وليد توفيق والزمن..

وليد توفيق والزمن..

 

يحزنني وليد توفيق بمحاولته الدؤوب للعودة إلى الساحة الفنية، ومن الواضح أن للعودة شروطاً لا يستطيع وليد أن يتحمّلها، أقلّها التوافق مع متطلّبات هذا السوق المليء بما هبّ ودبّ، وبمن فقد الحياء من أساسه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى هجران الإلهام (للفنان) هو أصعب الهجر.

أستمع إلى أغنيته الجديدة «لا تعوّدني عليك» وأتذكّر أغاني «الكشافة»، فهي عادة ما تكون بسيطة، يغنّيها الأشبال أو الشبان... وهي ألحان إما مقتبسة، إما من ألحان شعبية يسقط عليها الكلام كيفما اتّفق... فنغمة هذه الأغنية ليست غريبة، ولا تسلك أي طريق من طرقات التلحين بمعناه العلمي، فهي مجرّد سرد كلام على موسيقى متوقّعة، ولو عرض نص «لا تعوّدني عليك» المفترض أنه شعري على أي شخص له القليل من الاهتمامات الفنية، لقام بتلحينه على نفس الوزن «لا تعوّدني عليك... ولا تعلّقني فيك»: تيتا..تيتا..تتا  تيتا..تيتا..تي....

النجم العربي وليد توفيق توهّج نجمه في الثمانينيات من القرن الماضي بعد تألّقه في أداء أغنية مصرية بعنوان «بهيّة» جذبت الجمهور إليه، ثم حلّ فراغ في الساحة الفنية استغلّه وليد توفيق وأسّس شكل المطرب المهندم اللائق الذي يجيد التحدّث إلى الإعلام، متقدّماً خطوة إلى الأمام بأعمال سينمائية طغت عليها المشاهد السياحية وبعض المشاهد المثيرة... تلك السينما كانت سائدة في حينها وخاصة ما كان ينتج بين سوريا ولبنان بمساعدة مصرية... هذه الحالة خرج منها وليد توفيق بنجاح بعد أن قدّم فيلماً تناول قضية الاحتلال لجنوب لبنان إلى جانب فريد شوقي، فيما كان نجم شوقي آنذآك في القمة. ثم، توالت النجاحات في الحفلات وساعد لقب «النجم العربي» وليد في الانتشار، وإن كان هناك بعض التضامن مع لبنان من خلال سماع أغانٍ لبنانية من العرب المنتشرين في العالم الذي ذهب إليه توفيق بأغنياته الشعبية الجميلة «أبوك مين يا صبية»، «انزل يا جميل عالساحة»، «على كبري 6 اكتوبر» وغيرها من الأغاني التي ساهمت بانتشاره، لتأتي بعدها موجة مطربي ما بعد الحرب. وهذا يحتاج إلى تحليل من نوع آخر... فأحياناً يتخلّى الناس عمّن يذكّرهم بتلك الأيام المريرة التي عاشوها في الحرب، وكثيرة هي الأغاني المرتبطة بمواقف من هذا النوع، لكن الجديد من الشبان الذين جاؤوا مع الوسائل الإعلامية والبرامج المنوّعة، وبروز قنوات تلفزيونية مثل LBC وغيرها، عملوا على تلميع هؤلاء، فدفعوا مجموعة من النجوم إلى الأمام مما ساهم بإخفاء مجموعة أخرى منهم وليد توفيق الذي كان واثقاً من نجاحه واستمراره، إلا أن السوق الفنية لا يؤمن لها، فلكل يوم مفاجآته.

يطلّ وليد توفيق من خلال الـ «فيديو كليب» محاولاً تقليد الشبان الجدد، بزرع عشرات المراهقات اللواتي يرقصن أو يتدلّعن، من دون أسباب منطقية سوى لفت النظر إلى صاحب الأغنية، لتأتي النتيجة عكسية. إذ جاءت تعليقات الجمهور على هذا النحو: ما الذي يفعله وليد توفيق؟!

ثم جاء بأغنية «يا بحر» التي من الواضح أنها كانت تشكّل لوليد أملاً في العودة واستطاعت أن تصمد قليلاً في السوق، ثم وقعت من لائحة الأغاني المطلوبة. وهكذا وصلت محاولاته إلى أغنية «لا تعوّدني عليك» مجارية للون (الرعوي) الذي يعتمد (الدبيك) المنتشر حالياً في الأغنية اللبنانية بشكل فظ، مقلّداً رموزها عاصي الحلاني وملحم زين وفارس كرم وهم يصغرونه سناً وتجربة. وما يزيد الأسف أن يسبقه محمد اسكندر، فكان محظوظاً أكثر منه بالإثارة التي حقّقتها أغنيته (الخاوية) "قولي بتحبيني"..

استمرار الصعود نحو النجومية في عالمنا القلق لا تحكمه قواعد ولا تراكم السنوات ولا الخبرة ولا الموهبة تحمي من السقوط... هناك عجائز ومنشّزون ما زالوا يغنّون على المسرح، ويجدون من يصفّق لهم، وهناك الجميل من الأصوات والكثير من المواهب المتروكة في غياهب العتم المحصّن بالجهل بانتظار الفرصة، وإن أتت فقد لا تبقى طويلاً.

 

 

أمل حجازي تعود من بوّابة «العملاء»

 

صوتها محايد، غيابها أو حضورها لن يزيد شيئاً في عمر الأغنية العربية. (زمان) قدّمت أغنية بهذا العنوان جعلت منها «نجمة» بالمفهوم الدارج... مستلزماته شعر أشقر، أنف منحوت وفم خاضع «للتوسعة»... تصنّف جميلة وجريئة نظراً لمحاولاتها الإيحائية، على ما يبدو من خلال الصور التي توزّعها على المجلات ومواقع الانترنت.

في أغنية أخرى باللهجة الخليجية تظهر أمل ساقيها قبل أي شيء منها، فالكاميرا تنسحب على جسدها المكوّم في شباك، معدّاً للعرض الراقص مع بعض العبث بمخيّلة من لديهم مخيّلة تنشغل بهذا النوع من الفيديو.

أمل حجازي تقدم اليوم على إصدار جديد في أزمة إنتاج، فيما معظم الفنانين يواجهون مشكلة مع المنتج، لكن وعلى ما يبدو فإن حجازي غير خاضعة لهذه الأنواع من الأزمات، لا بل لامت زملاءها الخارجين أو الهاربين من نير المنتج الذي اتّجه نحو «السينغل» (الأغنية الواحدة)، وإن كان من الصعب تسويق عمل غنائي لأمل حجازي... فالصورة مثيرة لكن المضمون قد يندرج ضمن الأغاني التي تتراكم بين أكوام الأغنيات من دون أن تحدث أي «فرقعة». إلا أن المخرج فادي حداد وفي «فيديو كليب» «ويلك من الله» تفتّق ذهنه على فكرة «جهنّمية»، ألا وهي اكتشاف أن الحبيب عميل للدولة المعادية، وعلى ما يبدو في الشريط هو عميل لإسرائيل. كان لبنان في الفترة غير البعيدة، مسرحاً لاكتشاف عدد كبير من العملاء الموظفين في مراكز عليا، إلا أن الأغنية تتحدّث عن خيانة الحبيب المعهودة وبدورها حسب كلمات الشاعر صاحب القصيدة (عيشتني بكذبة/وعملتني لعبة/ وجرحتلي قلبي/تركتني وفليت/ وعشقتك وحبيت/وكلام على هذا النسق... فلا يوجد أي إشارة إلى موضوع العمالة! وتكتمل الصياغة المنكسرة شعرياً حين تأتي الجملة المفترض أنها الأعلى في القصيدة: كنت مفكرتك رجال؟!!

العديد من الأسئلة تنتظر إجابة من أمل حجازي التي قرّرت أن تغيب لظروف اجتماعية أهمها الزواج، إلا أن لوثة الفن أعادت الأمل إلى أمل. فعادت إلى جمهورها بهذا الشريط، وبحملة إعلانية مكثّفة، فوجب علينا نحن المواطنين أن نؤمن بموهبة أمل المحدودة من نواحٍ عدّة.

ويبقى السؤال: هل ستحيي أمل مهرجانات غنائية للترويج لألبومها الجديد «ويلك من الله»؟ أين ومتى؟ وفي حال توفّر الجمهور في هذه المناسبة، سيكون هناك أمل وفرصة لكل من يريد أن يغني، فما عليه سوى أن يغني وكيفما اتّفق. ولعلّ الحظ سينقله إلى سلّم النجومية كما أمل حجازي.