عبد المجيد الرهيدي ممثل سعودي متميز، تمكَّن من الوصول لسلَّم الشهرة خطوة تلو خطوة، ليَعْبُرَ مشوار النجومية عن طريق المسرح في بداياته، ذلك المسرح الذي جعل منه واحدًا من أهم الأسماء المطلوبة على الساحة الدرامية. خاض الرهيدي الكثير من التجارب عن طريق المسرح والشاشات الفضائية وتقديم البرامج التلفزيونية، وكذلك الأفلام السينمائية، غير أن اسمه ارتبط بالدراما الكوميدية. "سيدتي" كان لها معه هذا الحوار الشيق، الذي تَطَرَّقَ فيه لأهمية المسرح السعودي، ومشاركاته الرمضانية، وما ينقص الدراما السعودية. فلنتعرفْ على تفاصيل الحوار.
في البداية حدِّثنا عن ظهورك في الدراما الرمضانية هذا العام، تحديدًا من خلال مسلسلي "مخرج 7" و"مليار ريال"، وعن المساحات الدرامية التي تقدِّمها للمشاهدين؟
كان ظهوري في شهر رمضان عبر عملين دراميَّيْن كوميديين هما "مخرج 7"، على شاشة MBC، ومسلسل "مليار ريال"، على شاشة sbc، ولكل عمل هوية خاصة؛ فمسلسل "مخرج 7" أجسد فيه دور الموظف الشاب الطموح الذي انتقل من مدينته جدة إلى الرياض ليكون شريك بطل العمل الفنان ناصر القصبي في المكتب، حيث يحمل العمل صراعًا غير ظاهر بين الموظف الشاب الطموح ومديرته التي تقاربه في العمر مع "دوخي" الجامد، الذي لا يقبل التطوير والتَّوَاكُب مع العصر، وذلك في قالب كوميدي، وضمن أفكار العمل الاجتماعية ومفارقاته المضحكة المبكية في بعض الأحيان.
وعلى النقيض، فإن مسلسل "مليار ريال" أظهر فيه بشخصية مغايرة، بعيدًا عن أجواء مكاتب "مخرج 7"، لأكون ضمن عائلة وفي سن صغيرة، بحيث أظهر أكثر حرية في المظهر والملبس، لينشأ صراع آخر حول إرث يظهر فجأة، ليتحوَّل إلى محل نزاع في العائلة.
وعلى كل الأحوال، فإن لكل عمل هوية خاصة وتجربة مختلفة استفدت منها كثيرًا، وستشكِّل خبرة تراكمية لي كفنان حريص على زرع البسمة على شفاه المشاهدين في رمضان.
خُضْتَ تجربةً مسرحية من خلال موسم الرياض تُعَدُّ من أولى المسرحيات السعودية بعد غياب ناصر القصبي والشمراني وعبد الإله السناني عن المشهد المسرحي لثلاثة عقود. كيف تقيِّم هذه التجربة؟
مسرحية "الذيب في القليب" بالنسبة لي شخصيًّا واحدة من أفضل المسرحيات التي قدَّمْتُها خلال مسيرتي الفنية، رغم أنني بالأساس خريج بكالوريوس مسرح من جامعة "6 أكتوبر" قبل عشر سنوات، وشاركتُ في العديد من المسرحيات، سواء قبل التخرج أو بعده، ما بين مصر والسعودية.
لكن ما ميَّز العمل هو التجهيز الاحترافي للمسرحية، بدءًا من بروفة الطاولة، مرورًا ببروفة المسرح، وكأننا قمنا ببناء المسرحية "طوبة طوبة" حتى ظهرت بهذه الحُلَةِ الجميلة، وما ساعدَنا على ظهور المسرحية بهذا الشكل هو الدعم اللوجستي من قِبَلِ مجموعة MBC للمسرحية، من خلال وضع ميزانية كافية، وتأمين كل احتياجات الفنان، وإشعاره بالأمان، والعمل باحترافية حقيقية في أجواء عائلية كنتُ أحلم بها طيلة مسيرتي الفنية في بلدي وفي قلب عاصمتي الحبيبة الرياض.
وحتى تكتمل معادلة نجاح المسرحية، لا بُدَّ من وجود نص مكتوب بحِرَفِيَّة عالية مثل نَصِّ الكاتب الذكي خلف الحربي، وقد جسَّده نخبة من عمالقة المسرح السعودي، الذين عادوا بعد غياب لـ"أبي الفنون"، فوجود الدكتور راشد الشمراني والفنان ناصر القصبي وعبد الإله السناني يُشعرك بالمتعة والاحترافية، وبمثل هذه الأسماء تكتمل منظومة النجاح، لنصل إلى مرحلة الإبداع.
مشهد ثقافي وفني وتحدٍّ قدَّمتَه في مسرحية "الذيب في القليب". كيف ترى اليوم المشهد المسرحي بالسعودية. وماذا ينقصه؟
مسرحية "الذيب في القليب" وضعت الأسسَ الحقيقية لمسرح سعودي محترف، والمطلوب أن يقتحم المنتجون هذا المجال، في ظل دعم الدولة غير المحدود للفنون بشكل عام، مع استقطاب المواهب في الكتابة والتمثيل والإخراج، فالبيئة اليوم أصبحت ملائمة ومحفِّزة لتقديم مسرحيات سعودية احترافية بمواصفات فنية حقيقية.
تحدٍّ خاص
نراك في الدراما الكوميدية أكثر من التراجيدية هل ترى نفسك في الكوميديا بشكل كبير؟
بصراحة أرى نفسي في الكوميديا أكثر، لكن لا بُدَّ من أن ينوِّعَ الفنان فيما يقدِّمه للمشاهد، وأنا بفضل الله تعلمتُ أكاديميًّا، ولديَّ القدرة على التوجُّه نحو الأعمال التراجيدية البعيدة عن أجواء الكوميديا، وهذا تحدٍّ خاص بالنسبة لي، رغم وجود محاولات تراجيدية لي في مسلسل "كاش " اليوتيوبي، وبإذن الله سيكون هدفي المقبل، وهو رهان عليَّ أن أنجح فيه تمامًا مثلما وجدت الإشادة والإعجاب بما قدمتُه من أعمال كوميدية.
وسأضع في اعتباري أن موعد البطولة المطلقة سواء في الكوميديا أو التراجيديا ما زال مبكرًا حتى الآن، فلا بُدَّ من المشاركة في المزيد من الأعمال، واكتساب المزيد من الخبرات في أدوار منوَّعة؛ حتى أصل للبطولة المُطْلَقَة وأنا متشبِّع ومكتسب للعديد من الخبرات، التي ستكون عونًا لي على تقديم الأفضل، وإقناع المشاهد بما أقدِّمه حتى أستطيع حصد النجاح.
ماذا ينقص الدراما السعودية كي تنافسَ الدراما العربية وتتصدَّر المشهد الفني؟
الدراما السعودية ينقصها أن نُشبعَها بقضايانا وهويتنا ونقدمها بالشكل اللائق والحِرَفِي، فلا يمكن أن ننافس ونصل للعالمية إلا بالنجاح في معالجة قضايانا وإظهار موروثنا وتراثنا، وهذا ما سيجعلنا منافسين أقوياء على الصعيد العربي والعالمي فنيًّا، وهناك خطوات نسير فيها بشكل صحيح في هذا الاتجاه، في ظل الدعم الكبير من حكومتنا، التي أَوْلَت الثقافة والفنون الاهتمام والدعم غير المسبوق، الذي سيضعنا في مَصَافِّ الدول المتطورة فنيًّا عما قريب.
هل هناك غياب في النصوص في ظل وجود الأفكار؟
حقيقة الأفكار وفيرة وموجودة بكثافة بالذات لدى جيلنا الشاب، لكن ما ينقصنا هو كاتب حوار محترف أو ما يُعرف بـ"سيناريست"، بحيث يفرِّق ما بين النص المسرحي والتلفزيوني والسينمائي، ويطبِّق قواعد كتابة النصوص ووقتها بحسب ماهية كل عمل، وكلي أمل في ظهور كتاب وكاتبات سعوديين من جيل الشباب، يُسهمون في نهضة الفن لدينا خلال الفترة القادمة.
أنا محظوظ جدًّا
كيف تُثَمِّنُ اليوم وجودك على الساحة الفنية في ظل عرض مسلسلين لك في الفترة الذهبية "مخرج 7" و"مليار ريال"؟
أنا محظوظ جدًّا بحصولي على مسَاحتين دراميتين في قناتين سعوديتين مختلفتين، وأتمنى أكون مستحِقًّا لها، وأُقنع المشاهد بما أقدِّمه في العملين، وأرسم البسمة على وجوه المشاهدين، ولكن أشعر ببعض الحزن لعرض العملين في وقت واحد بعد صلاة المغرب في الذروة، حيث كنت أمنِّي النفس بأن يكون العملان في وقتين مختلفين، بحيث يمكن للجميع مشاهدة العملين دون أن يؤثر أحدهما على الآخر.
هناك الكثير من الانتقادات على مسلسل "مليار ريال". كيف تنظر لهذا الجانب. وهل اليوم أصبح المُشَاهِد يملك نظرةً درامية للانتقاد؟
كل من شاهَدَ العمل من حقِّه إبداء رأيه حيال المسلسل، لكن النقد الحقيقي هو ملك للمتخصصين في مجال النقد الفني، وأنا أرحب بكل انتقاد وأضعه بعين الاعتبار؛ ليكون ضمن محدِّدات خياراتي القادمة.
أما النقد المُرْسَل فقط دون تحديد الجزئيات التي طالها النقد فيُعتبر كلامًا عائمًا، بخلاف النقد القائم على علم ومعرفة ودراية وبشكل واضح وعميق ومفصَّل، فسيُؤْخَذُ بعين الاعتبار.
وفي النهاية، "الناس أذواق"، وكما قيل في المثل "لولا اختلاف الأذواق لبَارَت السِّلَع"، وأنا أرحِّب بكل نقدٍ هادف بَنَّاء محدَّد الملامح، وسيكون خير معين لي في اختياراتي القادمة، وسيسهم في تطوير أدائي.
في نظرك ماذا يميِّز مسلسل "مخرج 7" وماذا يميِّز مسلسل "مليار ريال"؟
ما يميِّز مسلسل "مخرج 7" هو أننا فريق منسجم ومتناغم، لكننا نراعي جانب التجديد، مع وجود قائد فني وفنان خبير ممارس كأستاذنا الفنان ناصر القصبي، وهذه ميزة تجعله أكثر تناغمًا وانسجامًا، لكن في مسلسل "مليار ريال" يوجد فريق جديد منوَّع ما بين وجوه شابة مع أسماء خبيرة، كالفنانة القديرة وجنات الرهبيني مع اسم خليجي مخضرم كوميديًّا مثل هيا الشعيبي، بوجود خالد الفراج وعلي الحميدي، ونقدِّم عملًا برُوحٍ جديدة.
هل ترى اليوم أن النقد عبر "السوشيال ميديا" بنفس تأثير النقد في الصحف والقنوات الفضائية؟
نقدُ منصات التواصل الاجتماعي مؤثِّر بنسبة 20%؛ نظرًا لعدم تخصُّص كثير من مستخدميه، لكن يبقى مؤشرًا لقياس ردَّات الفعل حول العمل، لكن كنقد حقيقي عميق فلا يقدمه سوى المختصِّين، ومع ذلك نحن نستفيد من هذه الانتقادات في التطور الدائم ومراعاة رغبات الناس.
التركيز على السينما
خضت تجربة سينمائية في مصر. هل تنوي استكمال هذه التجربة مجددًا؟
نعم، خضتُ تجارب سينمائية، وأغلبها كان خلف الكواليس أو كمتدرب أثناء دراستي، وأحيانًا أشارك ككومبارس ناطق، ولم أحظَ بأدوار كبيرة، حيث كانت أكبر مساحة حصلتُ عليها 5 مشاهد، وكلها خبرات متراكمة استفدتُ منها في الوقت الحالي.
وما زلتُ أُمَنِّي النفس بالمشاركة في أعمال سينمائية في هوليود الشرق مصر؛ لأن مشاركة الفنان في السينما المصرية بأفلام احترافية أشبه بشهادة أخرى غير شهادتي التي حصلت عليها، لأنني سأتشبَّع بخبرات 115 عامًا من تاريخ السينما المصرية، وما زلتُ في أول الطريق، ولستُ مُتَعَجِّلًا على هذه الخطوة.
مع وجود دور العرض السينمائي بالسعودية هل فكرتَ في عمل سينمائي سعودي يُعرض في الصالات السينمائية؟
لا شك في أن فتح دور السينما في بلدي المملكة العربية السعودية أدخلَ البهجةَ في قلبي، خصوصًا أن لديَّ تجربتين سينمائيتين، إحداهما عُرِضَتْ وهي فيلم "بركة يقابل بركة"، والأخرى في طور المونتاج والتجهيز لعرضه قريبًا.
وأنا من ضمن خططي التركيز على السينما المحلية أيضًا، والتي سوف تشهد إنتاجًا وفيرًا خلال الفترة القادمة مع افتتاح دور عرض جديدة.
وشخصيًّا أؤكد أنني أفضِّل العمل في السينما والمسرح؛ لأنها تشكِّل ذاكرةً لا يمكن أن تغيب عبر التاريخ، بعكس المسلسلات التي لا تعيش كثيرًا بحكم وفرتها وطبيعتها الاستهلاكية، فيما تحفر السينما والمسرح اسمَك فنيًّا وتبقى شاهدًا على موهبتك وإبداعك، وتُعَدُّ المَحَكَّ الحقيقي لهما.
سأعمل في كل المجالات
لك العديد من التجارب الإذاعية والمسرحية والدرامية، وأيضًا على قنوات اليوتيوب. أين ترى وجودَك بالمشهد الفني؟
هذا السؤال يقودني لموقف حدث مع الفنان المصري الكبير الراحل حسن حسني، حين طلب أجرًا منخفضًا عندما عمل في الإذاعة، بينما طلب مبلغًا أعلى بكثير سينمائيًّا، فسألتُه عن هذا التباين الكبير، فأجابني: "لا بُدَّ للفنان أن يعمل في كل مجال ممكن؛ حتى يكسب خبرة ويطور نفسه، لذلك لا تنظر للأجر بقدر نظرك للفائدة الفنية والخبرة التي ستضيفها لك وتطوّرك".
وأنا حاليًّا سأعمل في كل المجالات، بما فيها اليوتيوب، حتى أَجِدَ ضالَّتي التي أفضِّلها ما بين المسرح والسينما، وحتى هذا الموعد لا بُدَّ من التجربة واكتساب مزيد من الخبرات والمهارات؛ لأن كل وسيلة لها خصائصها وأدواتها التي تميِّزها عن الأخرى، وهذه بحد ذاتها تُسهم في تطوُّر الفنان واكتسابه المزيد من المهارات في التعامل مع كل الوسائل الإعلامية والفنية المتاحة.
خُضْتَ تجربة تقديم البرامج من خلال "جوائز السعودية". كيف تقيِّم تجربتك في تقديم البرامج؟
نجاح برنامج "جوائز السعودية" كان صدفة، ولم أتوقَّع هذه الأصداء، وأحمد الله عليها، فهي تجربة رائعة بعد تقديمي لثلاثة مواسم، وكنت أنوي الاستمرار في الرابع، إلا أن جائحة كورونا وتأخري في العودة أجَّلَتْ هذا الجزء مؤقتًا، لكن أتمنى تقديمَ خَطٍّ آخر غير برامج المسابقات، لكني بحاجة لوقت، وربما يكون ذلك من ضمن مشاريعي المستقبلية أيضًا.
ولعل أكبرَ الفوائد التي جَنَيْتُها من هذا البرنامج، الذي عُرِضَ على شاشةٍ أعتز بها، شاشةِ SBC، هي قربي أكثر من الناس، وإدخال السعادة عليهم، والمحبة التي وجدتها في وجوههم كبارًا وصغارًا هي الكنز الحقيقي والمكسب لأي فنان.
لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا أنستغرام سيدتي