في اليوم الثاني لـWe Design Beirut، الحدث التصميمي الذي يُلوّن العاصمة اللبنانية بيروت، ويضيف إلى نهاراتها ومساءاتها رونقاً فنياً، زارت «سيدتي» فيلّا عودة، والأخير مَعلم رائع البنيان يضم في دواخله مجموعة فريدة من الفسيفساء من أنحاء العالم. هذا العام (2025)، طلب القيّمون على We Design Beirut إلى 48 مصمماً لبنانيّاً وأجنبياً من المخضرمين والناشئين، أن يبدعوا أعمالاً ينقلون من خلالها علاقتهم بمدينتهم، وكيف يرونها، وجمعوا الأعمال في معرض Totems of The Present & the Absent، بإشراف القيّم الفني غريغوري غاتسيريليا. في "الفيلّا". تبدو الأعمال موزّعة كطواطم محمّلة برؤى فنية وأفكار محورها بيروت الأمس واليوم، والمستقبل، والشخصي والعام، والقائم والمندثر والمهجور. ولأن المصممين لا يتحدثون لغة مباشرة، كانت التجريدية سِمة الأعمال التي عبّرت عن تجذُّر الفن والتصميم في لبنان. في المناسبة، قابلت «سيدتي» مجموعة من المصممين المشاركين، وعادت بالآتي.
نظرة تجريدية إلى الحضور والغياب بعيني المصممة هلا سالم
عبّرت هلا سالم، مصممة لبنانية تعمل بين بيروت وباريس على وسائط مختلفة، بالتعاون مع حِرفيين، عن "ثيمة" الحضور والغياب في بيروت على طريقتها، في مجسّم فني سمّته Presence of Absence، يرتفع لمترين و30 سنتيمتراً. وفي لقاء مع «سيدتي»، شرحت أن "العمل منفّذ من بلاط سيراميكي مزجج يُحاكي الحجر، لاسيّما الرخام، والعقيق، والسربنتين لناحية الملمس، مع وجود مرآة، وأقوال مأثورة مدوّنة على خامة النحاس". وأضافت أن: "كلّ بلاطة في التركيب مستوحاة من آثار منازل أو أسطح متصدّعة في مناطق متعددة بالمدينة"، موضحة أنه "للحصول على مادة السيراميك، بصورتها النهائية، لا بد من استخدام النار، وهذه العملية شبيهة باحتراق المدينة بأزمات وحروب ثم وقوفها مجدداً، وأقوى من قبل، فيما المرآة في العمل عاكسة مَن رحلوا عن دنيانا، كما الأقوال تعني لها وهي لجبران خليل جبران وإيتيل عدنان".
قد يهمك الاطلاع أيضاً على We Design Beirut: فنون النسيج بين رؤى المصممين وأيدي الحِرفيين
كرسي الاعتراف للمصمم أحمد بظاظو
قدّم أحمد بظاظو، مهندس العمارة، ومصمم الأثاث، ومؤسِّس "استديو بظاظو"، كرسياً يحاكي كرسي الاعتراف، سمّاه "Solace"، وقال عنه لـ«سيدتي»: "لكلٍّ منّا علاقة شخصية ببيروت، كما هناك تأثيرات منّا على المدينة؛ فالمدن تتأثر بناسها. لذلك طوّرت الفكرة لتتخذ هيئة كرسي مشابه لكرسي الاعتراف في الصرح الديني، ليجلس عليه المرء، ويفكر في علاقته بالمدينة، ويبوح باعترافاته عنها ولها، عن فوضاها وجمالها وندوبها. يبدو الكرسي الضخم وكأنه يغمر الجالس إليه؛ ليسمح له بالتأمل في أفكاره". وأضاف أن "التصميم منفّذ من هيكل حديد، مع خشب الزين الذي يتمظهر من خلال 1908 قطعة دائرية الشكل، مصنوعة يدوياً (مع الحف والطلاء)؛ إضافة إلى قماش البوكليه، مع توزيع مجموعة من الشمع للإيحاء بالطمأنينة".
لعبة المرايا مع المصممة لمى خياط سلوم
فكّرت لمى خياط سلوم، مهندسة التصميم الداخلي ومصممة المنتجات، في عملها للمعرض بعنوان "The nine lives of Beirut"، في تحولات مدينة بيروت. فحسب الأسطورة، عاشت العاصمة اللبنانية 9 حيوات، وبالتالي هي استوحت من قيامات المدينة وسقوطاتها، وكيف تبدو لمن هو خارج لبنان، وكيف هي في الحقيقة، وفي جوهر المدينة الذي يظل قائماً، وفي اللامتوقع في كلّ حياة عاشتها. لذا جاء التصميم مائلاً. وقالت لـ«سيدتي»: "يحمل التصميم لون الدم المؤشر للحياة، وهو منفّذ باستخدام قشرة خشب الأَرز، والمرايا، وفي الداخل هناك النحاس". وزادت: "في مقابل العمل، كيفما وقف الزائر، سيجد في كلّ جزء صورة مغايرة، في إشارة إلى انعكاس المدينة عليه. في مرة يرى القسم السفلي من جسمه، وفي مرة أخرى يظهر مقلوباً رأساً على عقب، وفي مرة ثالثة تتمظهر الصورة مقطعة، ومع الابتعاد قليلاً عن التصميم، هو يبدو بشكله الكامل. وكذا تظهر بيروت للغائب عنها أو المهاجر".
قد يهمك الاطلاع أيضاً على We Design Beirut: معرض يكرّم الحِرفيين ويجمعهم بالمصممين اللبنانيين
طبقات المدينة مع مؤسّستي Yakin
لاتزال الشريكتان المؤسِّستان لـYakin: برونا التيني، المهندسة المعمارية، وسابين السقيم، مصممة المنتجات، مُصرّتين على خوض الصعاب والاشتغال بنفَس بيئي في التصميم بلبنان، بصورة هي مدعاة للثناء. ولمناسبة المعرض، هما قدّمتا عملاً بعنوان "Palimpsest: The Eternal City". عنه، تقول سابين السقيم لـ«سيدتي»: "التصميم بمثابة مخطوطة عن بيروت، سبق أن كُتبت، كما تعاد كتابتها على مدار الأعوام، بيروت المدينة ذات التاريخ الغابر، مع مرور حضارات كثيرة: الفينيقية، والرومانية، والبيزنطية، والعربية، والعثمانية. في التصميم الذي يراه الزائر، تؤشّر الطبقات الخمس في الأسفل إلى هذه الحضارات، ثم تأتي حزمة من طبقات أخرى أعلاها للتعبير عن التاريخ والذاكرة والتجديد، وهذه الطبقات قد تكون جالسة أو مائلة في تلميح لفوضى المدينة. لكن، في كلّ الأحوال، هي تظل واقفة، وإيجابية، الصفة التي يعبّر عنها الضوء في الوسط. هكذا نرى بيروت ونحلم بها". وأضافت أن "طبقات التصميم تبدو كأنها تتعالى؛ للتعبير عن الوقوف بعد المُلمات". وعن المواد، أوضحت أنها الألمونيوم القابل لإعادة التدوير مع صنفرة يدوية قطعة قطعة مع أمهر الحِرفيين في لبنان، والزجاج الكريستالي الذي يُلمح إلى الشفافية والأمل والأصالة في المدينة.
صفحة بيضاء مع التشكيلية سارة بدر شميت
قدّمت سارة بدر شميت، رسامة تشكيلية لبنانية وسويدية، تعمل في باريس، وتتناول في فنها مفاهيم الهوية والانتماء، عملاً بعنوان "صفحة بيضاء" للدلالة على كيف: نمحو ونبدأ من جديد، بعد كلّ محنة نمُر فيها في لبنان. وقالت لـ«سيدتي» إن: "ثيمة الحضور والغياب التي يرفعها المعرض، تتفق مع جوهر عملها، خصوصاً أنها تركّز أخيراً من خلال مشاريعها على العنوان الآتي (تركنا منزلنا. لكن ما هو المنزل؟) وقد عُرضت في غاليري صالح بركات ببيروت، ثمّ في باريس، وأستوكهولم. العمل في فيلّا عودة عبارة عن قصيدة ألّفتُها، وخيوط منسدلة من الصوف والكشمير والحرير، ملوّنة بصورة يعبّر كلّ لون عن معنًى وارد في الشعر (الأحمر عن الدم، والأرجواني عن الفينيقيين، والأزرق عن السماء الصافية، كما عن الحزن العميق، والأصفر عن الشمس والتاج)"، لافتة إلى أن العمل مقدّم في المعرض كتركيب فني، إلا أنه في الحقيقة مصمم كديكور جداري، وضمنه هناك مجسم لعصفور من البرونز المؤكسد، في إشارة إلى الطيور المهاجرة كما معظم اللبنانيين؛ علماً بأن العصفور مرقم، ومجسم لمنزل من جزئين في إشارة إلى كلّ المنازل التي يسكنها المرء، مطلي بالبرونز الذي يحاكي الذهب تسترجع من خلاله بيتاً شيّده جدها وأقامت فيه أوقاتاً طويلة خلال طفولتها.