تخيّلي نفسك تتجولين بين مناطق إسبانية تحمل بين أزقتها عبق التاريخ وروح المغامرة، حيث تمتزج الثقافات وتتنوع التجارب. لكن، أي وجهة ستأسر قلبك أولًا؟ هل ستختارين كاداكيس، تلك القرية الساحلية الحالمة على شاطئ كوستا برافا، التي ألهمت عباقرة الفن مثل دالي وبيكاسو، فتسيرين على خطاهم بين البيوت البيضاء وأزهار الجهنمية الملوّنة؟ أم ستقودك الرحلة إلى طليطلة، مدينة الأسوار العتيقة وعاصمة الثقافات الثلاث، حيث تتجاور المساجد والكنائس والمعابد في مشهد يعكس قرونًا من التعايش الحضاري؟ وماذا عن كوينكا، المدينة المعلّقة على حافة الجرف، حيث البيوت المعلقة تبدو وكأنها تتحدى الجاذبية وتمنحك إطلالات جبلية تخطف الأنفاس؟ أو ربما تفضلين زيارة ليون، حيث تتلألأ النوافذ الزجاجية لكنيستها القوطية تحت سماء صافية وتنتظرك جولة ممتعة بين أزقة التاباس الشهيرة؟ إن كنتِ من عاشقات الطابع الجامعي الأصيل، فقد تجدين في سلامنكا وجهتك الأمثل، حيث الحجر الرملي الذهبي يلمع عند الغروب وجامعة تعود للقرن الثالث عشر تحكي قصص العلم والمعرفة. أما إذا كان شغفك بالغوص في تاريخ الأندلس، فإن قرطبة ستأخذك في رحلة بين روعة المسجد-الكاتدرائية وحدائقها الغنّاء.
كاداكيس

هناك سحر خاص في ضوء هذه القرية الساحلية الواقعة على شاطئ كوستا برافا في شمال شرق إسبانيا، سحرٌ ألهم عبر الزمن نخبة من أعظم الفنانين والأدباء في العالم، مثل سلفادور دالي، بابلو بيكاسو، خوان ميرو، ترومان كابوت، مان راي، وغابرييل غارسيا ماركيز. تخيّلي نفسكِ تتجولين في أزقتها الضيقة المرصوفة بالحصى، بين بيوت بيضاء تزينها أزهار الجهنمية المتدفقة بالألوان، كما فعل هؤلاء المبدعون يومًا ما. انطلقي نحو منطقة بورتليغات لزيارة فيلا التقاعد الخاصة بدالي، حيث ستكتشفين عالمًا فانتازيًا غريب الأطوار، يضم دبًا قطبيًا محنطًا بالحجم الطبيعي، هدية من الشاعر البريطاني إدوارد جيمس ومسبحًا على شكل رمزي جريء وبيضة عملاقة تتربع على السطح. إنها تجربة فنية لا تشبه أي مكان آخر. هذه الجوهرة الساحلية لم تعد سرًا خفيًا؛ فخلال شهري يوليو وأغسطس، تتحول من ملاذ هادئ للفنانين إلى مقصد مزدحم بالسائحين.
توليدو
على ضفاف نهر تاجو، تمتد مدينة توليدو المسوّرة التي تعود لأكثر من 2000 عام، حاملة إرثًا تاريخيًا جعلها واحدة من أهم مواقع اليونسكو للتراث العالمي. كانت هذه المدينة عاصمة مملكة القوط الغربيين وحصنًا قويًا لإمارة قرطبة ومدينة رومانية ومقر حكم الملك تشارلز الخامس، كما كانت عاصمة إسبانيا حتى عام 1560. تجوّلي في أزقتها الضيقة المرصوفة بالحجارة لتشاهدي آثار هذا التنوع الثقافي؛ من الهياكل الرومانية القديمة إلى روائع العمارة الموريسكية، مرورًا بكاتدرائية توليدو المهيبة وكنيسة إل ترانزيتو ومسجد كريستو دي لا لوز الذي يعكس جمال الفن الإسلامي الأندلسي. يمكنكِ الوصول بسهولة من مدريد عبر قطارات AVE السريعة التي تنطلق كل ساعة، مما يجعلها وجهة مثالية لرحلة يومية.
كوينكا

مدينة كوينكا تعيش على الحافة، فمركزها التاريخي بُني على حافة منحدر صخري شاهق يطل على التقاء واديي نهري هويكار وخوكر، مما يمنحها مشاهد طبيعية تخطف الأنفاس. ومن أبرز معالمها البيوت المعلّقة Casas Colgadas، التي تبدو وكأنها تتشبث بجرف الوادي وتوشك أن تسقط منه. وللاستمتاع بهذه المدينة المصنفة كموقع تراث عالمي لليونسكو، ستجدين أن التعرف على تاريخها الغني يستحق الوقت. فقد أسسها المور في عام 714 كقلعة حصينة ازدهرت اقتصاديًا لثلاثة قرون، قبل أن يفتحها الملك ألفونسو الثامن عام 1177. بفضل موقعها الجغرافي، تقدم كوينكا بعضًا من أجمل الإطلالات البانورامية، مثل منصة المراقبة ميرادوريس ديل هويكار وجسر سان بابلو المعلّق الذي يصل بين جانبي الوادي وعبوره يتطلب بعض الشجاعة خاصة لمن يخشى المرتفعات. أما التجول في الحي القديم فهو تجربة ساحرة، حيث ترافقكِ مناظر الجبال في كل خطوة. وعلى الرغم من جذورها التي تعود للعصور الوسطى، فقد أصبحت كوينكا مركزًا بارزًا للفن التجريدي الحديث. إذ يحتضن متحف الفن التجريدي الإسباني أهم أعمال هذا الفن، ويقع داخل البيوت المعلّقة نفسها. الشوارع المنحدرة المرصوفة بالحصى والسلالم قد تكون مجهدة، لذا احرصي على انتعال أحذية مريحة ذات تماسك جيد.
ليون
تحت سماء زرقاء على مدار العام، تجمع مدينة ليون بين روعة العمارة التاريخية والأجواء المليئة بالحيوية. وأبرز معالمها بلا منازع هو كاتدرائية ليون القوطية التي تعود للقرن الثالث عشر وتُعد من أجمل النماذج القوطية في إسبانيا، بواجهتها المهيبة وأبراجها الشامخة ونوافذها الزجاجية الملوّنة التي تحبس الأنفاس. ليون مدينة مسطحة وصغيرة نسبيًا، مما يجعل استكشافها سيرًا على الأقدام أمرًا ممتعًا وسهلًا. ابدئي جولتكِ من ساحة بلازا ديل غرانو المرصوفة بالحصى والتي تنبض بسحر العالم القديم، ثم زوري سان ماركوس – الدير الذي تحول إلى سجن سابقًا – كتحفة من عصر النهضة الإسبانية، قبل أن تنتقلي إلى كاسا بوتينيس من تصميم غاودي لتشاهدي لمسة الحداثة الكاتالونية وسط كنوز العمارة في المدينة. أما إذا كنتِ من محبات الطعام، فليون من أفضل المدن الإسبانية لتجربة التاباس. يمكنكِ الوصول من مدريد إلى ليون عبر قطارات AVE السريعة في أقل من ساعتين، مما يجعلها مثالية لرحلة يومية أو عطلة نهاية أسبوع مميزة.
سالامانكا

تُعد سالامانكا من أروع المدن الجامعية التي قد تزورينها في حياتك. ويُطلق عليها محبّوها لقب لا دورادا أي الذهبية، إذ تتوهج مبانيها المصنوعة من الحجر الرملي الوردي بلون ذهبي، خاصة عند غروب الشمس. وتتميز المدينة بروائع العمارة الإسبانية بلاتريسك، حيث تزيّن واجهات مبانيها نقوش وزخارف متقنة تدعو للتأمل في وضح النهار، وتتحول لظلال ساحرة عند حلول الليل. تحتضن المدينة واحدة من أقدم الجامعات في العالم، جامعة سالامانكا التي تأسست عام 1218 والتي أسهمت في جعل المدينة مركزًا علميًا وثقافيًا على مر العصور. أما جوهرة سالامانكا فهي بلازا مايور، تحفة باروكية تعود للقرن الثامن عشر، كانت في الماضي ساحة لمصارعة الثيران قبل أن تتحول لوجهة نابضة بالحياة تجمع السكان والزائرين. لمشاهدة أجمل غروب للشمس بلون الحجر الرملي الذهبي، توجهي إلى جسر بونتي رومانو حيث ستجدين إطلالة خلابة على أفق المدينة وكاتدرائياتها الشامخة.
قرطبة

على ضفاف نهر الوادي الكبير، تقف قرطبة الأندلسية كمدينة كانت يومًا ما قلب الخلافة الإسلامية النابض ثقافيًا وسياسيًا وفكريًا. تحتضن أربعة مواقع مدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو، تجسد مزيجًا من الإرث الروماني والإسلامي والمسيحي. أشهر معالمها هو الجامع – الكاتدرائية، تحفة معمارية تمزج بين الطراز الروماني والقوطي القوطي، البيزنطي والفارسي والسوري وتظهر هذه الروح في فسيفسائها البيزنطية الرائعة وأقواسها المخططة المميزة. بدأ تشييد المسجد عام 786م في عهد الأمير عبد الرحمن الداخل، الذي جعل قاعة الصلاة تتجه نحو دمشق بدلاً من مكة حنينًا لوطنه الأم في سوريا. وفي عهد الملك كارلوس الخامس، أُضيف صحن كاتدرائية على الطراز النهضوي في قلب المسجد، ليخلق مشهدًا معماريًا يجمع بين الحضارتين. استفدن من الجولات المجانية سيرًا على الأقدام التي يقدمها المرشدون المحليون.
سانتياغو دي كومبوستيلا
في قلب إقليم غاليسيا بشمال إسبانيا، تقع مدينة سانتياغو دي كومبوستيلا، المحطة الأخيرة لرحلة كامينو دي سانتياغو التي تمتد جذورها لأكثر من ألف عام. ستأسرك أجواء هده المدينة والجمال الغامض لها، حيث تتميز بإرث سلتي مميز. ينبض قلبها في ساحة برازا ديل أوبرا دويرو، حيث يقف فندق أوستال دوس ريس كاتوليكوس الفاخر، والذي يُعتقد أنه أقدم فندق في العالم. تشتهر سانتياغو بمطبخها الغني وأطباق المأكولات البحرية الطازجة. لا تفوتي زيارة سوق ميركادو دي أباستوس، ثاني أشهر معالم المدينة بعد الكاتدرائية، لتذوق أشهى النكهات المحلية.