لم يكن سرطان الثدي مرضًا وليد العصر الحديث أو نتاج التحولات التكنولوجية، بل عرفه الإنسان منذ آلاف السنين. فقد كشفت البرديات الطبية المصرية القديمة عن أقدم وصف موثّق لهذا المرض، تحديدًا في بردية إدوين سميث الجراحية التي تعود إلى الفترة ما بين 3000 -1600 قبل الميلاد. تناولت هذه البردية أوصافًا دقيقة لأورام تصيب الثدي، ووصفتها بأنها كتل صلبة أو منتفخة يصعب علاجها، كما أشارت إلى أساليب علاجية بدائية مثل الكيّ باستخدام أداة معدنية محماة بالنار. ويُعد هذا النص من أوائل الأدلة على معرفة الإنسان المبكرة بسرطان الثدي ومحاولاته لمواجهته رغم محدودية الإمكانات الطبية آنذاك.
مرض لم يُكتشف له دواء

على الرغم من طول الزمن، لم ينجح الأطباء في أي عصر في اكتشاف دواء فعال للقضاء على مرض سرطان الثدي، إلا أنه بالعصر الحديث، ومع التغيرات في نمط الحياة الحديثة وزيادة معدلات التلوث وعوامل أخرى، زاد انتشار المرض، والذي دعا كثيراً من المؤسسات العلاجية والبحثية لنشر الوعي بعوامل خطر الإصابة بسرطان الثدي، وأهمية الكشف المبكر لمكافحة المرض في أطواره الأولى، مما يزيد من نسب الشفاء والقضاء على المرض.
خلال رحلة المعاناة التي عاشتها ملايين النساء بطول الزمان، عمدت الكثيرات لتسليط الضوء على المرض؛ لتعريف الأخريات، ونشر الوعي بمخاطره، وكيفية التعامل معه، ليظهر الشريط الوردي بعقدته الشهيرة؛ ليكون رمزاً لسرطان الثدي، ورسالة تضامن حوله، وما يرتبط بذلك من تشجيع الفحص المبكر ودعم المصابات من محاربات المرض، ولكن ما حكاية الشريط الوردي؟ ولماذا ارتبط بسرطان الثدي؟ تابعي السياق التالي لتعرفي.
الشريط الوردي لم يكن في بدايته وردياً!

بحسب موقع bcaction.org، فقد ارتبط الشريط الوردي بسرطان الثدي، ويعدّ رمزاً للأمل والقوة والتضامن والمشاركة مع المصابات. وقد بدأت قصة الشريط الوردي عام 1991 مع شارلوت هالي، وكانت من محاربات السرطان، فقد كانت المرأة البالغة من العمر 68 عاماً، حفيدة وأختاً وأماً لنساء عانين من سرطان الثدي، وقد صنعت يدوياً شرائط وبطاقات بلون الخوخ، كتبت فيها عبارات عن مرض سرطان الثدي، وطريقة اكتشافه، وحثت على أهمية إجراء اختبارات الكشف المبكر، فقالت فيها: "الميزانية السنوية للمعهد الوطني للسرطان تبلغ 1.8 مليار دولار، ويُخصص 5% فقط منها للوقاية من السرطان. ساعدونا على إيقاظ مشرّعينا وأمريكا بارتداء هذا الشريط"، ثم وزعتها على أصدقائها وجيرانها ومعارفها؛ لزيادة الوعي وجمع التمويل لأبحاث الوقاية من سرطان الثدي.
بعد انتشار فكرتها، تواصلت معها شركات كبرى لنشر الفكرة بطريقة احترافية، واعتقدت هالي أن فكرة شريطها الخوخي ستفقد سياقها الأخلاقي والإنساني، إذا ما توجهت إلى التسويق التجاري، ومن ثَمَّ فقد رفضت فكرة التسويق التجاري تماماً، ورفضت حتى التواصل مع أي من الشركات.
في عام 1992، خطط أليكس كوخ، نائب رئيس سابق لمجلة "سيلف"، لتوزيع شرائط صفراء، ولكن بعد أن رفضت هالي عرضه للعمل معها، تعاون مع مؤسسة سوزان جي. كومن لابتكار شريط جديد، (دأبت كومن على توزيع أقنعة وردية زاهية على الناجيات من سرطان الثدي في سباقها من أجل الشفاء).
والرابط التالي يعرفك إلى: قصة السيدة بهية التي حولت منزلها لمركز متخصص لعلاج سرطان الثدي
لماذا تم الاتفاق على اللون الوردي كأيقونة ترمز لسرطان الثدي؟

تقول مارغريت ويلش، مديرة جمعية الألوان الأمريكية لمجلة سيلف self.com: "اللون الوردي هو جوهر الأنوثة. يتميز اللون الوردي بطابع مرح، يُعزز الحياة. والدراسات تشير إلى تأثيره المهدئ والمُخفف للتوتر، ويُعرف اللون الوردي الباستيل بأنه لون مُفيد للصحة؛ ولهذا السبب لا يُمكن قول أي شيء سيئ عنه. بمعنى آخر، اللون الوردي هو كل ما لا يُمثله السرطان".
المعنى الرمزي:
- الأمل والقوة: يُنظر إلى اللون الوردي على أنه رمز للأمل والقوة والشعور بالوحدة لدى النساء المريضات والناجيات وعائلاتهن.
- الأنوثة والتعاطف: يُعد اللون الوردي لوناً أنثوياً تقليدياً، يُثير مشاعر الدفء والتعاطف والاهتمام بالآخرين.
- التضامن والتوعية: يُعد ارتداء شريط وردي وسيلة ملموسة لإظهار الدعم لمجتمع سرطان الثدي وزيادة الوعي بأهمية هذا المرض.
التطور والتأثير:
- تحول لحركة عالمية: حيث تحول الشريط الوردي من رمز شعبي إلى ظاهرة عالمية، تستخدمه المنظمات والشركات والأفراد في جميع أنحاء العالم.
- اتُخذ لإظهار التضامن والمناصرة والدعم وجمع التبرعات: تُستخدم هذه الشرائط كوسيلة لجمع التبرعات للأبحاث والعلاج، وللدعوة إلى تحسين فرص الحصول على الرعاية الصحية والكشف المبكر؛ من خلال التصوير الشعاعي للثدي.
- تذكيرٌ بالمعركة: يُعدّ الشريط تذكيراً مستمراً بالمعركة المستمرة ضد سرطان الثدي، وبمجتمع الأشخاص الذين يكرّسون أنفسهم للتغلب عليه.
- التركيز على الوقاية: كان هدف الشريط لفت الانتباه إلى نقص التمويل المخصص لأبحاث الوقاية من سرطان الثدي.
الشرائط كوسيلة للتعبير
يذكر أن الشرائط الملونة تم استخدامها كوسيلةً للتعبير عن رمزية معينة أول مرة بالعام 1979، عندما قامت زوجة رهينة أمريكي بربط شرائط صفراء حول أشجار حديقتها الأمامية. وقد أشارت بالشريط إلى رغبتها في تدخل السلطات لإعادة زوجها إلى الوطن. منذ ذلك اليوم ولأول مرة، أصبح الشريط وسيلةً للتعبير عن مشاعر معينة ويخدم قضايا معينة، ورسالةً للدعم والتضامن وطلب المساعدة، وقد انتشرت الشرائط الصفراء الداعمة للسيدة في جميع أنحاء البلاد في ذلك الوقت؛ تضامناً معها، وكانت تلك هي الخطوة الأولى.
بعد أحد عشر عاماً، حوّلت مجموعة من الفنانين، من رواد جماعة الفنون البصرية، الشريط الأصفر إلى اللون الأحمر الزاهي للتضامن مع مرضى الإيدز، ورفع الوعي بعدم نبذهم، فجأة وصلت الشرائط لشهرة كبيرة وانتشار واسع، فبين عشية وضحاها، أصبح لكل عمل خيري شريط ذو لون معين ومقاس محدد، على رأسها طبعاً الشريط الوردي الرامز لمرض سرطان الثدي. وبعد فترة وجيزة، انتشرت الشرائط في كل مكان لدرجة أن صحيفة نيويورك تايمز أعلنت عام 1992 "عام الشرائط".
ونحو المزيد للتعرُّف إلى كيفية التعامل مع الصديقة مصابة السرطان، تابعي السلسلة: