الصديق المريح

يوسف بخيت


يميل الإنسانُ في غالب أحواله إلى اختيار أيسر الطرق ليصل إلى غايته، وجاء في الأمثال قولهم: اختر الطريق السهلة، ولو طالت.
ذلك أنك ستبذل جهداً مضاعفًا إن أصررتَ على طريق وعرة، في حين أن الطريق السهلة سالكة أمام خطوات قدميك أو عجلات سيارتك، ولا يختلف الحال كثيرًا في شتى مناحي الحياة الأخرى، ومنها جانب الصداقة؛ فنلحظ أن النفسَ ترتاح في صحبة صديق يزرع الابتسامة على وجوهنا، ويخفف عنا وعثاء الأيام وكآبة الظروف وسوء منقلب الأحوال، ولا يتوانى عن مشاركتنا فرحةً؛ فيضاعفها، أو حُزنًا؛ فيبقيه في حده الأدنى.
الصديق الصادق كالمرآة للناظر إليها، فعلى محياه تنعكس صورة صديقه، وتظهر جليةً بلا رتوش أو تزييف، ولطالما كان الأصدقاء الحقيقيون لبعضهم خير الناصحين وأوفاهم، يعضدونهم على طريق الصواب، ويدفعونهم باتجاه أهدافهم، بينما يقفون سداً منيعاً وجدارًا عالياً أمام رغباتهم المتهورة واندفاعاتهم غير الواعية، ولربما استاء الصديق من صديقه في بادئ الأمر حين يصدّه عن أمر ظاهره المنفعة، لكن باطنه المضرة الكاملة، بَيد أنه سيكتشف مع مرور الوقت أن صديقه حال بينه وبين أمر فظيع كان على وشك الحدوث، وهذه أمنية عزيزة بأن نحظى بأصدقاء من هذا النوع.
من أقوى أشكال الصداقة وأدعاها إلى الاستمرار صداقات الطفولة والأزمات، فالأولى تضرب جذورها عميقاً في سنين العمر، وإذا نظر أحدنا إلى وجه صديق من زمن الطفولة؛ غمره شعور دافئ بأنه ينظر إلى نفسه، ويستعيد شريط ذكرياته، أما أصدقاء الأزمات فلهم مكانة أثيرة في النفس، ذلك أنهم أطواق نجاة، قدّر الله أن يكونوا قريبين منا عندما وقعنا في أزمة شديدة، فمدوا إلينا يد العون، وألقوا نحونا بحبال النجاة، في رواية (جسر على نهر دربنا) للكاتب: إيفو أندريتش، جاءت هذه العبارة العميقة: ما مِن شيء يربطُ بين الناس كما تربط بينهم ذكرى شقاء عانوه معًا، واجتازوه معًا، وعاشوا بعده معًا.
يا رفيق الحرف، ستتأكد مع الأيام والمواقف أن وصف (الصديق المريح) لا يصحّ أن يوصف به صديقك الذي يوافقك في كل ما تأتي وتذر، رغبةً منه في كسب مودتك، ونزولاً عند راحتك، حتى وإن ارتكبت أخطاءً واضحة لا يختلف عليها اثنان، ولا ينتطح بسببها عنزان، بل إن الصديق المريح من يبذل معك جهده ونصيحته، دافعه في ذلك الصدق في الصحبة، والوفاء للعلاقة الإنسانية بينكما، ولا يهمه إن غضبتَ مؤقتاً، لأنه منعك عما تحب خوفًا عليك من الضرر، وهو يعلم في قرارة نفسه، أن غضبك المؤقت سيعقبه الرضا عنك والشكر لصنيعك.