mena-gmtdmp

الحمل في زمن الذكاء الاصطناعي: بين نعمة التكنولوجيا وضعف المشاعر الإنسانية

صورة الحمل في ظل الذكاء الاصطناعي
الحمل في زمن الذكاء الاصطناعي: بين نعمة التكنولوجيا وضعف المشاعر الإنسانية

لم يعد الحمل في عام 2026 تجربة بيولوجية فحسب، بل تحوّل إلى رحلة رقمية متشابكة، تقودها الخوارزميات، وترافقها التطبيقات الذكية، وتراقبها الشاشات على مدار الساعة. ففي زمن الذكاء الاصطناعي، لم تعد المرأة الحامل وحدها مع جسدها وحدسها، بل أصبحت محاطة بشبكة من الأدوات التقنية التي تعدها بالطمأنينة، لكنها في الوقت نفسه قد تزرع القلق وتعيد تشكيل علاقتها بذاتها وبجنينها وبمفهوم الأمومة ذاته، فما هو رأي الأطباء والاختصاصيين حول هذه العلاقة بين الحامل والذكاء الاصطناعي؟


أولاً: من الطبيب إلى الخوارزمية... من يطمئن الحامل اليوم؟

من الطبيب إلى الخوارزمية... من يطمئن الحامل اليوم؟


في الماضي القريب، كانت الحامل تعتمد بشكل أساسي على الطبيب، وعلى خبرة الأم أو الجدة، وعلى إحساسها الداخلي بتغيرات جسدها. أما اليوم، فقد أصبحت التطبيقات الصحية المدعومة بالذكاء الاصطناعي جزءاً أساسياً من يوميات الحمل... تطبيقات تحسب عمر الجنين بالدقيقة، تتوقع موعد الولادة بدقة رقمية، تحلل الأعراض، وتقترح احتمالات طبية بناءً على ملايين البيانات السابقة.
هذه الأدوات تمنح شعوراً بالسيطرة والمعرفة، لكنها في الوقت نفسه تخلق علاقة جديدة بين الحامل وجسدها؛ علاقة تقوم على الأرقام والتنبيهات بدل الإصغاء الداخلي. فكل حركة للجنين تُقاس، وكل عرض يُفسّر خوارزمياً، وكل اختلاف بسيط يُحوَّل إلى احتمال مرضي قد لا يكون موجوداً أصلاً.

ماذا عن تطبيق منع الحمل؟

يُعد تطبيق Natural Cycles أحد أشهر التطبيقات، وكان أول تطبيق يحصل على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية ليتم تسويقه كوسيلة لمنع الحمل.
يستخدم التطبيق خوارزمية تتضمن عوامل مثل معدلات بقاء الحيوانات المنوية، ودرجة حرارة الجسم، والدورة الشهرية للتنبؤ بأيام الخصوبة لدى المرأة. لاستخدام التطبيق، يجب على المرأة قياس درجة حرارتها باستخدام مقياس حرارة الجسم الأساسي، الذي يوفر بيانات دقيقة تصل إلى عُشر الدرجة كل صباح. يُشير ضوء أحمر إلى وجود خطر الحمل، وينصح باستخدام وسائل منع الحمل؛ بينما يُشير ضوء أخضر إلى أنه من الآمن ممارسة العلاقة الزوجية دون وقاية.
إلا أن المنتج واجه جدلاً واسعاً بعد أن تعرضت أكثر من ثلاثين مستخدمة في السويد لحمل غير مخطط له، على الرغم من أن وكالة المنتجات الطبية السويدية خلصت بعد تحقيق إلى عدم وجود ما يستدعي اتخاذ أي إجراء. كما وُجهت انتقادات للشركة المصنعة بسبب استراتيجيتها التسويقية التي تعتمد على المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي.
أما بالنسبة لحالات الحمل غير المخطط لها، فقد صرحت الشركة في ذلك الوقت بأن هذه الأرقام "ليست مفاجئة بالنظر إلى شعبية التطبيق وتتماشى مع معدلات فعاليتنا".

ثانياً: وفرة المعلومات... هل تعني مزيداً من الطمأنينة؟

يُفترض نظرياً أن المعرفة تطمئن، لكن الواقع النفسي للحامل في زمن الذكاء الاصطناعي أكثر تعقيداً. فالتعرض المستمر للمعلومات الطبية، والتحذيرات، والإحصاءات، ومقاطع الفيديو التي توثق تجارب ولادات صعبة أو نادرة، قد يؤدي إلى تضخيم المخاوف بدل تهدئتها. الذكاء الاصطناعي لا يعرف الخوف، لكنه يعرض كل الاحتمالات.
أما الحامل، فهي تعيش حالة حساسة نفسياً وجسدياً، ما يجعلها أكثر قابلية لتأويل المعلومات بشكل عاطفي. فتتحول “احتمالية نادرة” إلى هاجس، و”عرض شائع” إلى مصدر قلق يومي. وهنا يظهر التناقض: التكنولوجيا مصممة لتقليل القلق، لكنها في بعض الأحيان تعيد إنتاجه بأشكال أكثر تعقيداً.

ما أثر التكنولوجيا على الحالة النفسية للحامل؟

أُجريت دراسة عشوائية في خمسة مراكز رعاية صحية أولية في كاتالونيا، إسبانيا، في عام 2024. على 70 امرأة حاملاً، أعمارهن 18 عاماً فأكثر، يعانين من أعراض قلق واكتئاب متوسطة، تم توزيعهن عشوائياً على مجموعتين: مجموعة التدخل عبر الصوت التفاعلي (IVR) ومجموعة الرعاية القياسية. شاركت مجموعة التدخل في جلسات يومية مدتها 14 دقيقة عبر الصوت التفاعلي (IVR) للتأمل والاسترخاء لمدة ستة أسابيع. تم تقييم نتائج الصحة النفسية، وقد أدى التدخل الصحي الإلكتروني عبر نظام الاستجابة الصوتية التفاعلية إلى انخفاض ملحوظ في أعراض القلق والاكتئاب، مما يُبرز إمكاناته كأداة فعّالة وسهلة الاستخدام لدعم التغيرات النفسية أثناء الحمل. ويؤكد ارتفاع معدلات الالتزام والرضا على جدواه وقبوله. ينبغي أن تستكشف الأبحاث المستقبلية الآثار طويلة المدى وقابلية تطبيق تدخلات نظام الاستجابة الصوتية التفاعلية على نطاق واسع في بيئات متنوعة.

ثالثاً: الحمل تحت المراقبة المستمرة

الحمل تحت المراقبة المستمرة


من أبرز التحولات التي أحدثها الذكاء الاصطناعي هو مفهوم “المراقبة الدائمة”، وهي أساور ذكية تقيس نبض القلب، تطبيقات تراقب النوم، أجهزة منزلية تحلل مستوى النشاط، وأنظمة صحية تتنبأ بالمخاطر قبل حدوثها. هذه المراقبة قد تكون منقذة في حالات كثيرة، لكنها في المقابل تضع الحامل تحت ضغط نفسي غير مرئي. فالشعور الدائم بأن الجسد “مراقَب” قد يُفقد المرأة إحساسها الطبيعي بالعفوية، ويجعلها تشعر بأن أي تقصير بسيط –في الطعام، أو الحركة أثناء الحمل، أو الراحة– قد يُسجَّل ضدها. الحمل الذي كان يُنظر إليه كتجربة إنسانية فطرية، أصبح أشبه بمشروع يجب إدارته بدقة.

هل هناك أضرار من الأساور الذكية على الحامل؟

مشاكل الأساور الذكية أثناء الحمل ترتبط غالباً بدقة القراءات، وتأثير ضيق السوار على تدفق الدم، ومخاطر الأشعة السينية أثناء الحمل (رغم أن الأدلة تشير لسلامتها)، بالإضافة إلى الحاجة لمقارنة قراءات السوار مع طبيب الحمل لتجنب القلق الزائد، حيث إن زيادة دقات القلب أمر طبيعي خلال الحمل، ولكن يجب مراقبة أعراض مثل الدوخة وألم الصدر التي تتطلب زيارة طبية.

رابعاً: العلاقة العاطفية مع الجنين في عصر الشاشات

في زمن الذكاء الاصطناعي، ترى الحامل جنينها على الشاشة قبل أن تشعر بحركته. وهي صور ثلاثية الأبعاد، تحليلات لتعبيراته، توقعات لشكل وجهه المستقبلي... كل ذلك يعزز الارتباط المبكر، لكنه في الوقت نفسه يغيّر طبيعته. فـ الارتباط العاطفي مع الجنين لم يعد مبنياً فقط على الشعور والخيال، بل على صورة رقمية قد تخلق توقعات مثالية.

ما هي التوقعات، فقد تنشأ مخاوف خفية؟

هل سيكون الجنين “طبيعياً” وفق المعايير الرقمية؟
هل سيتطابق الواقع مع ما رسمته الشاشات؟
هذا التحول يفرض سؤالاً عميقاً:
هل نعيش الأمومة، أم نراقبها؟

خامساً: الذكاء الاصطناعي واتخاذ القرار أثناء الحمل

الذكاء الاصطناعي واتخاذ القرار أثناء الحمل


أحد أكثر الجوانب حساسية هو دور الذكاء الاصطناعي في دعم –أو التأثير على– القرارات المصيرية:
اختيار نوع الولادة، توقيت التدخل الطبي، وحتى قرارات تتعلق بالاستمرار في حالات الحمل العالية الخطورة.
حين تُعرض التوصيات بلغة علمية دقيقة، قد تشعر الحامل بأنها ملزمة باتباعها، حتى وإن تعارضت مع رغبتها أو شعورها الداخلي.
وهنا يظهر خطر “تفويض القرار الإنساني” للتكنولوجيا.
فالذكاء الاصطناعي يحلل البيانات، لكنه لا يفهم السياق العاطفي، ولا الظروف الاجتماعية، ولا مخاوف الأم الخاصة، ولا قيمها الثقافية.

سادساً: الحمل والضغط الاجتماعي الرقمي

في 2026، لا تعيش الحامل تجربتها وحدها، بل تشاركها –أحياناً دون قصد– مع العالم الرقمي. بدءاً من صور بطن الحامل، وتحديثات الحمل، ومروراً بالمقارنات مع تجارب أخريات، وليس انتهاء بنصائح غير مطلوبة تصل عبر الخوارزميات.
هذا الفضاء الرقمي يفرض نموذجاً مثالياً للحمل ويعطي النتيجة الآتية:
حمل نشيط، جسد متناسق، مشاعر إيجابية دائمة. وأي خروج عن هذا النموذج قد يولد شعوراً بالفشل أو التقصير، لذلك فإن الذكاء الاصطناعي، عبر خوارزميات العرض، قد يعزز هذه المقارنات بدل أن يخففها.

سابعاً: العدالة الصحية في عصر الذكاء الاصطناعي

رغم كل الوعود، لا تصل تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى جميع الحوامل بالقدر نفسه. فالفجوة الرقمية تعني أن بعض النساء يحصلن على رعاية فائقة الدقة، بينما تظل أخريات معتمدات على وسائل تقليدية.
وهذا يطرح تساؤلات أخلاقية:
هل سيصبح الحمل الآمن امتيازاً تقنياً؟
وهل تُقاس جودة الأمومة مستقبلاً بمدى الوصول إلى التكنولوجيا؟

ثامناً: نحو توازن إنساني– تقني

نحو توازن إنساني– تقني


التحدي الحقيقي في الحمل في زمن الذكاء الاصطناعي ليس في رفض التكنولوجيا، ولا في الاستسلام الكامل لها، بل في إيجاد توازن واعٍ... توازن يعترف بفوائد الذكاء الاصطناعي في الكشف المبكر والرعاية الصحية، من دون أن يُقصي دور الحدس الإنساني، والدعم النفسي، والعلاقة الحقيقية بين الحامل ومقدمي الرعاية. فالحمل ليس “بيانات فقط”، بل تجربة وجودية تمس الهوية، والخوف، والأمل، والارتباط بالحياة. والسؤال الذي يطرح نفسه، هل أمومة المستقبل... ستكون أكثر أماناً أم أقل إنسانية؟ لكن يبدو أن عام 2026، سيقف الحمل عند مفترق طرق بين العلم والمشاعر. لكن من الواضح أن الذكاء الاصطناعي يعد بمستقبل أكثر أماناً، لكنه يفرض أسئلة عميقة حول الخصوصية، والقلق عند الحامل، والقرار، ومعنى الأمومة ذاته. والسؤال الأهم ليس ماذا يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يفعل للحامل؟ بل: كيف نحمي التجربة الإنسانية للحمل في عالم تحكمه الخوارزميات؟
كيف يعتني الذكاء الاصطناعي عن بُعد بصحة الحامل والجنين؟
*ملاحظة من «سيدتي»: قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص