في إطار مواكبة فعاليات We Design Beirut، زارت «سيدتي» فيلّا عودة، التي تعَدّ جوهرة معمارية بيروتية نادرة، تمزج بين التأثيرات العثمانية والأوروبية، للاطلاع على أعمال 48 مصمماً مشاركاً في معرض "طواطم الحاضر والغائب"، بإشراف القيم الفني غريغوري غاتسيريليا. يُسلّط المعرض الضوء على رؤى المصممين للعاصمة اللبنانية بين الماضي والحاضر وحتى المستقبل، وعلى كيفية استرجاع أماكن وبيوت قديمة والإحساس بالفقد من خلال أعمال فنية. في حديقة "فيلا عودة"، يلفت الزائرَ هيكلٌ معدني مصمم بشرائح من الروطان الطبيعي منسوجة يدوياً، ثمّ عند الدخول يبرز العمل الفني للملحن والمنتج الموسيقي اللبناني خالد مزنّز، وهو يمتد من السقف إلى أرض البهو. العمل الضخم هو إعادة خلق الفنان لغرفته ومكتبه اللذين دُمرا في انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس 2020، لهذ الغرض هو وضع آلة البيانو وأوراقاً مبعثرة وكتباً وساعة حائط...
تصاميم متنوّعة وألوان نابضة
يتنقل الزائر بين الأجنحة على وقع أغاني السيدة فيروز والموسيقى الكلاسيكية، معايناً أعمالاً لمهندسين ومصممين وفنانين ينتمون إلى مدارس مختلفة، فيما أعمالهم المعروضة تبدو وكأنها تتآلف بانسجام، على الرغم من تنوعها لنواحي الأشكال والألوان والخامات، من سيراميك وخشب وحديد وقماش ونحاس وخيوط وغيرها. في إحدى الزوايا الهادئة، يرتفع عمل المصممة ميريم صادق، ويبدو كأنه لوحة فنية حية، فهو مشغول من جذع شجرة، تتمظهر كأنثى تجلس في سكون عميق، ركبتاها مثنيتان برقة، ويداها تستريحان برفق كنسمة هادئة. الشجرة متجذرة بعمق في الأرض، ثابتة وراسخة، تحمل في طيّاتها قصص الزمن وسحر الطبيعة، وتدعو لنعيش لحظة من السكون والجمال الحقيقي.
قد يهمك الاطلاع أيضاً على: We Design Beirut: معرض يكرم الحرفيين ويجمعهم بالمصممين اللبنانيين
وفي ركن آخر، تتألّق The Suns of Beirut للمصممة ندى رزق، مستوحاة من تميمة ذهبية عُثر عليها في متحف بيروت الوطني، تُصوّر قرص شمس ذهبي مُشعّ. العمل مُكوّن من خمسة أقراص برونزية مُتراصّة في صعود عمودي، ومُثبّتة في كتلة رخامية صُلبة.
وفي تجهيز Dyeux للمصممة ندى زينه الفني، يتجلى تمثال فريد من نوعه، يتألف من سبعة عناصر طينية متكاملة، منحوتة يدوياً بأناقة وحِرفية عالية. التمثال مثبت على إطار فولاذي قوي يبلغ ارتفاعه حوالي 180سنتمتراً، أما القطع العلوية؛ فهي خمسة أجزاء مميزة، صُممت لتدور بحرية في جميع الاتجاهات. هذا العمل الفني يدمج بين الصلابة والحركة؛ ليجسد روحاً حرة لا تعرف الحدود، وتفكر في صمتها في ذات الوقت.
الثورة الصناعية
ومن بين التجهيزات الفنية، لافتة هي مدفأة Les Temps Modernes لشركة سبوك ديزاين، فهي مصنوعة يدوياً من أنابيب فولاذية مجلفنة على البارد، حول وحدة شعلة ذكية بيئياً، تعمل بالإيثانول الحيوي، وتُخلّد الثورة الصناعية، الحقبة التي غيّر فيها الفولاذ والنار والإبداع شكل العالم. واليوم، طوت التطوّرات التكنولوجية والذكاء الاصطناعي صفحة هذا الفصل من تاريخنا.
وفي إحدى الزوايا، يبرز تجهيز A Monument to Memory & Hope الفني لمهندسة التصميم الداخلي كارينا سكّر، التي تعبر من خلاله عن هوية لبنان، في عمل قاعدته من خشب سميك ويحمل فقاعات زجاجية رقيقة، وشفافة وخفيفة الوزن، تسمح بدخول الضوء والهواء. يدفع العمل إلى السؤال الآتي: كيف تحمل الهشاشة كلّ هذا الثقل؟ وفي تجهيز آخر للمصممة ماغي منصف، بعنوان Genome of Ashes: The Eyes of Beirut المصنوع يدوياً من الخشب الصُلب بألوان متنوّعة، استيحاء من اللولب المزدوج الحلزوني للحمض النووي، يُجسّد خيط الهوية المتصل عبْر الزمان والأجيال. يحمل التجهيز، عيوناً لا ترفّ، استخدمها الفينيقيون تاريخياً كتعويذة. تدعو منصف الزائر للوقوف أمام هذا الطوطم والشعور ببيروت، ليس كمكان؛ بل كوجودٍ حقيقي.
قد يهمك الاطلاع أيضاً على: We Design Beirut: فنون النسيج بين رؤى المصممين وأيدي الحرفيين
تحية لبيروت
وتلفت خزانة Diamond للمهندسة والمصممة إيفا شوميلاس الأنظار؛ إذ تُعَدّ هذه القطعة تحيةً لبيروت، مدينة الصمود والذاكرة والجمال الخفي. هي طويلة ونحيفة الشكل، يعكس هيكلها ذو الشكل الألماسي القوة والندرة. فتح الخزانة بمثابة دعوة إلى منازل بيروت القديمة؛ حيث يكمن عالم من الأناقة الهادئة. تعكس هذه القطعة المدينة نفسها: ندوبٌ لكنها أنيقة، تحمل في طياتها المشقة لكنها صامدةٌ بلا حدود؛ حيث ينتظر الجمال بصبرٍ إعادة اكتشافه متجاوزاً حدود الزمن.
وهناك تجهيز فني بعنوان Hanging by a Thread للمصممة نايلة خوري؛ يطفو معلقاً بخيط، كأنه يرقص في هواء بيروت، المدينة الهشة. في العمل، الزجاج الملوّن والفولاذ المقاوم للصدأ العاكس والكابلات الفولاذية تتداخل معاً؛ لتخلق لوحة تجمع بين القوة والضعف، وبين الثبات والانتفاض.
الهشاشة والقوة
وفي جانب آخر، يقف تمثال Sôlace للمصممة ليا مجدلاني، الشمعي الضخم، بارتفاعه متراً و80 سنتيمتراً؛ ليجسّد التوازن بين الهشاشة والقوة. بفضل مادته النقية وحضوره العمودي، يُثير هذا العمل شعوراً بالمرونة الهادئة، مُوفّراً الراحة. سطحه الأملس ولونه الدافئ، يُحوّلان الشمع- وهو مادة ترتبط عادةً بالزوال- إلى تعبير دائم عن السكون والأمل. يدعو التمثال الزائرين للتوقف والتأمل، وإيجاد الألفة في البساطة.
قدّم المؤسس الشريك والمدير الإبداعي لـWe Design Beirut سامر الأمين، بدوره، تجهيزاً فنياً استوحاه من مسرح البيكاديللي العريق في بيروت، والمغلق في الوقت الراهن، وينتظر إعادة افتتاحه في دعوة لإحياء ما أطفأه الزمن، وما لم يمحُه الغياب بعدُ.