في كل عام ومع فجر السادس من ديسمبر، يعود الجمهور تلقائيًا إلى ذاكرة متخمة بالدهشة والفرح، كأن اللحظة نفسها تحمل رائحة الزمن القديم وأصداء الموسيقى التي رافقت ظهور نجمة لا تتكرّر: شريهان. ليست مجرد ممثلة أو فنانة استعراضية، بل حالة فنية كاملة أسست لعصر من البهجة البصرية، صنعت معادلة فنية فريدة، واحتلت مكانًا في الوجدان العام لم تستطع أي نجمة انتزاعه حتى اليوم.
إنها رحلة تمتدّ من الطفلة المبهرة ذات العيون المضيئة التي لفتت أنظار أم كلثوم وعبد الحليم في حفلات عمر خورشيد، إلى «الأميرة المحبوبة» التي تربّعت على عرش الفوازير طوال الثمانينيات والتسعينيات، مرورًا بعقود من الشغف، والانتصارات، والانكسارات، والصعود الأسطوري بعد الألم.
لماذا يبقى اسم شريهان علامة لبهجة رمضان؟
الحنين إلى رمضان زمان ليس حنينًا للطقوس وحدها، بل هو حنين لـ"البهجة" التي كانت تصنعها فوازير شريهان كل يوم بعد الإفطار. كانت الأسرة العربية تجتمع تنتظرها كما تنتظر أطول قصص الحكايات، حكايات فيها الرقص، والغناء، واللغز، والشقاوة، والجمال، وألوان لا تُنسى من فنون الاستعراض.
كانت فوازيرها موسمًا ينتظره الكبار قبل الصغار؛ وفي كل بيت كانت هناك فائزة أو على الأقل متسابق ينطلق للبحث عن الحل، وفي كل أمسية كان هناك وعد جديد من شريهان بأن حلقة الليلة أكثر سحرًا من أمس.
فوازير رمضان بدأت في الستينيات، مرّت بنجوم كبار مثل فؤاد المهندس وثلاثي أضواء المسرح ونيللي، لكنها لم تبلغ ذروة الإبهار إلا حين وصلت إلى شريهان. عندها فقط أصبح الاستعراض مدرسة، وأصبحت الفوازير علامة مسجلة باسم أميرة أساطير ألف ليلة وليلة.
البداية مع ألف ليلة وليلة... ولادة “شهرزاد” جديدة للتلفزيون المصري (1985 – 1986)
عام 1985 كان نقطة التحوّل. اختار المخرج فهمي عبد الحميد شريهان لتجسيد «شهرزاد» في النسخة الجديدة من فوازير ألف ليلة وليلة – عروس البحور بتأليف طاهر أبو فاشا وعبد السلام أمين. ضمت السلسلة يومها أسماء عملاقة: عمر الحريري، محمود الجندي، زوزو نبيل، رجاء حسين... إلى جانب مطربين كانوا في بداياتهم، مثل عمرو دياب، عمرو فتحي، مدحت صالح، محمد الحلو.
عام 1986 عادت النجمة في وردشان وماندو، بفوازير الأمثال الجزء الثاني من عالم ألف ليلة وليلة الساحر. ورغم تشابه الجو العام بين الموسمين، كان الجمهور يتعامل مع كل موسم كولادة جديدة للخيال نفسه، فقط لأن «شريهان» كانت فيه.
حول العالم (1987)... حين أصبحت الفوازير رحلة كبرى عبر الحضارات
في موسم 1987 نقلت شريهان الفوازير إلى مستوى مختلف تمامًا عبر فوازير حول العالم، حيث كانت كل حلقة نافذة على ثقافة جديدة: أزياء الدول، موسيقاها، رقصاتها، معالمها السياحية، ولهجاتها. كانت الحلقة درسًا ممتعًا في الجغرافيا؛ وكان الجمهور يبحث عن الحل ويستمتع بدرس بصري غير مسبوق.
كتب الفوازير الشاعر عبد السلام أمين، وأخرجها فهمي عبد الحميد، لكن الخلطة التي صنعت النجاح كانت روح شريهان نفسها، تلك القدرة على التحول بين الثقافات كأنها تنتمي لكل بلد تزوره وهي واقفة في الاستوديو.
عودة ألف ليلة وليلة من جديد (1988)... “كريمة وحليمة وفاطيمة”
عام 1988 قدّمت شريهان واحدًا من أشهر مواسم الفوازير عبر الثلاث بنات: كريمة وحليمة وفاطيمة. تخلّت هنا عن شخصية شهرزاد لتتقمّص ثلاث أخوات في آن واحد، تتلاعب بأداء صوتي وشكلي مختلف لكل شخصية، مستندة إلى خبرتها الاستعراضية وقدرتها على تغيير الإيقاع من حلقة لأخرى.
شاركها عماد رشاد، جمال إسماعيل، زوزو نبيل، وغيرهم، وكانت هذه السلسلة نموذجًا لمستوى الإنتاج الفريد الذي ارتبط باسمها.
الختام بـ“حاجات ومحتاجات” (1993)... عندما اجتمعت كلمات سيد حجاب وسحر شريهان
في 1993 عادت شريهان لتضع الخاتمة الذهبية لمسيرتها في الفوازير عبر حاجات ومحتاجات مع المخرج جمال عبد الحميد، وكلمات الشاعر الكبير سيد حجاب، وألحان خالد حماد، مودي الإمام، وعمرو أبو ذكري، وشاركها محمد هنيدي، علاء مرسي، عهدي صادق.
بقي الجمهور يحفظ مقدمة الفوازير مثل لازمة موسيقية من أيام الطفولة. بقيت تفاصيل ديكوراتها وملابسها اللامعة ومكياجها القوي جزءًا أساسيًا من الذاكرة البصرية لرمضان.
الفراشة على المسرح... حين تقف شريهان أمام عمالقة الكوميديا
لم تكن شريهان فنانة فوازير فقط. كانت نجمة مسرحية لها جمهور خاص، خصوصًا بعد مشاركتها في:
- سك على بناتك أمام فؤاد المهندس
- شارع محمد علي مع فريد شوقي
- علشان خاطر عيونك
- أنت حر
- المهزوز
على المسرح كانت تقدم مزيجًا من الدلع، والرشاقة، والذكاء الكوميدي الخفيف، مع قدرة على الحركة لا تشبه أحدًا.
بصمتها السينمائية... بين الحب والشقاوة والبراءة والجرأة
دخلت شريهان السينما طفلة في قطة على نار ثم لفتت الأنظار في الخبز المر. وفي الثمانينيات والتسعينيات شاركت نجومًا كبارًا مثل عادل إمام ومحمود عبد العزيز، وقدمت أفلامًا محفورة في ذاكرة جمهورها:
- العذراء والشعر الأبيض
- خلي بالك من عقلك
- كريستال
- عرق البلح
كانت ممثلة قادرة على المزج بين الإغراء الرقيق والبراءة، بين الشقاوة الطفولية وقوة الشخصية، بين الخفة والعمق.
عائلة من الفن... وبدايات لا تشبه أحد
ولدت شريهان أحمد عبد الفتاح الشلقاني في 6 ديسمبر 1964. منذ طفولتها كانت تتنقل بصحبة أخيها، العازف العالمي عمر خورشيد، بين الحفلات، حيث رقصت أمام أم كلثوم وهي في الثامنة، وقلدت فاتن حمامة وعبد الحليم أمامه. أعجب بها الجميع، وكان دخولها الفن مسألة وقت فقط.
في سن العاشرة ظهرت في أول أعمالها... وفي عمر الخامسة عشرة بدأت السينما تُراهن عليها.
جراح لا تُرى... رحلة الألم التي صنعت الأسطورة
عاشت شريهان حياة مليئة بالمآسي:
- وفاة شقيقها عمر خورشيد
- حادث سيارة مروّع عام 1989 سبّب كسورًا في العمود الفقري
- سرطان الغدد اللعابية عام 2002، أحد أندر وأشرس السرطانات
- عشرات العمليات الجراحية في الخارج
- اختفاء طويل عن الشاشات
ومع ذلك... بقيت، وعادت، وابتسمت، وصنعت من الألم درسًا في القوة. حياتها تبرهن دائمًا أن الفنان الحقيقي يمكن أن يغيب، لكنه لا يسقط.
العودة من العاصفة... حين ظهرت الفراشة من جديد
بعد سنوات طويلة من الغياب، ظهرت شريهان في إعلان رمضاني عام 2020 فأشعلت مواقع التواصل. ثم عادت بمسرحية كوكو شانيل عام 2021، مؤكدة أنها لا تزال تلك النجمة التي يعرفها الجمهور: قوية، متألقة، خفيفة الروح، وتشع حياة.
شريهان... قصة امرأة لا تنكسر
ليست مجرد نجمة فوازير، ولا مجرّد استعراضية، ولا مجرد ممثلة. هي حكاية قوة، ودرس في الإصرار، ورمز للجمال المصري الطازج، وفرح طفولي تشكّل في ذاكرة جيل كامل.
في يوم ميلادها الستين، تبدو شريهان أكثر شبابًا من أي وقت مضى... لأن الأسطورة لا تكبر، ولا تبهت، ولا تُنسى.
هي "الأميرة المحبوبة"... التي ما زالت تحتفظ بلقبها.
أطلعوا على شريهان: بناتي أعظم هدايا القدر وأجمل عطايا الله لي
لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا «إنستغرام سيدتي».
وللاطلاع على فيديوغراف المشاهير زوروا «تيك توك سيدتي».
ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر «تويتر» «سيدتي فن».





