لم يعد ارتياد المطاعم يهدف إلى تناول المأكولات خارج المنزل والتواصل، بل تحول إلى تجربة متكاملة "تتذوقها" العين قبل اللسان؛ بمعنى آخر، أمست المطاعم أماكن اجتماعية تولي اهتماماً متزايداً بديكوراتها وبالجماليات، بصورة توازي الطعام الذي تقدمه وتقاليد الطهو التي تجذب الرواد إليها، مما يجعل من تصميم المطاعم مهنة لا تنظر بعين المتانة والعملية فحسب، بل تقدم وجبة بصرية، وتجعل من كل مكان جديراً بقضاء الوقت فيه والتصوير والنشر على وسائل التواصل، إضافة إلى إسكات الجوع. في هذا الإطار، تتعمق "سيدتي" من خلال مقابلة المهندس والمصمم اللبناني جيفري معوض أكثر في موضوع تصميم المطاعم، خصوصاً أن معوض لديه مشاريع عدة في لبنان والعالم في هذا القطاع.
دروس أولى في مهنة التصميم

هل يمكن أن تُطلع القراء أكثر على خلفيتك، بما في ذلك دراستك، والبدايات المهنية، والدروس التي تعلمتها خلال رحلتك في عالم التصميم؟
بعد تخرجي في كلية العمارة والتصميم في الجامعة اللبنانية الأمريكية ببيروت (LAU)، أسّستُ شركة JM Design & Architecture عام 2010. ومنذ ذلك الحين، تنوعت أعمالي؛ لتشمل مشاريع متنوعة، من المساحات السكنية الفاخرة إلى المطاعم وأماكن السهر. كان أول مشروع لي شقة سكنية؛ حيث منحني العميل حرية إبداعية كاملة رغم خبرتي المحدودة آنذاك. دفعتني هذه الثقة إلى خوض غمار التحدي، وأصبحت هذه التجربة تعليمية قيّمة، شكّلت ما أنا عليه اليوم كمصمم.
تصميم يجذب الحواس

ما الذي يجذبك إلى التصميم الداخلي للمطاعم؟
أنجذب لابتكار مساحات لا تترك انطباعاً أولياً قوياً فحسب، بل تبقى في أذهان الناس وتجعلهم يرغبون في العودة إليها مجدداً. تصميم المطاعم يتيح لي ابتكار أجواء تجذب جميع الحواس، وتجمع الناس معاً، مما يجعل كل زيارة لا تُنسى.
تحديات تصميم المطاعم

كيف تنظر إلى هذه المشاريع في العموم؟ هل هي تحمل تحديات أكثر من تصميم المنازل؟
يكمن التحدي في تصميم وتنفيذ أي مطعم في إدارة كلّ من الميزانية والجدول الزمني، إذ غالباً ما تكون الميزانيات المخصصة للتصميم في المطاعم محدودة، لكثرة النفقات التشغيلية، وعادةً ما تسير المشاريع بوتيرة أسرع مقارنة بالمشاريع السكنية. ومع ذلك، فإن طبيعة قطاع الضيافة السريعة وحيويته، تجعل هذه المشاريع مثيرة ومجزية للغاية - فهناك شعور فريد بالرضا عند رؤية مساحة تنبض بالحياة، وتستقبل ضيوفها الأوائل في وقت قصير كهذا.
قد يهمك الاطلاع أيضاً على الإرث والمعاصرة في مطعم ببودابست
المتانة والعملية والجماليات في التصميم

ما هو أهم شيء يجب تذكره عند تصميم مطعم، سواء من حيث العلامة التجارية أو التصميمات الداخلية؟
الوظيفة هي الأساس دائماً. مع أهمية التصميم، يجب أن يوفر المطعم الراحة لكلٍ من العملاء والموظفين، أي أن يشعر الضيوف بالراحة والحماس للعودة، بينما يجب أن يتحمل التصميم والمواد الاستخدام المكثف والتآكل في بيئة ضيافة مزدحمة. أيضاً المتانة والعملية لا تقلان أهمية عن الجماليات في إنشاء مساحة مطعم ناجحة.
تصميم تجربة

هل تسعى إلى "تصميم تجربة" من خلال التصميم الداخلي لكل مطعم تشتغل عليه؟ وكيف تُحقّق ذلك؟
بالتأكيد؛ ينبغي أن يقدم كل مطعم تجربة مميزة، مما يشجع الزبائن على العودة إليه باستمرار. لذلك، أسعى إلى خلق هوية مميزة لكل مساحة من خلال مزيج مدروس من الأثاث والمواد والإضاءة والعناصر الزخرفية؛ لضمان أن يروي التصميم قصة متماسكة لا تُنسى.
طابع المطعم يُحدد تصميمه

هل تستخدم ألواناً أو مواد معينة لعكس طابع المطعم، سواءً كان الأخير بحريّاً أم راقياً أم إيطاليّاً؟
أجد أن الطابع العام للمطعم يُحدد تصميمه غالباً؛ ففي المطاعم الفاخرة، أميل إلى خلق جوٍّ هادئ وحميم، مع دمج ألوان داكنة أو هادئة وأنماط راقية لإضفاء لمسة من الأناقة. وعلى النقيض من ذلك، في المطاعم غير الرسمية التي تفتتح أبوابها طوال اليوم، أسعى إلى لوحة ألوان فاتحة ومنعشة، تُشعر الضيوف بالترحيب والبساطة، مما يُشجعهم على الاسترخاء.
أعمال المصمم الأخيرة
حدِّث القرّاء عن تصميم المطعم المبين في الصور (أم شريف في فندق ورويك بالم بيتش بيروت)، الذي أنجزته أخيراً، لنواحي الاستلهام والفكرة العامة والمواد والألوان؟
"أم شريف"، الواقع في فندق ورويك بالم بيتش بيروت، مطعم لبناني يتميز بإطلالة بحرية خلابة؛ ولتجسيد سحر الشرق الذي يشتهر به المطعم، استخدمت مواد طبيعية كالقش، إلى جانب عناصر زخرفية كالفوانيس والسجاد ذي النقوش الشرقية المعقدة. تتكامل هذه التفاصيل، جنباً إلى جنب مع الألوان والأقمشة المختارة بعناية؛ لخلق جو أصيل وجذاب، يعكس هوية المطعم الفريدة.
تأثير إنستغرام على تصميم المطاعم
هل تغيَّرت طريقة العمل في تصميم المطاعم مع ازدياد انتشار إنستغرام والترويج لهذه الأماكن من خلال الصور؟
تقوم وسائل التواصل الاجتماعي بدور هامّ في تسليط الضوء على المطاعم؛ حيث يلتقط الناس صوراً فيها، ويشاركون تجاربهم باستمرار، مما يؤثر في مناهج التصميم، كما يُشكّل نظرة الآخرين إلى المكان، وهذا دافع إلى ابتكار مساحات جذابة بصرياً وفريدة من نوعها. في الوقت نفسه، من المهم الموازنة بين الجماليات المناسبة للنشر على إنستغرام والوظائف العملية؛ لضمان أن يبقى المطعم مريحاً وعملياً للاستخدام اليومي.
قد يهمك الاطلاع أيضاً على المصمم الداخلي المصري شريف الغزولي: الارتجال أحد أسراري في العمل
المصمم في سطور
وُلد جيفري معوض ونشأ في لبنان، وهو مهندس معماري، ومُصمّم، ومؤسس شركة JM Design & Architecture، يعكس من خلال أعماله ارتباطه العميق بجذوره اللبنانية وشغفه بالتصميم، مع أسلوب متأثر بالتراث الثقافي الغني والمناظر الطبيعية المتنوعة لوطنه. وقد ساهمت أسفاره حول العالم في تشكيل نهجه؛ حيث أتاح له الاطلاع على مختلف فلسفات وممارسات التصميم والتقنيات الحديثة. كما يساعده هذا المنظور العالمي على ابتكار مساحات خالدة ومعاصرة، تجمع بين القديم والجديد.
طفلاً، انبهر جيفري معوض بالتصميم والأثاث والهندسة المعمارية، وأدرك أنه يريد أن يصبح مهندساً معمارياً. وقد بدأت رحلته بحبه للرسم وتخيل المساحات، مدفوعاً باشتراكه في مجلات التصميم ومجموعة متنامية من الكتب المعمارية. مهّد هذا الاهتمام المبكر الطريق لمسيرته المهنية المستقبلية.
تغطي محفظة أعمال شركة JM Design & Architecture مجموعة متنوعة من المشاريع، بما في ذلك القطاعات السكنية والتجارية والضيافة، مع التركيز على المشاريع السكنية ومشاريع الضيافة الراقية في لبنان والعالم (اليونان، وتركيا، وقطر، ومصر...). إشارة إلى أن معوض متحمس لإطلاق خط من قطع الأثاث والأكسسوارات المنزلية.