيع، فضلاً عن تشخيص المرض وسبل العلاج الممكنة.

 

 

هذه أنواع اليرقان الوليدي:

1       اليرقان الفسيولوجي Physiological Neonatal Jaundice  

يعود اصفرار لون الجلد والعينين عند الطفل حديث الولادة، بصورة عامّة، إلى ارتفاع نسبة مادة "البيليروبين" Bilirubin في الدم، وهذه الأخيرة صبغة صفراء اللون تتكوّن نتيجة تحلّل أو تكسّر كريات الدم الحمراء، وهو ما يكثر حدوثه بشكل طبيعي خلال الشهر الأول بعد الولادة بهدف استبدال "الهيموغلوبين" الجنيني بـ "الهيموغلوبين" الطبيعي لدى الكبار.

وممّا لا شك فيه أن الكبد يلعب دوراً أساسياً في التخلّص من مادة "البيليروبين"، من خلال تحويلها من "البيليروبين" غير المباشر إلى "البيليروبين" المباشر خلال مراحل استقلابها، ليتمّ التعامل مع هذه المادة بعد ذلك عن طريق نقلها إلى الأمعاء مع العصارة الصفراوية وطرحها من ضمن المخلّفات والفضلات إلى خارج الجسم.

ولكن، يحدث في حال الأطفال حديثي الولادة أن قدرة الكبد تكون لديهم ضعيفة للغاية على التعامل مع مادة "البيليروبين" لعدم نضجه بالشكل الكافي خلال هذه الفترة من سنّ الرضيع، ما يؤدّي إلى تراكم مادة "البيليروبين" وزيادة نسبتها في الدم نتيجةً لزيادة تحلّل كريات الدم الحمراء وقصور الكبد الوظيفي على القيام بالتخلّص منها. وتساعد عوامل أخرى على ظهور اليرقان: تعرّض الطفل للجفاف والنقص في إمداده بالسعرات الحرارية اللازمة له نتيجة عدم إعطائه القدر الكافي من الحليب وقلّة عدد مرّات الرضاعة الطبيعية، ما يعرف طبياً باسمBreast Feeding Jaundice. 

 

2       يرقان حليب الأم Breast Milk Jaundice  

يصيب اليرقان الناتج عن حليب الأم حالة واحدة بين كل 200 رضيع، وفقاً لتقارير مركز التحكّم والوقاية من الأمراض في الولايات المتحدة الأميركية، ويعود السبب إلى احتواء حليب الأم على بعض المواد التي تقلّل من قدرة الكبد على القيام بوظيفته في التعامل مع مادة "البيليروبين"، ما يؤدّي إلى تراكمها في الدم وصعوبة التخلّص منها.




3       اليرقان الوليدي المرضي Pathological Neonatal Jaundice

يحدث اليرقان الوليدي المرضي نتيجة أسباب عدّة، أبرزها:

 

- وجود أمراض تسبّب زيادة تحلّل كريات الدم الحمراء كعدم توافق فصيلتي دم الأم والطفل بسبب العامل الريصي RH incompatibility، وهو نوع من البروتين موجود على سطح خلايا الدم الحمراء. وغالباً ما تحدث المشكلة عندما تكون الأم سالبة العامل الريصي RH -  وتحمل جنيناً موجب العامل الريصي +RH، خصوصاً مع عدم اتّخاذ الاحتياطات الهامة كإعطاء الأم المصل اللازم لتجنّب حدوث هذه المشكلة.

- نقص في بعض الأنزيمات كأنزيم G6PD الذي يعمل على حفظ استقرار كريات الدم الحمراء، ما يؤدّي إلى زيادة قابليتها للتحلّل في حالة نقص الأنزيم، كما لدى الإصابة ب "أنيميا الفول".

- نقص في بعض أنزيمات الكبد اللازمة لأداء وظيفته بالكامل.

- فرط كريات الدم الحمراء Polycythemia أو إصابتها بأي خلل هيكلي.

- الإصابة بعدوى بكتيرية أو فيروسية.

- تعرّض الوليد لنزيف داخلي أو كدمات أثناء عملية الولادة.

- قصور الغدة الدرقية.

- حدوث انسداد أو ضيق في القنوات الصفراوية.

- حدوث انسداد معوي.

 


الأعراض والمضاعفات

تشمل الأعراض والمضاعفات: تغيّر لون الجلد والجزء الأبيض من العين بشكل مرئي نحو اللون الأصفر خلال اليوم الثاني أو الثالث بعد الولادة، ويمتدّ لفترة أقصاها من 10 إلى 14 يوماً في حالات اليرقان الوليدي الفسيولوجي، وتصل نسبة "البيليروبين" إلى أعلى معدلاتها ما بين اليوم الثالث والخامس من سنّ الطفل، ثم تبدأ بعدها في الانخفاض تدريجياً.

أمّا في حال ظهور الاصفرار قبل مرور 24 ساعة من ولادة الطفل أو زيادة نسبة "البيليروبين" بشكل مبالغ فيه عن المستوى الطبيعي خلال فترة زمنية قصيرة، فهذا مؤشر إلى أنّه يرقان وليدي مرضي يستلزم مراجعة الطبيب فور ملاحظته مباشرةً، بدون تأخير. ويصبح الاصفرار في حال  يرقان حليب الأم ملحوظاً بعد مرور أسبوع، ويبلغ أعلى نسبة له خلال الأسبوع الثاني إلى الثالث.

ويبدأ اليرقان في الظهور على الوجه أوّلاً، ثم يستمر في النزول إلى أسفل الجسم حتى يبلغ  قدمي الطفل، ما يشير إلى زيادة درجة اليرقان.

ويؤكّد الأطباء على أن ظهور بعض العلامات على الطفل، تتطلّب مراجعة الطبيب:

- استمرار اليرقان لفترة تزيد عن 3 أسابيع.

- زيادة درجة اليرقان حتى تبدو واضحة في البطن واليدين والرجلين.

- صعوبة في الرضاعة وعدم زيادة الوزن.

- قلّة حركة الطفل عن الحدّ الطبيعي لها في تلك الفترة.

- البكاء بصوت عالٍ وحادٍ يصل إلى حدّ الصراخ.

وتجدر الإشارة إلى أن خطورة مضاعفات اليرقان الوليدي تتمثّل في ارتفاع نسبة مادة "البيليروبين" إلى الدرجة التي تؤدّي إلى تراكمها بالمخ، وهو ما يعرف طبياً باسم "اليرقان النووي" Kernicterus والذي يشمل تأثيره بعض الوظائف العصبية كحدوث شلل حركي  وضعف في القدرات العقلية.


 

سبل التشخيص

ثمة طرق بسيطة تمكّن الأم من معرفة ما إذا كان طفلها مصاباً باليرقان الوليدي، وذلك عبر القيام بالضغط على الجبهة أو أرنبة الأنف لملاحظة لون الجلد وتغيّره إلى الأصفر. ويفضّل أن يتمّ ذلك في وضح النهار حتى يبدو اللون واضحاً، مع مراعاة عدم ارتداء الطفل ملابس صفراء اللون كي لا تعطي انطباعاً خاطئاً للعين.

وفي حال ظهور اليرقان، تقوم الأم بمراجعة الطبيب لاتخاذ التدابير اللازمة والقيام بالاختبارات المعملية لتحديد نسبة مادة "البيليروبين" بالدم.

 

توصيات العلاج ونصائح وقائية

لا تحتاج الحالات البسيطة والمتوسّطة من اليرقان الوليدي إلى العلاج، ولكن الطبيب قد ينصح ببعض التغييرات في إرضاع الطفل كالإكثار من عددها. وفي هذا الإطار، توصي الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال ببعض النصائح لتقليل حدّة اليرقان الوليدي، أبرزها: زيادة توعية الأم بأهمية إرضاع الطفل بمعدّل 8 إلى 12 مرّة يومياً، خصوصاً خلال الأيام الأولى بعد الولادة.

أما في حالات اليرقان الوليدي الشديد، فيتمّ اتخاذ بعض الطرق العلاجية منها:

- العلاج الضوئي Phototherapy: يخضع الطفل للعلاج داخل المستشفى أو الحاضنات عبر استخدام نوع خاص من الضوء له مصادر معيّنة. وتجدر الإشارة إلى أن استخدام ضوء المصابيح المنزلية في هذه الحالة لا يجدي نفعاً، كما يعتقد كثيرون.

- العلاج عن طريق تغيير دم الطفل: يستخدم في الحالات الشديدة والطارئة تلافياً لحدوث مضاعفات كاليرقان النووي.