ذكريات وتجارب يختصرها المشاركون في أسبوع دبي للتصميم في قطع فنية وديكورات تحكي الكثير. هذا الحدث الذي يجمع بين الإبداع والحرفة كل عام، قدّم في نسخته الـ11 أعمالاً تعبّر عن رؤى معاصرة؛ تمزج بين الجمال والفكر، وبين التقنية والخيال. ومع كل هذا التنوّع، ترتسم ملامح التوجهات والصيحات الجديدة في عالم الديكور، تلك التي سنراها قريباً في المنازل والمساحات اليومية من حولنا. "سيدتي" كانت حاضرة في قلب الحدث، والتقت بعدد من الفنانين والمصممين، الذين تحدثوا عن أعمالهم، ورؤيتهم لمستقبل التصميم في المنطقة.
محمد بدر.. ازدواجية الواقع في صور متحركة

يشارك الفنان المفاهيمي محمد بدر، للعام الثاني على التوالي، في معرض "إديشنز"، ضمن منصة "ديون آرت ستيشن"، التابعة لـ "نوماد غاليري". ويقدّم هذا العام عملاً جديداً بعنوان Multiplicity، وهو امتداد لمشروعه الفني المستمر حول مفهوم الازدواجية، حيث يستكشف من خلاله فكرة تعددية الشخصيات الإنسانية، إذ يقول: "العمل ينتمي إلى سلسلة بعنوان Multiplicity تتناول تعددية الشخصيات، وكيف يعيش البشر بشخصيات متعدّدة داخل جسد واحد، بحيث تتبدّل طريقة تعاملنا مع الآخرين وفق الشخصية التي تبرز في إطار معين. أردت هذه المرة أن أستخدم تقنية جديدة تُعرف باسم الطباعة اللنتيكلرية Lenticular printing، وهي من التقنيات نادرة الاستخدام في منطقتنا. كنت دائماً مهووساً بفكرة أن الصورة يجب أن تتحرّك، لا أن تكون ثابتة. في أعمالي السابقة استخدمت الصور المتحركة أو التعريض المزدوج، لكن هنا قررت أن أجعل الوسيط نفسه يتحرّك". ويشرح بدر أن "التقنية تقوم على دمج ثلاث صور مطبوعة فوق بعضها، بحيث تتبدّل الصورة وفق زاوية النظر، ما يمنح المشاهد تجربة بصرية حيّة تشبه واقعنا المعاصر في عصر الذكاء الاصطناعي، حيث يصعب التمييز بين الحقيقة والخيال".
تابعي المزيد في: الإبداع يتجلى في دبي... افتتاح داون تاون ديزاين يحتفي بروائع التصميم والديكور المعاصر
بديع غانم.. ذكريات بيروت تتجسّد في فولاذ لامع

يشارك المهندس والمصمّم المعماري بديع غانم في معرض "إديشنز" بعمل فني مؤثّر بعنوان ?Remember Love، يستعيد من خلاله خمس قطع رمزية من طفولته في العاصمة اللبنانية بيروت شكّلت ذاكرته وهويته، ولا تزال ترافقه أينما ذهب. يقول غانم: "العمل مستوحى من ذكريات طفولتي في بيروت، من أشياء بسيطة لكنها محفورة في الذاكرة. اخترت خمس عناصر: الكرسي البلاستيكي، ومصباح الغاز الذي لطالما استخدمناه للإنارة عند انقطاع الكهرباء، وحجر الباطون، ومجسّم صوامع بيروت التي انفجرت في حادث المرفأ الأليم عام 2020، والمرآة". صُنعت هذه العناصر من الفولاذ المصقول، ليعبّر السطح اللامع عن التناقض بين القوة والضعف، وبين الصلابة والحنين. يقدّم غانم من خلالها تأملاً في الذاكرة والجمال العابر، حيث تتحوّل تفاصيل الحياة اليومية إلى رموز للانتماء والفقد والحنين.
تصاميم عالمية بإبداع معاصر من Bureau of Innovation

تقول هولي لوكاس المؤَسِسة والمديرة التنفيذية لـ Bureau of Innovation في معرض "إديشنز": "نقدّم في جناحنا هذا العام مجموعة من 14 فناناً ومصمماً من أوروبا، والمكسيك وأستراليا، اختيروا بعناية بناءً على ممارساتهم المبتكرة في التصميم والتزامهم بالحرفية العالية"، مضيفة أن "معظم القطع هنا فريدة بطابعها، ونهدف من خلال عرضها إلى إبراز هذا التميّز في المنطقة". وتعدّد أبرز الأعمال: طاولة قهوة صُمّمت في كارارا بإيطاليا من قطعة واحدة من رخام تشيبولينو، وهو إنجاز تقني معقّد التنفيذ، ووحدات إضاءة من النحاس المصقول من تصميم Corpus Studio في باريس، وطاولة طعام للمصمم البلجيكي تيم فيركان مصنوعة من خشب الصنوبر المحروق باللون الأصفر، وتمتاز بملمسها القوي وحرفيتها الفائقة.
تابعي المزيد في مصممين خليجيين من تشكيل يعيدون رسم الموروث بحس معاصر في أسبوع دبي للتصميم
في جناح Huda Lighting.. الإضاءة تجمع بين الحِرفة والتجربة البصرية

توضح رومي أبي وردة، مديرة صالة العرض في Huda Lighting بداون تاون ديزاين: "اخترنا مجموعة متنوّعة من تصاميم الإضاءة التي تجمع بين الجمال والوظيفة، وتشمل وحدات زخرفية ومعمارية وخارجية". وتضيف: "نمثّل علامات تجارية عالمية من الولايات المتحدة وإيطاليا، ما يمنحنا تنوّعاً غنياً في الأساليب والتقنيات"، وتزيد أن "الإضاءة ليست مجرد عنصر وظيفي، بل جزء من التجربة الجمالية للمكان. لاحظنا خلال أسبوع دبي للتصميم أن الناس يبحثون عن التفرد والابتكار وعن قطع فنية يشعرون بأنها صُمّمت خصيصاً لهم، مثل وحدات الإضاءة التي لفتت الجميع؛ كونها تحتوي على حجر ثمين".
أثاث تركي يجمع بين الحِرفة اليدوية والروح المعاصرة

انتقلنا بعد ذلك إلى جناح شركة Tesori، ليحدثنا توهان عن العلامات والصيحات التي يمثلونها، قائلاً: "نشارك هذا العام في معرض Downtown Design مع العلامة التركية Saloni، إلى جانب شركائنا Cinar. نقدم مجموعة من قطع الأثاث المميزة من تصميم Saloni، وهي علامة تأسست قبل أكثر من 25 عاماً، وتُعد من الأسماء المعروفة في الشرق الأوسط"، مضيفاً "اعتمدنا في تصميم الجناح على درجات الألوان الترابية الدافئة التي تعبّر عن روح الطبيعة والانسجام. كما ركزنا على الخامات الطبيعية؛ مثل الخشب الخام ودرجات السنديان، التي تعبّر عن جوهر هوية العلامة وشخصيتها الدافئة". ويشير إلى أن "السوق يشهد تحولاً واضحاً نحو المواد المستدامة والحرفية اليدوية التي تجمع بين الفخامة وسهولة الوصول. لذلك، نصنع كل قطعنا يدوياً من الخشب والمعادن، ونمزجها بخامات أخرى لتقديم مساحات معيشية متكاملة تعبّر عن روح التصميم الحديث".

كما يعرض الجناح أعمال شركة Cinar العائلية المتخصّصة في صناعة السجاد الحريري منذ عام 1935، حيث خُصصت غرفة تجربة تُعرض فيها السجادات داخل إطارات فنية تُقدَّم كقطع فنية قابلة للاقتناء، وهنا التقينا بأحمد شينار، فقال: "نحتفل هذا العام بمرور 91 عاماً على تأسيس Cinar، وثلاثة أجيال متعاقبة من الشغف بالحرفة. سرّ استمرارنا هو تطوّرنا الدائم ومواكبتنا للاتجاهات الجديدة. لو بقينا متمسكين بما نعرفه حصراً، لانتهينا منذ زمن، العالم اليوم يعيد إحياء الماضي بروح عصرية، تماماً كما نفعل نحن، إذ نحافظ على لغة التصميم القديمة التي يحبها الناس، لكننا نعيد صياغتها بأسلوب معاصر. ألوان هذا العام هي ألوان التيراكوتا الدافئة؛ التي تعكس العودة إلى الأرض والدفء والجذور، وهي ما اخترناه ليعبّر عن هوية جناحنا في أسبوع دبي للتصميم".
كاسا ميلانو.. جدران تتحدث وإبداع يكرّم المواهب الصاعدة

قدّمت شركة كاسا ميلانو (Casa Milano)، خلال أسبوع دبي للتصميم 2025، وهي واحدة من أبرز المشاركات المؤسسية عبر منصّتها "جدران تتحدث" Talking Walls، المبادرة الفنية الضخمة تمتد على مساحة 300 متر مربع في حي دبي للتصميم، والهادفة إلى دعم المصممين الشباب وتمكينهم من إعادة تخيّل المساحات العصرية بأسلوب يجمع بين الفخامة والابتكار. يقول أزهار ساجان، مؤسس ومدير الشركة: "وُلد مشروع Talking Walls من فكرة بسيطة، متمثلة في منح المصممين الشباب مساحة تُرى فيها رؤيتهم ويُسمع صوتهم ويُحتفى بتميّزهم. من الملهم أن نشاهدهم يحوّلون مساحة صغيرة إلى عالم متكامل من الإبداع والسرد البصري، حيث تمتزج الحرفية بالخيال والوظيفة بالفنّ". ويضيف ساجان أن "تصميمات هذا العام عكست تحوّلاً في مفهوم الجمال، إذ تجاوز التصميم البعد الجمالي؛ ليصبح لغة تعبّر عن الوعي والمسؤولية والابتكار، فالتصميمات الداخلية اليوم أصبحت أكثر حيوية وشخصية ومسؤولية. الألوان الزاهية والعناصر التعبيرية عادت بقوة، لتتحرر المساحات من حيادها وتعكس فرادة أصحابها ومشاعرهم، بالتوازي مع توجه متزايد نحو الاستدامة. هذا المزيج بين البهجة والوعي هو ما يحدّد هوية التصميم في هذا العصر، ألوان تمنح الطاقة، وحرفية تربطنا بالجذور، ومواد تروي قصة بوعيٍ وجمال".





