عادة ما نميل إلى الهروب من المشاعر السلبية من خلال إخفائها وإنكارها، لأننا نظن أن سيطرتها علينا تعني الاتجاه المعاكس للسعادة. لكن علم النفس الحديث يكشف أن لهذه المشاعر دورًا عميقًا في الدعم النفسي بل وتوجيه سلوكنا وتحفيزنا لاتخاذ القرارات الصحيحة.
يوضح الخبراء مثلًا أن الخوف، يُعد نظام إنذار داخلي يساعدنا على الهروب من الخطر أو مواجهته. والغيرة قد تدفعنا للحفاظ على العلاقات المهمة، في حين يثير الإحراج تعاطف الآخرين ويزيد فرص التسامح عند الخطأ. أما الحزن، فهو محفز للتواصل والمساندة.
دور المشاعر السلبية في التحفيز
وفقًا لدراسة نشرت في مجلة Review of General Psychology، فإن المشاعر السلبية تساهم في تقوية الروابط الاجتماعية، وتحفيز سلوكيات التكيف، وبناء تجارب إنسانية أكثر عمقًا. المشكلة لا تكمن في الشعور ذاته، بل في كيفية التعامل معه. فالقمع أو الإنكار لا يزيلان الشعور، بل يدفعانه إلى الداخل، حيث قد يتحول إلى اضطراب أو توتر مزمن.

تأثير المشاعر السلبية على الصحة
المشاعر السلبية في حد ذاتها لا تضر بالصحة النفسية لمجرد وجودها بينما طريقة التعامل معها هي ما تحدد مدى تأثيرها على الصحة النفسية والصحة بشكل عام. فبحسب Psychology Today ، فإن من يشعرون بمزيج من المشاعر الإيجابية والسلبية يتمتعون بصحة أفضل من أولئك الذين يكبتون مشاعرهم السلبية بالكامل، ولا أحد يشعر بمشاعر إيجابية فقط.
ويشير الخبراء إلى أن الفكرة الأساسية تكمن في "قبول السيئ مع الجيد" فهذا هو مفتاح التوازن العاطفي. لأنه عندما نعترف بمشاعرنا السلبية ونسمح لها بالوجود دون مقاومة، يصبح من الأسهل تجاوزها، بل والاستفادة منها.
كيف ننظم مشاعرنا السلبية دون إنكارها؟
ليس من السهل على أي شخص أن يتقبل المشاعر السلبية و يتعامل معها، فهي شعور مزعج ومؤلم ربما، لكن هناك مجموعة من الاستراتيجيات التي تساعد على التعامل الصحي مع المشاعر السلبية، وفيما يلي أشهر الأساليب الفعالة بحسب موقعي Very Well Mind:
إعادة التقييم
وهي عملية عقلية يعاد فيها تفسير الموقف الذي سبب المشاعر السلبية. بدلاً من القول: "أنا فشلت"، يمكن إعادة صياغتها إلى: "كانت تجربة صعبة لكنني تعلمت منها". تساعد هذه التقنية في تقليل شدة التأثر، وتغيير نظرتنا إلى المواقف.
القبول
الإنكار لن يغير الواقع، لذلك فإن الاعتراف بالمشاعر كما هي، دون محاولة رفضها أو محاربتها، قد يكون أحد أكثر الأساليب فعالية. ويتحقق هذا المبدأ من خلال المواجهة، مثلًا نقول لأنفسنا: "أنا أشعر بالحزن الآن، وهذا طبيعي"، فإننا نمنح العقل والجسد مساحة للتعامل مع الشعور دون ضغط.
الامتنان
إذا كنت ترغب أن تواجه المشاعر السلبية، فعليك بتذكير نفسك بالمشاعر الإيجابية، ولو كانت صغيرة، وهو ما يطلق عليه الامتنان الذي يمكن أن نواجه به فترات الحزن أو التوتر، من ناحية أخرى هذا الشعور له دور في تقليل حدة المشاعر السلبية. لحظات من الشكر أو تقدير شيء بسيط كضوء الشمس أو فنجان قهوة، يمكن من خلال ذلك أن تخلق توازنًا داخليًا.

التوازن
التعامل مع المشاعر السلبية لا يعني محاربتها أو الاستسلام لها، بل المرور بها، وفهم رسالتها، ثم إطلاقها. فالمشاعر غير المعالجة تعود غالبًا في وقت لاحق، بشكل أقوى وأكثر تعقيدًا.
سلوكيات تفاقم المشاعر السلبية
إذا كنت جادًا في مواجهة المشاعر السلبية فعليك أن تعرف السلوكيات التي ربما تفاقم الحالة دون أن تشعر، و التي حددها الخبراء في التالي:
الكبت
محاولة عدم إظهار المشاعر على الوجه أو بالكلمات قد يؤدي إلى زيادة التوتر الداخلي، كما يمكن أن يؤثر على وظائف القلب والمناعة على المدى الطويل.
التجنب التجريبي
اللجوء إلى سلوكيات مثل الإفراط في الأكل، التسوق، أو حتى الانشغال الزائد لتجنب مواجهة المشاعر هو نوع من الهروب الذي لا يعالج السبب الجذري.
تكرار الموقف ذهنيًا
إعادة الموقف في الذهن دون نهاية هذا السلوك يثقل النفس ولا يقدم حلولًا، بل يزيد الشعور السلبي ويطيل آثاره.
هل من الضروري دائمًا التحكم في المشاعر؟
بحسب الخبراء فإن الإجابة مفاجئة، وهي لا. فبعض المشاعر، مثل الغضب أو القلق، قد تكون مؤشرات على أن هناك ما يجب الانتباه له. على سبيل المثال، إذا أساء إليك شخص وشعرت بالغضب، فإن كبت الشعور باسم القبول قد يفقدك حقك. بل إن القلق المعتدل قد يحسن الأداء ويحفز على بذل الجهد.
يمكن اختصار كيفية التعامل مع المشاعر السلبية من خلال ما قالته الخبيرة النفسية تشيكي ديفيس "المشاعر السلبية لا تتحكم بنا إذا منحناها الاحترام الذي تستحقه، وتعاملنا معها كرسائل نحتاج لفهمها، لا كمشاكل يجب محوها".
اقرأي أيضًا أهم المهارات في حياة كل بنت؟