هل الذاكرة الضعيفة هي البداية لـ "الألزهايمر"؟

 الذاكرة القوية علامة صحيّة ونعمة لا تتوفّر للمرء دائماً، لأنّها ككل أعضاء الجسم معرّضة للضعف والتشوّش والارتباك وحتى الاضمحلال أحياناً، كما هو الحال مع "الألزهايمر" الذي صار معروفاً ومتداولاً بين الناس في السنين الأخيرة حتى صاروا يخلطون بينه وبين ضعف الذاكرة، رغم أن المسبّبات والأعراض والعلاجات تختلف بشكل كلّي بين هاتين المشكلتين.

 

يشرح الاختصاصي في علم النيروسايكولوجي في مستشفى "ومان هوسبتل" في لندن البروفسور آرون نيلسون أن "الألزهايمر" حالة مرضية تتطوّر بسرعة، وتنتقل أعراضها من سيّئ إلى أسوأ مع مرور الزمن، وتصل في غالبيّة الحالات إلى الوفاة!"، مضيفاً: "أن الألزهايمر" شكل من أشكال العته والاختلال العقلي الذي تصاحبه مجموعة من الأعراض تعيق المريض عن ممارسة حياته اليومية". ولكن  ضعف الذاكرة، حسبه، حالة أخرى قد تحجب خلفها مسبّبات نفسية أو صحية بعيدة عن "الألزهايمر"، مستشهداً بأن "الشباب والكبار على السواء يمكن أن يعانوا لفترة قصيرة أو طويلة من ضعف الذاكرة بسبب تعرّضهم لحادثة أو إصابتهم بمرض تشتّت الانتباه Attention Deficit Hyperactivity Disorder أو مرض نقص الفيتامين Vitamin Deficiency أو مشكلات في الغدة الدرقية أو أنهم يعانون من الإجهاد النفسي أو الكآبة والقلق.. وكلّها مشكلات يمكن أن يجد لها الطبيب علاجاً، وقد يشفى منها المريض تماماً في حين أن الأمر ليس كذلك مع "الألزهايمر".

وللتمييز بين مشكلات الذاكرة وداء "الألزهايمر"، يقول: "عند التعامل مع شخص يشكو من ضعف الذاكرة، يكون من الهام طرح بعض الأسئلة المفصلية والأساسية من أجل تشخيص سبب المشكلة، ومنها: هل حدث تغيّر دراماتيكي في سلوك المريض؟ هل حدثت تغييرات فجائية في حياته اليومية؟ هل لمس المقرّبون تبدّلاً كبيراً في شخصيته؟ وهل ثمة مشكلات جدّية تواجهه كإهماله لنظافته الشخصية ولغذائه اليومي وصحته العامّة وأمانه الشخصي؟.. ويكون الطبيب المتخصّص هو الوحيد الذي يمكن أن يعطي التشخيص الصحيح ويؤكّد في ما إذا كان المريض يشكو من "الألزهايمر" أم لا". ويضيف: "أمّا بالنسبة لضعف الذاكرة، فإنه عارض يمكن علاجه بتنشيط الذاكرة عن طريق تعلّم لغة جديدة أو حلّ الكلمات المتقاطعة أو ألعاب الورق أو المشاركة في نشاطات اجتماعية وممارسة الهوايات المختلفة والخروج إلى الهواء الطلق وقراءة كتاب أو الاستماع إلى الموسيقى...". 

ويوضح: "أن داء "الألزهايمر" يمرّ بمراحل ثلاث وفقاً لمستويات التلف الذي يحدثه في الدماغ، هي: الخفيفة والمعتدلة والشديدة، ولكلّ منها مؤشّرات خاصّة يمكن ملاحظتها من قبل الأهل والمقرّبين، وفق التالي:

 

1-  المرحلة الخفيفة

تشمل أكثر أعراض هذه المرحلة شيوعاً:  

  • نسيان الأسماء.

  • عدم القدرة على ضبط المزاج، مع انقباض الصدر والكآبة.

  • نسيان الأحداث، بعد فترة قصيرة من وقوعها.

  • صعوبة في تعلّم مهارات جديدة أو تذكّر أشياء جديدة.

  • صعوبة العثور على الكلمات المناسبة.

  • الخطأ في طريق الذهاب إلى الأماكن التي اعتاد المصاب الذهاب إليها.

  • تكرار طرح الأسئلة نفسها وفق الوتيرة عينها.

  • العزلة وفقد الحماس للحياة وسرعة التهيّج والانفعال.

  • الدخول في حالات غضب غير مبرّرة، خصوصاً عند الشعور بالتعب أو الإحباط.

  • صعوبة اتخاذ القرارات.

  • فقد الأشياء أو نسيان المكان الذي وضعت فيها.

  • البحث بطريقة مستمرة عن أشياء لا تمتلك قيمةً كبيرةً أو السؤال عنها.

 

2-  المرحلة المعتدلة

تسوء الذاكرة، في خلال هذه المرحلة، بشكل كبير، وكذلك الوظائف المعرفية والإدراكية، ويصبح من الضروري مساعدة المريض في  قضاء احتياجاته اليومية. ومن بين الأعراض الشائعة في هذه المرحلة:

  • إظهار اهتمام أقلّ للمظهر والصحة الشخصية.

  • عدم القدرة على حماية النفس، عندما يترك المصاب وحيداً.  

  • الشعور بعدم الراحة وتكرار نفس الحركات (الذهاب والإياب من زاوية إلى أخرى في البيت أو التأكّد من غلق الباب بطريقة متكرّرة) أي ظهور بعض أعراض الوسواس القهري.

  • القيام ببعض السلوكيات العنيفة (الضرب والرفس والعض والصراخ وشدّ الشعر).

  • يمكن أن يرى المريض ويسمع ويشمّ ويتذوّق أشياءً لا وجود لها.

  • قد يتبوّل على نفسه، بدون أن يشعر!



3-  المرحلة الشديدة

ورغم أن سرعة تطوّر هذه الأعراض لهو أمر غير ثابت ويختلف من مريض إلى آخر، إلا أن المرحلة الخفيفة عادةً ما تستمر لحوالي سنتين، ثم ينتقل المريض إلى المرحلة المعتدلة التي يمكن أن تستمر لسنوات أربع، ليصل  أخيراً إلى المرحلة الشديدة التي تتطوّر فيها الأعراض وتسوء بطريقة دراماتيكية قد تؤدي في النهاية إلى الوفاة.

!

دور الطبيب المتخصّص

وتجدر الإشارة إلى أن الطبيب المتخصّص وحده يميّز بين داء "الألزهايمر" الذي تتشابه أعراضه مع علامات التقدّم في السن أو الكآبة أو الوسواس القهري. ولكن يمكن تقريب الصورة من خلال هذه المقارنات العامّة التي يمكن أن تؤشر بشكل أوّلي إلى احتمالية الإصابة ب "الألزهايمر": 

  • نسيان الزمان والمكان: قد ننسى أحياناً في أي يوم من الأسبوع نحن أو قد نتوه عن المكان الذي نحن ذاهبون إليه، ولكن مريض "الألزهايمر" يتوه في الشارع الذي يقع فيه بيته ولا يعرف كيف يصل إليه وأين يقع بيته.

  • الفشل في تقدير الأمور: يمتنع البعض عن ارتياد عيادة الطبيب حتى لو كان مصاباً بالتهاب على سبيل المثال، ولكنّه يتدارك الأمر بعد ذلك ويشعر بحاجته إلى الطبيب، في حين أن مريض "الألزهايمر" لا ينتبه إلى أي عارض صحي يحتاج إلى علاج، كما أنه قد يلبس ثياباً صوفيةً ثقيلةً في  الحر الشديد أو يفعل العكس في أيّام الشتاء! 

  • مشكلات اللغة: قد ننسى أحياناً المفردة المناسبة التي تعبّر عمّا نريد قوله، ونبحث عادةً عن كلمة قريبة منها. أمّا مريض "الألزهايمر"، فإنه ينسى الكلمات البسيطة ما يجعل كلامه مبهماً وصعب الفهم.

  • فقد الأشياء ونسيان مكانها: ينسى كلّ امرئ أحياناً أين وضع الأشياء، ولكنّه يتذكّرها بعد حين. أمّا مريض "الألزهايمر" فإنه قد يضع المكواة في المجمّدة أو الساعة في إناء السكر أو المفاتيح في سلّة المهملات!

  • تغيير دراماتيكي في المزاج والسلوك: يمكن أن يواجه كلّ امرئ حالات حزن أو تعكّر في المزاج من وقت إلى آخر سرعان ما تختفي باختفاء الأسباب، ولكن مزاج المصاب ب "الألزهايمر" يمكن أن يتأرجح بشكل فجائي ويتبدّل بشكل سريع ما بين الهدوء إلى البكاء والغضب، بدون أي سبب واضح.

  • تغيير في الشخصية: إن شخصيات الناس قد تتغيّر بمرور السنين، ولكن المصاب ب "الألزهايمر" يمكن أن يكون مرتبكاً ومتشكّكاً ومعزولاً وخائفاً، وربما يقوم بتصرّفات هوجاء غير مبرّرة.

  • السهو عن القيام بما يجب القيام به: قد تنسى المرأة أن تقدّم لضيوفها طبقاً أعدّته لهم، ولا تتذكّر ذلك إلا بعد يفرغوا من تناول الطعام. أمّا مريضة "الألزهايمر" فإنها تنسى كيف تعدّ الطعام التي اعتادت على  طهوه، وتنسى أحياناً أن تأكل وتبقى بدون غداء أو عشاء!

  • ضعف روح المبادرة والحماس: إنه أمر عادي أن يكون المرء متعباً من الأعباء البيتية أو مسؤوليات العمل والالتزامات الاجتماعية والنشاطات اليومية، ولكنه قد يعاود حماسه للحياة بعد أن يرتاح ويسترخي ويغيّر مزاجه. أما المصاب ب "الألزهايمر" فيبقى معزولاً عن العالم وفاقداً للحماس ورافضاً للنشاطات الاجتماعية وعازفاً عن مشاركة الآخرين في أفراحهم أو أحزانهم.