من العادات العائلية الطيبة والمفيدة معاً، أن تجتمع الأسرة حول مائدة الطعام بإحدى أمسيات منتصف الأسبوع، وكان المشهد كالتالي: تضع الأم كوب الشاي جانبًا وتنظر إلى طفلها الذي عاد من المدرسة متحمسًا كعادته، فوجدته يرفع يده كأنه في صفه الدراسي ويقول: اليوم.. أريد أن أعلّمكم شيئًا جديدًا: وهنا تبتسم الأم ويصغي الأب، وتتحوّل طاولة الطعام إلى مكان صغير مليء بالفضول، لتبدأ واحدة من أبسط وأقوى التجارب التربوية: جلسة أسبوعية لمشاركة المعرفة.. وهذا ما يوصي به الدكتور رياض بيومي أستاذ التربية برياض الأطفال، ويضيف: هذا المشهد الواقعي ليس مجرد لحظة عابرة؛ إنه ممارسة تربوية تعزّز ذكاء الطفل، وثقته بنفسه، وتوطّد علاقة العائلة. والآن إليك خمسة محاور رئيسية، لكل منها قصة قصيرة ونصيحة من أجل تحويل جلسة المشاركة العائلية إلى نشاط أسبوعي مؤثر في حياة الطفل.
جلسة المشاركة..عادة صغيرة لكنها تترك أثرًا كبيرًا

قد تبدو الجلسة الأسبوعية القصيرة مجرد نشاط منزلي بسيط، لكنها في الحقيقة تعدُ حجر أساس في بناء شخصية الطفل.
المشاركة الأسبوعية تعزّز فهم الطفل وتقوّي علاقته بوالديه، تمنحه الثقة للتعبير أمام الآخرين، وتزرع داخله حب المعرفة.
إدماج لمسة من التكنولوجيا الحديثة، يتحول الطفل من متلقٍ سلبي إلى مُبدع صغير يرى العالم بعين مختلفة.
في زمن تتسارع فيه التحديات التربوية والتعليمية، يبقى هذا النوع من المشاركات العائلية هو المساحة الأكثر دفئًا واتزانًا، التي تمنح الطفل القدرة على النمو بثقة، وفضول، ومحبة.
أول الفوائد: المشاركة تعزّز فهم الطفل وتقوي ذاكرته
قصة قصيرة
سعاد طفلة في التاسعة، عادت ذات يوم متحمسة لتشرح لعائلتها درسًا عن "دورة الماء". وقفت أمامهم وبحركات يد صغيرة بدأت ترسم بخيالها مسار التبخر والتكاثف. وعندما أخطأ والدها في إحدى الخطوات متعمّدًا، صحّحته بسرعة وثقة، بعد أيام، لاحظت أمها أنها أصبحت تتذكر الدرس بدقة أكبر من زميلاتها.
"سيدتي": عندما يشرح الطفل معلومة لغيره، يعمل دماغه على تنظيم المعرفة، ربطها، وتخزينها بعمق. فالتعليم ليس حفظًا بل إعادة بناء للمعلومة، وهذا يعزّز قوة الذاكرة وقدرة الطفل على التفكير.
توصيات للوالدين
اسألا الطفل أسئلة بسيطة أثناء شرحه، فذلك يفعّل التفكير التحليلي لديه، ودَعوه يكرر المعلومة بطريقته الخاصة؛ بالرسم، التلخيص، أو تمثيلها فالتكرار الإبداعي يقوي الفهم.
الفائدة الثانية: جلسة قصيرة تُعمّق التواصل بين الأهل والأطفال

قصة قصيرة
في منزل آخر، جلست الأم دعاء لتستمع إلى ابنتها التي تتعلم أول خمس جمل باللغة الفرنسية، كانت الأم تردّد معها الكلمات بضحكات خفيفة، بينما تحاول الطفلة تصحيح نطق والدتها، بعد وقت قصير، تحوّلت الجلسة إلى لحظة حميمية ملأتها عبارات الدعم والاحتضان.
"سيدتي": إن تخصيص وقت أسبوعي للاستماع للطفل يرسل له رسالة غير مباشرة تقول: نحن نهتم بما تتعلمه، نهتم بك أنت، هذه اللحظات تأكدي أنها تصنع روابط عاطفية عميقة، وتزيد من ميل الأطفال للتواصل مع أهلهم في شؤون الحياة الأخرى.
توصيات للوالدين
خصّصوا 15 دقيقة أسبوعيًا للاستماع دون مقاطعة، وأنهوا الجلسة بجملة تشجيعية ثابتة مثل: نحن فخورون بما تعلمته اليوم.
الفائدة الثالثة: المشاركة تُعزّز الثقة بالنفس وتنمي مهارات التعبير

قصة قصيرة
عمر، طفل خجول في الصف الرابع، يجد صعوبة في الحديث أمام زملائه، ذات يوم طلبت منه أمه أن يعلّم العائلة شيئًا عن فوائد النباتات، وقف مترددًا في البداية، لكن شقيقته الصغيرة صفّقت له فابتسم، ومع مرور الأسابيع، أصبح يبدأ الجلسة وهو واقف بثقة، يرتّب أفكاره، ويستخدم لغة الجسد بشكل أفضل ، وبعد شهر طلب منه المعلم عرضًا بسيطًا أمام الصف، فقدّمه دون خوف.
"سيدتي": مشاركة المعرفة تعزز القدرة على التحدث بوضوح، ترتيب الأفكار، مواجهة الجمهور، والتعبير عن الذات، وكلها مهارات سترافق الطفل طوال حياته.
توصيات للوالدين
امدحوا قوة تواصله بدل التركيز على الأخطاء اللغوية، وشجعوه على استخدام بطاقات صغيرة لتذكّر النقاط الأساسية كالمتحدثين المحترفين.
الفائدة الرابعة: خلق بيئة منزلية تحتفي بالمعرفة

قصة قصيرة
في أسرة مكوّنة من خمسة أفراد، صار يوم المعرفة حدثًا أسبوعيًا ينتظره الجميع، يقوم كل واحد بإحضار سؤال أو معلومة مرتبطة بما شاركه الطفل في الأسبوع الماضي، ليتحوّل الأمر من نشاط بسيط وجلسة مشاركة بسيطة إلى ثقافة منزلية تُشجّع الفضول، القراءة، وطرح الأسئلة.
"سيدتي": عندما يرى الطفل أن المنزل يقدّر التعلم بقدر تقديره للطعام والترفيه، يصبح التعلّم جزءًا طبيعيًا من حياته اليومية، وهكذا تُبنى بيئة داعمة تحفّز الفضول، وتوسّع آفاق التفكير.
توصيات للوالدين
اربطوا وتوسعوا فيما يشاركه الطفل بمواضيع من الحياة اليومية (الطقس، الطبيعة، المطبخ)، واعتمدوا فكرة "سؤال الأسبوع"؛ سؤال واحد يتناقش حوله الجميع.
الفائدة الخامسة: إدماج أدوات الذكاء الاصطناعي لتحويل المعرفة إلى تجربة مرئية ممتعة.
قصة قصيرة
رامي طفل في العاشرة، عاد من المدرسة متحمسًا ليشرح درسًا في الجغرافيا، وبدلاً من الشرح التقليدي، فتحت له أمه تطبيقًا بسيطًا للذكاء الاصطناعي وصنعا معًا خريطة تفاعلية بصور وألوان. عرض رامي عمله proudly أمام العائلة، وتحوّلت الجلسة إلى ورشة إبداعية صغيرة، وفي الأسبوع التالي، طلب هو بنفسه إعداد عرض جديد عن البراكين، مستخدمًا صورًا وأيقونات جميلة.
"سيدتي": دمج أدوات الذكاء الاصطناعي يحوّل التعلم إلى تجربة بصرية مبتكرة؛ فهو يعزّز الدافعية، ويُشعر الطفل بأنه قادر على الإنتاج، وليس مجرد متلقٍ للمعلومة.
توصيات للوالدين

استخدموا أدوات سهلة وبسيطة (إذا كانت متوفرة) مثل: إنشاء صور، رسوم بيانية، أو عرض صغير، واجعلوا الطفل يختار الشكل الذي يريد تقديم المعرفة به: فيديو قصير، ملصق، أو قصة مصورة.
*ملاحظة من "سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.






