للتصميم الإسكندنافي حكاية حديثة نسبيّاً ترجع إلى بداية القرن العشرين وإلى دول الشمال الأوروبي، وهي: الدنمارك وفنلندا، وأيسلندا، والنروج، والسويد. عناصر الحكاية مصممون وشركات ومنتجات مُميّزة بالبساطة والعملية وبالمواد التي تصنعها، لا سيما الخشب. تطور التصميم في خمسينيات القرن الماضي، قبل أن يعرف شعبية، في بقاع الأرض. جوهر التصميم الإسكندنافي، في حال الديكور الداخلي، هو نسج بيئة منزلية بسيطة تُعزّز أسلوب حياة فاخر، لكن غير متكلف أو معقد. يتعلق الأمر بفوضى أقل ومعنى أكبر، بأسلوب بسيط ونظيف يسعى إلى الجمع بين الوظيفة والجمال. دول الشمال الأوروبي باردة، يقضي السكان في الشتاء جل أوقاتهم داخلها. لذا لا مناص أن تحقق لهم الراحة. يمتد الجوهر إلى مجالات التصميم المختلفة، من عمارة وتصميم منتجات وأثاث، ومنسوجات، وسيراميك، وإضاءة.
نظرة معاصرة إلى الطراز الإسكندنافي

في رحلة لكاتبة هذه السطور إلى كوبنهاغن لمعاينة شركات الأثاث الأشهر منذ بضعة أعوام، كان واضحاً أن البحوث تأخذ حيزاً كبيراً من العمل قبل الوصول إلى مرحلة الإنتاج، وأن العادات جزء لا يتجزأ من التصميم. الدنماركيون، مثلاً، ليسوا مسرفين حتى في عواطفهم. يجيبون على أي سؤال بصورة محددة ويتمتعون بروح ساخرة ومواظبون على العناية برفاهيتهم واختيار الطعام الصحي. الاهتمام بالبيئة، بدوره، ظاهر للعيان. ترجمة ما تقدم في التصميم والأثاث، سواء خرج من مصانع أثاث كوبنهاغن أو أي دولة شمالية أخرى، يعني خطوطاً بسيطة ومساحات مضيئة خالية من الفوضى.
الألوان الأكثر استخداماً في التصميم الاسكندينافي، هي تلك المدرجة في الباقة المحايدة والأحادية أيضاً، مع التطعيم بالوردي والأزرق الضارب إلى الرمادي وأخضر المريمية. وفي إطار الحفاظ على البيئة، للمواد العضوية والطبيعية مكانة مرموقة، مع معالجة البلاستيك بأحلى الصور من خلال إبداعات شركات تمتلك فروعاً في العالم. يمكن القول إن المبدأ التوجيهي للتصميم الاسكندنافي يتمثّل في تحقيق الانسجام مع بيئة الفرد وصنع أشياء تعمّر طويلاً، بعيداً من النزعة الاستهلاكية الزائدة، فهدف البيئة المنزلية هو التشجيع على حياة ذات مستوى جيد ومقاومة ضغوط اليوميات وتعميق العلاقة بالطبيعة.

"مظهر الطراز الإسكندنافي خالد ولن يأفل، بل هو سيتسمر في البروز في 2025"، حسب تينا رامشانداني، مهندسة الديكور الداخلي التي تعيش، مع زوجها، في مانهاتن وتهوى السفر. عن هذه الهواية، تقول إنها تسمح لها بالاطلاع على التفسيرات العالمية للتصميم المعاصر الذي يُميز عملها. تُرجع رامشانداني في حديث إلى "سيدتي" سبب صمود الطراز الإسكندنافي في الديكور، إلى التركيز في الجوهر، على الحرفية والمواد. تركز جماليات الطراز، بحسب مهندسة الديكور التي تقود فريق عمل مؤلف من مصممين موهوبين، على الأشكال والراحة والمواد المستخدمة في صنع القطع، عوضاً عن العناصر الزخرفية المُضافة. لم يتغير ما تقدم بين الأمس واليوم، لكن تُلاحظ المهندسة تصميمات جديدة ذات ألوان وأنماط أكثر مما سبق مشاهدته في الطراز الأصلي.

تُعيد رامشانداني صياغة الطراز الإسكندنافي، بأسلوبها، تحت عنوان Soulful Minimalism® أو "الأسلوب المينيماليست المطعم بالروحية"، والأخير عبارة عن طريقة عيش كاملة تبدو أكثر وضوحاً وهدوءاً في عالمنا المحموم، إذ يُتيح الأسلوب لسكان المنزل الذين يعتمدونه في التصميم بإحاطة أنفسهم بالأشياء التي تهمهم وبالتركيز على الذين يهمونهم وبعكس شخصياتهم في المنزل.

بعبارة أخرى، هي تحقّق تصميمات داخلية دافئة وحديثة وجذابة ومثيرة للاهتمام، مع الحرص على عدم المبالغة. يتلاقى أسلوب المهندسة مع الطراز المذكور من خلال الخطوط الواضحة والأشكال الجميلة.
أعلام التصميم الإسكندنافي
عند الحديث عن الطراز الإسكندنافي والعصر الذهبي له، لا يُمكن القفز عن أسماء بعض الأعلام من مهندسين ومُصمّمين، مع الإشارة إلى أن قطع أثاث كثيرة مُحمّلة بأسماء هؤلاء لا تزال قيد الإنتاج.
- ألفار آلتو (1898-1976) المعمار الفنلندي وصانع الأثاث، الذي شارك في تأسيس شركة "آرتك"، بفلندا، عام 1935، لإنتاج وتوزيع الأثاث الخشب الذي صممه وزوجته آينو مارسيو. لاقت تجارب آلتو في الاشتغال بالخشب الرقائقي الملصوق والمنحني، على صعيد صنع الأثاث، صدى تجاريّاً. من تصميمات آلتو، كرسي Paimio، المسمّى على اسم المدينة الواقعة في جنوب غرب فنلندا، حيث رفع المهندس مصحة لمرض السل وأثثها. وضع الكرسي المذكور في صالة المرضى.
- آرني ياكوبسن (1902-1971) المعمار والمصمم الداخلي ومصمم الأثاث والمصابيح والمصمم الجرافيكي الدنماركي.. من إبداعات ياكوبسون: كرسي فورمي عام 1952 وكرسي السلسلة 7 عام 1955 والتصميم الداخلي المميز لفندق SAS Royal، عام 1960. كان الفندق أول ناطحة سحاب في كوبنهاغن ورمزاً لعصر جديد من الرخاء والسفر والعالمية. من أثاث الفندق، كرسيا Swan وEgg الأيقونيان.
- ارو سارينن (1910-1961) المعمار الفنلندي، سليل المعمار ومدير أكاديمية كرانبروك للفنون إيلييل سارينن وفنانة النسيج والنحاتة لوخا سارينن. عام 1929 غادر ارو إلى باريس حيث درس النحت قبل أن يلتحق ببرنامج هندسة العمارة في جامعة ييل في العام التالي. عام 1934، عاد إلى ميشيغان للتدريس في كرانبروك، والعمل على تصميمات الأثاث وممارسة هندسة العمارة مع والده. يتسم عمل سارينن بالجمالية الحداثية، مع التركيز على الخطوط النظيفة والأشكال البسيطة واستخدام المواد المتطورة. عام 1948، ابتكر سارينن كرسيّاً مُشابهاً للرحم باستخدام غلاف من الألياف الزجاجية منجد بالمطاط الرغوي والقماش لصالح شركة "نول"، كما كراس أيقونية وطاولات باسم توليب.
- فين جوهل (1912-1989) المعمار الدنماركي الذي كان مُهتمّاً بالفنون الجميلة في البداية، وأراد أن يصبح مؤرخاً فنّياً. لكن، والد جوهل لم يسمح له بالعمل في مجال الفنون. التحق بقسم هندسة العمارة في الأكاديمية الملكية للفنون في كوبنهاغن وبدأ فين جول دراسته في ثلاثينيات القرن العشرين، الفترة مهمة في تصميم الأثاث. أثناء الدراسة الجامعية، عمل جوهل مع المعمار الدنماركي البارز فيلهلم لوريتزن عام 1934. وفي الأستوديو الخاص بجوهل، صمم دار الإذاعة الدنماركية ومطار كوبنهاغن وكان منشغلاً للغاية، لدرجة أنه لم يكمل دراسته أبداً. من إنجازات فين جول المهنية على المستوى الدولي هو التصميم الداخلي الكامل لقاعة مجلس الوصاية في المقر الرئيسي للأمم المتحدة في نيويورك بين عامي 1951 و1952. لناحية الأثاث، مجموعات المصمم كثيرة، منها: الكرسي 44.
- هانز ج. ويجنر (1914-2007) المعمار الدنماركي، الذي ساعد آرني ياكوبسن قبل إنشاء الأستوديو الخاص به عام 1943. صمم أكثر من 500 كرسي، بما في ذلك الكرسي المستدير الشهير عام 1949 وكرسي عظم الترقوة المعروف أيضاً باسم CH24 أو Y.
- فيرنر بانتون (1926-1998) المصمم الدنماركي الذي استغرق سبع سنوات حتى يجعل كرسي البانتون البلاستيكي الكلاسيكي ينتج بكميات كبيرة بواسطة شركة "فيترا" ويصبح، في فجر السبعينيات، رمزاً للثقافة الشعبية والمنتج الأول الذي طورته الشركة في تاريخها.
- بول كيارهولم (1929-1980) المصمم الدنماركي الذي أتمّ دراسته في المدرسة الدنماركية للفنون والحرف، مع اهتمام خاص بمواد البناء، لا سيما الفولاذ. تعاون مع شركة تصنيع الأثاث Ejvind Kold Christensen عام 1955 واستمر التعاون لبقية حياة Kjærholm المصمم. من إبداعات المصمم: كرسي الصالة PK22 عام 1956 وكرسي الاسترخاء PK24 عام 1965.
- ارو أرنيو (1932) الفنلندي الذي يعبر خير تعبير عن التصميم الفنلندي. في ستينيات القرن الماضي، بدأ أرنيو تجاربه في المواد البلاستيكية والألوان الزاهية والأشكال العضوية، مبتعداً عن تقاليد التصميم التقليدية. تشمل إبداعاته البلاستيكية المميزة: كراسي الكرة (1963) والباستيل (1968) والفقاعة (1968) التي تعكس ثقافة البوب. بعض أعمال أرنيو مدرج في متاحف العالم، بما في ذلك متحف فيكتوريا وألبرت في لندن ومتحف الفن الحديث في نيويورك، ومتحف فيترا..
تينا رامشانداني
___
- الصور تبرز أعمال تينا رامشانداني، مهندسة الديكور الداخلي الأميركية