وضع أكبر كتالوج جينومي لميكروبيوم الأرض

على الرغم من التقدم في تقنيات التسلسل والطرق الحسابية في العقد الماضي، اكتشف الباحثون الجينوم لجزء صغير فقط من التنوع الميكروبي للأرض. نظرًا لأن معظم الميكروبات لا يمكن زراعتها في ظل ظروف معملية، فلا يمكن ترتيب تسلسل جينوماتها باستخدام الأساليب التقليدية. ويعد تحديد وتوصيف التنوع الميكروبي للكوكب أمراً أساسياً لفهم دور الكائنات الدقيقة في تنظيم دورات المغذيات، فضلاً عن اكتساب نظرة ثاقبة على التطبيقات المحتملة التي قد تكون لديهم في مجموعة واسعة من مجالات البحث.وجدت دراسة حديثة نشرت نتائجها في دورية “نيتشر بيوتكنولوجي” (Nature Biotechnology)، شارك فيها باحثون من المعهد الوطني لأبحاث الجينوم البشري (Joint Genome Institute) بالولايات المتحدة، 12 ألفاً و556 نوعاً جديداً من البكتيريا والعتائق التي لم تتم زراعتها مطلقاً في المختبر من قبل.

 

دراسة المادة الوراثية لمجتمعات الأحياء الدقيقة من العينات البيئية


واستخدم الباحثون للوصول إلى تلك النتائج تقنية ملفتة، تسمى “الميتاجينوميات”، وتسمح بدراسة المادة الوراثية لمجتمعات الأحياء الدقيقة المستخرجة مباشرة من العينات البيئية.
حيث توصل الفريق إلى قاعدة بيانات ضخمة تضم أكثر من 10 آلاف “ميتاجينوم” (Metagenome) -وهو مصطلح يعني كل المواد الجينية المستخرجة من عينة بيئية- وتم جمعها من موائل متنوعة تغطي جميع قارات الأرض والمحيطات، لالتقاط الإمكانات الميكروبية والأيضية والوظيفية الموجودة بها.
وشملت الدراسة فحص 52 ألف عينة من الحمض النووي تم استخراجها من المحيطات والتربة والحيوانات والأشخاص. ويتضمن هذا الكتالوج الشامل 52 ألفاً و515 جينوماً (كامل المحتوي الوراثي للكائن الحي)، ويمثل 12 ألفاً و556 وحدة تصنيف جديدة على مستوى الأنواع، تغطي 135 شعبة.

ويوسع هذا الكتالوج الجينومي لميكروبيوم الأرض (مجموع الميكروبات المتعايشة مع أي كائن حي)، تنوع علم الوراثة المعروف للبكتيريا والعتائق بنسبة 44%، وهو متاح على نطاق واسع للتحليلات المقارنة والاستكشاف التفاعلي والنموذجي للباحثين حول العالم.

 


ولم يكن الفريق أول من اكتشف الميكروبات باستخدام الميتاجينوميات، ففي عام 2018 اكتشف العلماء 16 فيروساً عملاقاً، بينما في عام 2017 اكتشف العلماء 20 فرعاً تطورياً جديداً في شجرة الحياة باستخدام هذه الأساليب البحثية المتقدمة.
لكن في هذا العمل الجديد، كان الباحثون يحاولون تحليل عينات من مجموعة كبيرة من المناطق، لملء بعض الفجوات التي لدينا في معرفتنا بالميكروبات.
وقال عالم الوراثة بمعهد الجينوم المشترك في وزارة الطاقة الأميركية لموقع أخبار المعهد ستيفن نايفاخ “لقد تمكنا من إعادة بناء الآلاف من الجينومات المجمعة للميتاجينوم (MAGs) مباشرة من العينات البيئية المتسلسلة، دون الحاجة إلى زراعة الميكروبات في المختبر”، وأشار نايفاخ إلى أن “ما يميز هذه الدراسة حقاً عن غيرها من الدراسات السابقة هو التنوع البيئي الرائع للعينات التي قمنا بتحليلها”.


ويبدو الأمر وكأنه إعادة تجميع القطع المتناثرة للصور في لعبة “بازل” (Puzzle) ولكن باستخدام تقنية تسمى “بينينغ” (Binning)، وهي تقنية لتصنيف المعطيات. وقد نجح الفريق بعد دراسة البيانات في تجميع 52 ألفاً و515 من الميتاجينوم المجمعة معاً، يتمتع العديد منها بجودة عالية.
وفي هذه الدراسة، حاول الباحثون تحليل العينات من خلال مجموعة كبيرة من المناطق لملء بعض الفجوات لدينا حول معرفتنا بالميكروبات.
ولكن من المهم ملاحظة أن مسودات الجينومات هذه غير كاملة، وليست جيدة مقارنة بتلك التي قد نحصل عليها من نمو البكتيريا والعتائق في المختبر، ولكنها لا تزال طريقة رائعة تكشف الكثير عن بيولوجيا وتنوع الميكروبات غير المستزرعة في العالم من حولنا.
ومن المؤكد أن تقنية الميتاجينوم أتاحت إعادة بناء الجينومات البكتيرية عن طريق إلقاء نظرة ثاقبة على البيئة وتطور الميكروبات البيئية والميكروبات المرتبطة بالمضيف، ويؤكد هذا المنهل العلمي على قيمة الأساليب التي تتمحور حول الجينوم للكشف عن الخصائص الجينية للكائنات الدقيقة غير المستزرعة التي تؤثر على كامل النظام البيئي للأرض.


أهمية الميتاجينوميات

ونظراً لقدرتها على الكشف عن التنوع الخفي سابقاً للحياة المجهرية، تقدم الميتاجينوميات عدسة قوية لمشاهدة العالم الميكروبي الذي لديه القدرة على إحداث ثورة في فهم العالم الحي بأكمله، ويمكن الإشارة إلى هذا المجال الواسع أيضاً باسم الجينوم البيئي أو الجينوميات المجتمعية.


وتأتي هذه التقنية لتقوم بتعريف الميكروبات في الطبيعة بدلاً من زراعة الميكروبات في أطباق تحتوي على مستنبت مضاف إليه مغذيات، حيث إن الأنواع الميكروبية التي يمكننا زراعتها ليست سوى جزء ضئيل جداً من الكائنات الحية الدقيقة.
أما الغالبية العظمى من الميكروبات فلا تحب هذه البيئات التي يمكننا توفيرها في المختبر، وبالتالي لن تستجيب للنمو في هذه الأطباق.


وفي حين أن علم الأحياء المجهرية وتسلسل الجينوم الميكروبي وعلم الجينوم يعتمدان على الكائنات الحية الميكروبية المزروعة، فإن الميتاجينوميات تستنسخ جينات محددة لتهيئة لمحة عن التنوع في عينة طبيعية.
وقد كشف هذا العمل أن الغالبية العظمى من التنوع البيولوجي الميكروبي قد ضاعت من خلال الأساليب القائمة على زراعة الكائنات في المختبر.