بالنظر إلى سوق العمل المتقلب اليوم، نجد أن الموظفين في كل أنواع الشركات يُعانون الكثير من التذبذب ما يجعل البعض منهم يتخذون اتجاهاً مهنياً خاطئاً في إحدى تلك المراحل في حياتهم العملية، وهو ما يقودنا إلى أحد المصطلحات الشائعة التي يتحدث عنها الخبراء في الأوساط الإدارية في الوقت الراهن، وهو مصطلح "عدم اليقين الوظيفي".
في هذا المقال تطرقنا إلى ماهية هذه الحالة التي تؤثر سلباً على نمو الشركات والمنظمات التجارية، وكيفية التعامل معها من قبل المُديرين وروّاد الأعمال.
كيف يحدث عدم اليقين الوظيفي؟

بدايةً تطرق الباحث في علم النفس التنظيمي "مانع بن ناصر آل حيدر"، إلى هذا الأمر قائلاً: "في إحدى الشركات التقنية الناشئة، لاحظ المدير أن موظفاً لامعاً اسمه أصبح أقل حضوراً، لا يتحدث كثيراً، يعمل على تسليم مهامه بصمت ولم يعد يبادر كالسابق، عندما سأله المدير عن السبب، أجاب هذا الموظف بهدوء: "لا شيء، فقط أحاول أن لا أكون ملحوظاً أكثر من اللازم"، يُطلق على هذه الحالة اسم Job Uncertainty " أي حالة اللايقين الوظيفي، حيث لا يعرف الموظف إن كان مستقبله في المؤسسة مضموناً أم لا، المثير أنّ الموظفين لا يتراجعون بسبب تهديد واضح، وقد يكون بسبب الفراغ، أو غياب الرسائل، غياب الخطة، غياب الحوار، وعلماء النفس يقولون إن الدماغ يترجم "اللايقين" كمصدر تهديد وأحياناً أقوى من الخطر نفسه، حين لا يعرف الموظف ما ينتظره، يبدأ ببناء سيناريوهات داخلية معظمها أسوأ مما قد يحدث فعلاً، فيبدأ بتقليل المخاطر وتقليل الحماس وتقليل الثقة. ولذا، فإن المهمة الأكبر للقائد خلق بيئة لا يُضطر فيها أحد إلى ملء الفراغ بالقلق.
موقع تطبيق "I feel" الشهير والمختص بدعم الصحة العقلية للموظفين الناشئ في فرنسا، أشار أيضاً إلى هذا المفهوم، دور الموارد البشرية وكيفية التعامل مع هذه الحالة إن ظهرت في الموظفين، كالآتي:
ما هي حالة عدم اليقين؟ ولماذا تحدث؟
بحسب التطبيق الفرنسي المتخصص فإنّ حالة عدم اليقين تعني غياب اليقين أو المعرفة حول موضوع معين، مما يُسبب الشك أو التردد وعدم القدرة على التنبؤ بالمستقبل، ما قد يُولّد القلق والتوتر والخوف؛ إذ يرتبط عادةً بالتغيير أو الهشاشة أو الخطر، وفي سياق تنظيمي، فإنّ عدم اليقين في العمل هو عدم اليقين تجاه الوضع الراهن ما يخلق جميع السيناريوهات غير المؤكدة التي قد تتسبب في تغيير الحالة المهنية.
تكمن المشكلة في أن عدم اليقين في العمل يحمل معه احتمالية حدوث تغييرات غير متوقعة في مجالات ذات تأثير كبير على الحياة، وهذا بدوره يُمثل خطراً على الوضع الاقتصادي والاستقرار والتطوير المهني، لذلك يجب إدارة هذه المشاعر حتى لا تؤدي إلى حدوث نتائج عكسية.
وتحدث حالة عدم اليقين في العمل بسبب عوامل متعددة، بعض منها خارجية مثل "تقلبات السوق، وعمليات الدمج والاستحواذ"، والأخرى داخلية مثل "التغيرات في التوجه الاستراتيجي"، مما قد يُشعر الموظف بعدم الأمان.
من المهارات اللازمة للمدير الناجح توقع هذه التغييرات وتأثيرها على الموظفين، وهي الخطوة الأولى لإدارتها بفعالية.
دور الموارد البشرية

في الشركات الكبيرة، تلعب أقسام الموارد البشرية دوراً محورياً في إدارة حالة عدم اليقين في العمل، لهذا السبب، يحتاج القادة والمديرون إلى الاعتماد على أخصائي علم النفس التنظيمي، لمعرفة جميع الأدوات القادرة على دعم فرقهم في إدارة التغيير، وبالتالي الحد من المخاطر النفسية والاجتماعية في العمل.
وفي هذا الإطار، تتمتع إدارات الموارد البشرية بالقدرة على تطبيق استراتيجيات تُمكّن القوى العاملة من التكيف بسهولة أكبر مع التغيير، ويشمل ذلك وضع خطط للخلافة لضمان استمرارية الأدوار الرئيسية؛ ونماذج توظيف مرنة، مثل العمل عن بُعد أو التوظيف المؤقت، للتكيف مع تقلبات الطلب؛ أو الاستثمار في برامج التطوير المهني، وحلول الصحة النفسية، واستراتيجيات الاحتفاظ بالكفاءات للمساعدة في ضمان استعداد الشركة لأي تغييرات غير متوقعة.
اطلعوا أيضاً على كيفية صنع إدارة موارد بشرية متكاملة.
استراتيجيات فاعلة للحد من هذه المشكلة
عبر السطور التالية ذكر التطبيق الفرنسي أيضاً بعض الخطوات والاستراتيجيات التي يمكن للمدراء وروّاد الأعمال استخدامها لدعم الفرق في أوقات عدم اليقين في العمل، وهي:
توقع اتجاهات السوق ومراقبتها
يتطلب وضع استراتيجيات وقائية مراقبةً مستمرةً لاتجاهات السوق والعوامل الاقتصادية التي قد تؤثر على قطاع العمل، ولتحقيق ذلك، يمكنك الاعتماد على بعض أدوات تحليل البيانات لتوقع التغيرات المحتملة في طلب السوق والظروف الاقتصادية.
تعزيز ثقافة السلامة النفسية والحفاظ على التواصل المفتوح
إذا شعر الموظفون بالراحة في التعبير عن مخاوفهم، فستتوفر للشركة معلومات أكثر، والتي تتمكن من معالجة المشكلات في وقت قياسي، ويُمكن القيام بذلك من خلال إنشاء قنوات تواصل شفافة بين الإدارة العليا والموظفين، وتقديم تحديثات حول وضع الشركة وآفاقها المستقبلية، حتى يتمكن أعضاء الفريق من اتخاذ قرارات مدروسة، كما يُشجع ذلك الموظفين على التعبير عن مخاوفهم واقتراحاتهم.
تنمية ثقافة القدرة على التكيف
الحرص على تعزيز روح التكيف والتعلم المستمر داخل الفريق من خلال التدريب المستمر وتطوير المهارات اللازمة للتكيف مع التغيير، وبالتالي، يتم تعزيز المرونة والإبداع في ظروف العمل غير المستقرة.
استخدام الأدوات التكنولوجية
يمكن للتطور التكنولوجي أن يُسهم بشكل كبير في تبسيط العمليات، فعلى سبيل المثال، يُمكن أن يُساعد تطبيق منصات إدارة المواهب على تتبع مهارات الموظفين وأدائهم، بالإضافة إلى التنبؤ بالتغيرات في القوى العاملة، في اتخاذ قرارات مدروسة.
الحفاظ على الاحتياطي المالي
بناء احتياطي مالي والحفاظ عليه لمواجهة فترات عدم الاستقرار الاقتصادي داخل الشركة، ولتحقيق ذلك، على روّاد الأعمال تنمية مصادر الإيرادات لتقليل الاعتماد على سوق أو عميل واحد، وتحليل مختلف السيناريوهات المالية لتقييم أثر التغيرات المحتملة في البيئة الاقتصادية.
المرونة في الهيكل التنظيمي
يجب أن تكون الهياكل التنظيمية متينة بما يكفي للحفاظ على النظام، ومرنة بما يكفي للتكيف بسرعة مع التغيير. لذا، احرص دائماً على تشجيع التنقل الداخلي والتدريب المتبادل لتمكين الموظفين من تولي أدوار مختلفة حسب الحاجة.
التعاون بين الإدارات
لدفع الشركة قدماً في ظلّ ظروف العمل غير المستقرة، يجب أن تتضافر جهود جميع الفرق لتحقيق هدف واحد. لذلك، فإنّ تعزيز التعاون الوثيق بين الأقسام يُحفّز الموظفين، ويُشجّع العمل الجماعي على تبادل المعلومات وإيجاد حلول تعاونية. لذلك، ينبغي تشكيل فرق عمل متعددة الوظائف قادرة على مواجهة التحديات الناشئة بفعالية.
التقييم والتعلم من التجربة
إجراء تقييمات دورية لتحليل فعالية الاستراتيجيات المُطبقة، والاستفادة من التجارب السابقة، وفي هذا الإطار يبدو أن استخدام نماذج تقييم الأداء أمر مفيد، بالإضافة إلى إنشاء حلقة تغذية راجعة مستمرة لتحسين قدرة المؤسسة على إدارة عدم اليقين في العمل.
الحفاظ على نهج إيجابي

تبدأ مرونة الأعمال بثقافة تنظيمية جيدة، من هنا يجب على روّاد ورائدات الأعمال العمل على تعزيز عقلية إيجابية واستباقية لدى الموظفين، والاحتفال بالنجاحات والتعلم، حتى في أوقات عدم اليقين، لبناء الثقة والتحفيز.
تعرفوا أيضاً إلى ماهية المشروع الريادي وكيف يُمكن إنجاحه.