العمر لحظة

د. سعاد الشامسي 
د. سعاد الشامسي
د. سعاد الشامسي

"العُمر لحظة".. هكذا قالوا، العُمر يومٌ واحدٌ..

إما أن تُجرّب فيهِ كُلَّ شيء، وإما أن يمُرَّ العُمرُ من دون جديد.. فتصيرُ مُجرد نُسخة.. مثلَ من سبقوك، ومن سيأتون بعدك.. جميعُكم في باخرةٍ واحدة، لم تُحرّك في المياه ساكناً..

الحياةُ مُغامرة، سِباقٌ ضخم، أبطالُه هم المُغامرون.. العشاق، الأصدقاء، العائلة.. كُلّ من حولك أبطالٌ لقصة حياتك، فاجعلْ مِنها مُغامرةً لا تُنسى.. ربما تتعثر في الطريق بكلمات الإحباط، وأصواتٍ تُعارضك.. ونظراتٍ مُنتقِدَةٍ لما تفعلُهُ..

وفي الحقيقة.. هي نظراتٌ حاقدةٌ على ما تفعلهُ.. فلم يعتدْ أحدهم الخروجَ عن النص، وكسرِ القاعدة.. ومخالفةِ عادات القوم وأساليبهم، مُنذ سنين.. ثُم تأتي أنتَ لتصنع لَهُم تغييراً هو دخيل على ثقافتهم.. فيشعرون بالغيرة مِنك، ويحاولُ بعضهم إيقافَك..

يحاولون إرجاعك إلى الكهف المصمت خاصتهم.. إلى الغُرفة المُعتمة، يحاولون إيقافك بشتى الطرق.. بالمُعارضة، بالانتقاد، بالانتقاص مِن أهمية ما تقوم بهِ:

"وما الجديد في ذلك؟"... "كيف يقوم بذلك؟".. "يا لهُ مِن معتوهٍ أجوف العقل"..

هكذا يُلقون بمُرّ القولِ في طريقك.. أن تقِف وتبتعد عن هذا المسار، أن تَعود مِنهم.. وإليهم تستقر سُفُنُك.. أتعلم.. في الواقع هؤلاء يخافون مِنك حين تتغير، لأنك تُريهم عوراتِ عاداتِهم القاتلة.. فما أن يروك مُختلفاً حتى يُدركوا مدى تشابههم.. وكيف أن جميعهم صورةٌ واحدة، تختلف الأسماء والأفعال واحدة.. أما أنت فقد صِرتَ تابعاً لكوكبك الخاص، لعالَمٍ مُختلف، مُتجدد، فيك من الحياة ما لم يعتد عليه الآخرون.. وفي داخلك روحٌ تشتاق للمرح والعبث.. وقليلٌ من الجنون يكفي..

قليلٌ من المغامرات الرائعة، تُشبع جوع تِلكَ المشاعر الكامنة في قلبك.. هكذا يحتاج وجدانُك أن تُضفيَ عليها شيئاً ليس مألوفاً..

كم حاولتَ في حياتك أن تتبعَ طُرقًا جديدة في عملك؟ ومهما كان عملك، كم حاولتَ أن تُغيّر أسلوبك؟

فروتين هذا العمل، ألا تَمَلُّ مِنهُ؟ ألا تُفكر في تغييرهِ إلى عملٍ أفضل؟

كم حاولتَ أن تُغيّرَ تعامُلك مع زوجتك، حبيبتك، صديقتك؟

كم حاولتَ أن تُسعدَها، أن تُضيفَ إلى حياتَها شيئًا جديدًا؟

والجنس الآخر (أنتِ كذلك) ليس كل تغيير هو للرجل فقط

أن تكسرَ تِلكَ الحواجز بينَكُما.. وأن تمنحَها شكلاً جديداً من أشكال الحُبِّ، لم تعتدْ عليه يوماً.. هل فكرتَ في إسعاد من حولك؟ أم أنك تستمدُّ فقط سعادتَك من روتينك اليومي؟

مما اعتدتَّ فقط على فِعلهِ طوال حياتك...

دعني أخُبرك بسِر رائع.. إن نصف سعادتك تكمُن في إسعاد الآخرين

نعم، أن تُسعد من حولك... من تُحبهم، من تعرفهم، زوجتك وأصدقاءك، عائلتك وأشقاءك.. ما إن تُسعِدَ أحدهم وترى البسمةَ على شفتيه.. حتى تغمُرُك سعادةٌ ولذّةٌ، لا تُقدّر بِثَمَن..

أشعرتَ يوماً بذاك الإحساسِ الغامض؟ حين قلتَ كلماتِ الحُبِّ لحبيبتك فرأيتَها قد سعدت بها.. كيف كان حالك حينها، كيف شعرت؟

هل بأنك حقاً أسعد إنسان على وجه الأرض لـلحظات.. بل أنك أسعدُ مِن أن تُقال تِلكَ الكلماتُ لك.. إعطاء السعادة للآخرين يُسعدك، وهو سِرٌ لا يعلمهُ الكثيرون.. لَكِن دعني أخبرك، حتى في تلك الكلمات، كُنْ بِها مُختلِفاً.. قُل ما لم يعتد مُستمعك عليه، كلماتٍ جديدة.. تعبيراتٍ مُميزة، ودعْ شعورَك يختلطُ بالكلمات.. فتبدو ذهباً خالصاً يتجرّعُهُ شريكُك بالحديث..

السعادةُ طُرقها كثيرة، لكنها بسيطة.. تحتاج مِنا فقط أن نُفكِرَ لحظات.. أن نُعيد حساباتِنا من البداية.. هل ما خططناه لسيرِ حياتِنا عليه صحيح؟ أم أن حياتَنا تحتاج لشيءٍ مُختلف؟