mena-gmtdmp

من الرياض: الشيف دانيال بولود يوجه رسالة حب لروح والده جوليان

الشيف دانيال بولود
الشيف دانيال بولود

قصص النجاح تحتاج دوماً لمصدر إلهام، وبالنسبة لدانيال بولود، أحد أشهر الطهاة في العالم، كان والده "جوليان" دوماً ملهماً له، وحمله في قلبه حتى بعد سنوات من وفاته؛ ليخلد ذكراه اليوم بمشروع جديد يحمل اسمه، في قلب العاصمة السعودية الرياض، النابضة بالحياة كما وصفها بولود.

إعداد:عبير بو حمدان حرب

الشيف الفرنسي الذي بدأت رحلته مع الطهي منذ كان في الرابعة عشرة من عمره، حمل إرث أسرته العريق، وجال العالم بإبداعاته؛ ليصبح اليوم مالكاً لأكثر من 22 مطعماً في أكبر المدن العالمية. ومع ذلك يؤكد أن طبقه المفضل لم يتم صنعه بعدُ.
«سيدتي» التقت الشيف دانيال بولود، خلال تواجده في الرياض لمتابعة تحضيرات إطلاق ركن "جوليان" الخاص، تحت سقف كافيه بولود في فندق الفورسيزونز.

جوهرة في قلب الرياض

الشيف دانيال بولود مع فريق عمل مطعمه جوليان


باعتزاز وسعادة غامرة، رحّب بنا دانيال بولود في "جوليان"، واصفاً إياه بأنه "جوهرة" مختبئة في قلب العاصمة السعودية، ويتاح للجميع اكتشافها قريباً.
هذه "الجوهرة" هي الأولى من نوعها ضمن مشاريع الشيف الكثيرة، وأتت فكرتها من دون تخطيط مسبق؛ حيث إن المساحة التي تقام فيها داخل كافيه بولود كان مخططاً أن تكون مجرد غرفة خاصة أو مساحة للاستقبال.
ويقول الشيف: "في لحظة ما ونحن نجهز المكان ونضع التصميم، وجدنا أنه سيكون مكاناً مثالياً لتجرِبة طعام فريدة من نوعها، إنه مطعم داخل مطعم داخل فندق، وهو تجرِبة حصرية؛ بحيث يتسع فقط لعشرة أشخاص، ويقدم قائمة طعام وعصائر مميزة جداً. ولأنه مميز، كان لا بد له من اسم مميز؛ لذلك اخترنا اسم جوليان، على اسم والدي، الرجل الذي يعشق الطعام الجيد، وكذلك اسم ولدي أيضاً".

 

الشيف
  الشيف دانيال يعرض لنا صورة مميزة جمعته بوالده وولده اللذان يحملان نفس الاسم جوليان

 


ويحز في نفس دانيال أنه لم تكن لديه الفرصة لإخبار والده عن هذا المشروع قبل وفاته؛ لأن الفكرة لم تكن قد تبلورت بعدُ، لكنه يعبّر عن سعادته لتمكن والده من عيش حياة طويلة، وأنه كان لديه الوقت للتواجد بقربه وعيش أجمل اللحظات معه.
ويشير الشيف هنا إلى أن كافيه بولود كانت موجودة في 1890 أو 1895، لكن تم إغلاقها في الستينيات من القرن الماضي (1960)، وأضاف: "والدي وقبله جدي، نشآ في أرجائها؛ لذا أردت أن أعيد إحياءها وافتتحت كافيه بولود وباتت لها فروع مختلفة في العالم، وكل فرع منها له قائمة الطعام الخاصة به، والتي تناسب المجتمع المحلي، وكذلك في مطاعمي الأخرى. أما جوليان فهو القصة الجديدة التي أكتبها كرسالة حب لذكرى والدي".

 

تحوُّل مبهر في السعودية

برج المملكة في الرياض


معلومة جديدة شاركنا بها الشيف دانيال بولود عن بداياته؛ إذ إنه في بداية مسيرته، عمل لمدة خمسة أشهر كطاهٍ لدى عائلة سعودية مقيمة في جنوب فرنسا. وعن ذلك قال لنا: "اكتشفت حينها بالطبع القهوة السعودية التي كنت أعدّها يومياً للعائلة، بالإضافة إلى العديد من النكهات التي كان يقدمها طاهيهم الخاص السعودي، وقد تعلمت من الطاهي السعودي بعض الأطباق، أما أنا فمهمتي كانت أن أطهو أطباقاً أوروبية وفرنسية بشكل خاص".

 

أمسية مميزة للإحاطة بهذا المطعم الجديد قبيل إطلاقه


عند سؤالنا للشيف عن اختيار الرياض كمحطة أولى لهذه التجرِبة، أكد لنا أنه منبهر بما يحدث فيها، وقال: "أنا أعرف الرياض منذ زمن، كنت هنا قبل ثلاث سنوات، ولطالما كنت منبهراً بما يحدث هنا، والتطور الذي تشهده المملكة العربية السعودية وما يحدث في الرياض بالطبع". وأضاف: "لذا أنا فخور بوجودي هنا، وفخور جداً بعملي مع فورسيزونز؛ لأنه بالتأكيد واحد من أفضل الفنادق في العالم، إن لم يكن الأفضل، وفورسيزونز الرياض مكان مميز جداً في برج المملكة الشهير، وأعتقد أنهم كانوا أول من تواجدوا هنا كعلامة تجارية عالمية؛ لذا يُعَد مقهى بولود في فورسيزونز الوجهة المثالية لزوار الرياض".

 

 

كافيه بولود في الرياض


وبعد هذا الحديث، كان لا بد أن نسأل الشيف عن رأيه بالمطبخ السعودي؛ فقال: "أعرف المطبخ السعودي جيداً، بالأمس تناولتُ لحم الضأن مع الأرز، لا أعرف اسمه بالتحديد في السعودية، البعض قالوا لي إن اسمه "قوزي"، كان طبقاً كبيراً من لحم الضأن الشهي المطبوخ مع الأرز وبعض التوابل، وعادةً ما يتم تقديمه في المناسبات، وكان لذيذاً جداً. كذلك كنت بضيافة عائلةٍ قدّمت لي الطعام السعودي، وهناك بعض الأطباق حلوة المذاق؛ فهم يحبون الحلويات".وأوضح الشيف بولود أنه مهتم بالتعرُّف إلى ثقافة المملكة، وأنه يحاول خلال زياراته إليها فهم السوق فيها بشكل أفضل؛ فقال: "ذهبتُ إلى السوق هنا في الرياض، وحاولتُ الاطلاع على جميع المكونات الموجودة هناك، سواء في السوق أو في المحال التجارية أو في المطاعم المختلفة، وهذه إحدى الطرق للتعرُّف إلى الثقافة؛ أيْ عبْر الذهاب إلى المطاعم المحلية والتحدث مع الضيف أو الزبون".
وتابع: "كذلك فإن الشعب السعودي يسافر كثيراً، ويزور أمريكا وأوروبا فرنسا وبريطانيا؛ لذا أعتقد أنه من الرائع أن نأتي نحن أيضاً إلى هنا، وأن نُعرّفهم قليلاً على بلادنا. بالنسبة لي، ما أقدمه في مقهى بولود، هو لمسات من فرنسا، ولمسات من أمريكا، تتجسد في تجرِبة فريدة في مطعم في الرياض".

 

تمرير الرسالة


أدرك دانيال بولود شغفه بإعداد الطعام منذ سن مبكر؛ أيْ خلال فترة المراهقة؛ حيث بدأ يتدرب في بلدته في مطعمين في الوقت ذاته وفي موقعين مختلفين؛ فكان يذهب لعمله ويعود بالحافلة. وتوالت نجاحاته بعدها ليصبح اليوم مؤسساً ومالكاً للعديد من المطاعم الفاخرة.
وبصفته أحد أشهر الطهاة في العالم، ومن الحائزين على جوائز عالمية، منها مثلاً جائزة أفضل صاحب مطعم، سألنا الشيف حول مَن هو أفضل شيف في العالم؛ فأشار إلى أن: "هناك مجموعة كبيرة من الطهاة وليس طاهياً واحداً فقط، وكلّ طاهٍ يتميز في نطاق إبداعاته، لكن هناك بعض الطهاة الأذكياء، والذين باتت لديهم سلسلة مطاعم خاصة ويتوسعون بشكل كبير".
ومازحنا الشيف هنا بالسؤال عن المنافسة بينه وبين زوجته على المطبخ؛ فقال: "زوجتي لا تغار أبداً من تواجدي في المطبخ، وهي سعيدة أنني أطهو لها كلّ هذا الطعام الرائع، فيما يمكنها التفرغ للاهتمام بالأطفال والاستمتاع بالسفر".
وعن نصيحته للطهاة الصاعدين، أشار بولود: "أنا متأكد من أن العديد من الشباب في السعودية اليوم يحلمون بأن يصبحوا طهاة يوماً ما، وأعتقد أن أول ما يجب عليهم فعله هو الالتحاق بمدرسة جيدة، ثم إيجاد مرشد جيد للعمل معه؛ ليعلمهم أساسيات الضيافة وعمل المطاعم، وأهمية الاهتمام بالمكونات، والاهتمام بالموظفين، والاهتمام بالفريق، والاهتمام بالمعدات، والاهتمام بكلّ شيء".
وختم بالقول: "كما تعلمون، الطهي رحلة مذهلة، ويمكنك السفر حول العالم والطهي في أيّ مكان، ولكن إذا كنت ستبقى في بلدك؛ فحاول أن تسعى لتكون من بين الأفضل، وأن تمثل مطبخك بأفضل طريقة ممكنة".

مخاطبة الحواس

أطباق تحاكي الحواس


خلال استضافة إعلامية خاصة للإحاطة بهذه التجرِبة الجديدة، أخذنا الشيف دانيال وفريق الطهاة في "جوليان" في رحلة غامرة تحاكي كافة الأحاسيس، تعرّفنا فيها على الطعام الفرنسي بطريقة مختلفة؛ إذ تمازجت المكونات الآتية من مدينة ليون الفرنسية، مع مكونات عالمية مختلفة، ومكونات محلية كتمور المدينة المنورة، ولحم الحمام والخضار والتوابل المحلية، وتكامل المذاق مع طرق التقديم المبتكرة في أوعية زجاجية مضاءة وأطباق تقديم مميزة، وأوانٍ ذهبية برّاقة.

 

الشيف دانيال مع الشيف تييري الشيف الرئيسي في مطعم جوليان


الشيف بولود حدّثنا عن قائمته المميزة التي ابتكرها مع فريق الطهي الخاص بالمطعم والذي يقوده الشيف تييري، وقال: "تبدأ الفقرة الأولى بثلاث لقيمات صغيرة: واحدة بالفطر، وأخرى مع السلمون وصلصة الجاجيك (Tzatziki)، وأخرى بنكهة جبن البوراتا مع الخبز والفجل المقرمش، تماماً كما في ليون؛ حيث نقدّم الفجل مع الفاصوليا الطازجة، ثم ننتقل بعدها إلى تجرِبة الكافيار والكركند وزهرة القنطريون العنبري، وهي عبارة عن طبق مقبلات رائع ولافت للنظر في وعاء زجاجي مميز، ثم سمك الهاماتشي "الذيل الأصفر" مع الشمندر والفجل والملفوف الأحمر، مع قليل من الخل، لإكمال سلسلة المذاق".

 

 

قائمة مميزة

 

مكونات محلية وعالمية
أوان وأدوات تقديم مميزة
بدائل نباتية تناسب الزوار النباتيين


وتابع تعداد الأطباق قائلاً: "هذا كان الطبق الثاني، يليه رافيولي بالأعشاب الصغيرة وجبنة الريكوتا، ويُقدّم مع صلصة الشرمولة والقليل من الخضار، ثم يأتي طبق سمك الدوفر سول مع الكوسا والجرجير، يليه السكواب (الزغاليل/ صغار الحمام) المحلية المشوية مع إكليل الجبل، ويُقدّم مع تمور المدينة المنورة، ثم نختتم الطبق باللحم البقري المشوي على الفحم، مع فطر الغوشنة (الموريل) والحمص المقلي، ونكمل القائمة بالآيس كريم بجبن سانت مارسيلين، التي تأتي من منطقتي في ليون بفرنسا مع مربى الزبيب المجفف. وبعد ذلك، نقدّم الميرانج المحشو بالمانجا والباشن فروت، وكريمة فاشران مزينة بالباشن فروت. في الختام، ستكون هناك نكهات مكثفة من الشوكولاتة، ولا ننسى كعكة مادلين طبعاً".
وخلال الأمسية الإعلامية كانت هناك لمسة جميلة من الشيف الفرنسي الذي لم يرضَ أن يستثنى أحداً من الحضور من عيش تلك التجرِبة الغامرة؛ فكان أن تم تخصيص بعض الأطباق البديلة التي تناسب أنظمة غذائية مختلفة للحضور؛ فكانت هناك أطباق نباتية عديدة للأشخاص النباتيين، وأطباق خالية من مسببات الحساسية لمن يعانون من هذا الأمر. ولكن لم يؤكد الشيف إذا ما كانت هذه الأطباق ستكون حاضرة لاحقاً بعد الافتتاح الرسمي، أم سيتم الالتزام فقط بالقائمة الرئيسية التي ستكون معلومة وواضحة للجميع.

تعرفوا أكثر على الشيف دانيال بولود:


نشأ الشيف بولود في مزرعة عائلته في سان بيير دي شانديو، وهي قرية صغيرة ليست بعيدة عن ليون، وكان غارقاً في تقاليد الطهي الفرنسية وعجائب المكونات الطازجة منذ سن مبكر. في سن الخامسة عشرة، التحق بأول تدريب له في مطعم الشيف جيرارد ناندرون الحائز على نجمتي ميشلان، والذي يحمل نفس اسمه في ليون، وفي سن السابعة عشرة تم تكريمه كأحد المرشحين النهائيين لأفضل متدرب في الطهي في فرنسا.
منذ وصوله إلى نيويورك عام 1982، أثبت الشيف بولود نفسه كواحد من أبرز خبراء الطهي في أمريكا. بعد عمله كطاهٍ تنفيذي في مطعم لو سيرك الشهير في مدينة نيويورك، بدأ الشيف بولود في إبهار الأذواق في الجانب الشرقي العلوي من مانهاتن بمفرده، بافتتاح مطعمه الرائد دانيال الحائز على نجمتي ميشلان عام 1993، ثم افتتاح مقهى بولود نيويورك عام 1998. يمتلك كافيه بولود حالياً مواقع في بالم بيتش وتورنتو وجزر الباهاما، بالإضافة إلى نيويورك.