في زمنٍ أصبحت فيه أغلب المسلسلات تُبنى كفيلم من عشر ساعات، يعود مسلسل «Poker Face» ليذكّرنا بسحر الدراما الحلقية الكلاسيكية التي نفتقدها.
تعود نتاشا ليون Natasha Lyonne بدور تشارلي كايل، المرأة التي تستطيع أن تعرف إن كان أحدهم يكذب بمجرد سماعه، لكن موهبتها ليست نعمة بقدر ما هي لعنة تدفعها دومًا نحو المتاعب والهرب.
في الموسم الثاني، ما زالت تشارلي على الطريق، تقود سيارتها Plymouth Barracuda، هاربة من المافيا التي لم تنسَ ما حدث في الموسم الأول، ومن ماضيها الذي يطاردها أينما ذهبت. ومع كل محطة جديدة، تجد نفسها وسط جريمة غامضة لا تستطيع أن تغضّ الطرف عنها، فضميرها لا يسمح، وكشف الكذب أصبح طريقتها الوحيدة لفهم العالم.
موسم ثانٍ يعزز التألق... ويعمّق الشخصية
منذ الحلقة الأولى، ندرك أن فريق العمل لم يأتِ لتكرار النجاح فقط، بل لتجاوزه.
الموسم الثاني من Poker Face يبدو أضخم وأكثر ثقة: إخراجٌ أكثر نضجًا، وكتابة تمزج بين السخرية والدراما الإنسانية، وضيوفٌ من الصف الأول يضفون نكهة مختلفة على كل حلقة.
العمل يواصل تقديم الصيغة التي تميّزه: نحن نعرف من القاتل منذ البداية، لكننا لا نعرف لماذا وكيف سقط في الجريمة. وهنا يبدأ سحر المسلسل، فبدل أن نحاول التخمين، نراقب تشارلي وهي تفكّك الخيوط، وتكتشف الدوافع، وتواجه الأكاذيب الصغيرة التي تبني الجرائم الكبيرة.
لكن الموسم الجديد يضيف طبقات أعمق: ثمن الصدق، قدرتها على معرفة الحقيقة التي دائمًا لا تجعلها سعيدة، بل مرهقة. فهي تعرف أن العالم مليء بالكذب، وأن مواجهة الحقيقة قد تدمّرها ببطء.
حلقات متنوعة... وأجواء تتنقّل بين العبث والإنسانية
كل حلقة من الموسم الثاني تبدو كفيلمٍ صغير بذاته.
تبدأ المغامرة مع حلقة “The Game Is a Foot”، التي تؤدي فيها سينثيا إريفو Cynthia Erivo دور أربع شقيقات متطابقات في صراعٍ حول الميراث — أداءٌ بارع ومجنون يختبر حتى حواس تشارلي الخارقة.
ثم ننتقل إلى حلقة “Last Looks” التي أخرجتها نتاشا ليون بنفسها، وتتناول قصة مدير جنازات غيور (جيانكارلو إسبوزيتو Giancarlo Esposito) يخطط لقتل زوجته (كيتي هولمز Katie Holmes) وسط كواليس تصوير فيلم داخل دار الجنازات نفسها. النتيجة؟ مزيج من السخرية والدراما السوداء يكشف عن ذكاء الكتابة الإخراجية.
وتتوالى الحلقات التي تثبت أن المسلسل لا يخشى تجربة الأنواع والأساليب — من النوار إلى الكوميديا السوداء، ومن التراجيديا إلى السخرية الاجتماعية.
نتاشا ليون... قلب المسلسل النابض
لا يمكن الحديث عن Poker Face دون التوقف عند أداء نتاشا ليون. إنها ليست فقط بطلة العمل، بل روحه. بصوتها الأجش وضحكتها الساخرة، تنجح في جعل تشارلي كايل واحدة من أكثر الشخصيات التلفزيونية دفئًا وإنسانيةً في السنوات الأخيرة.
هي ليست محققة خارقة ولا بطلة مثالية، بل امرأة مرهقة من الهروب، لكنها ترفض تجاهل الشر حين تراه. هذا التناقض بين القسوة الظاهرية والضمير النقي يجعلها فريدة، ويمنح المسلسل طابعه الخاص.
ليون، بخبرتها الطويلة في أعمال مثل Russian Doll وOrange Is the New Black، تقدم هنا أداءً ناضجًا ومرحًا في الوقت نفسه، وتُظهر كيمياء لافتة مع كل ممثل ضيف.
الإخراج والإنتاج: عودة إلى سحر السبعينيات بعيون حديثة
المسلسل لا يكتفي بسرد جيد؛ بل يبدو جميلًا في كل لقطة. الإخراج يوازن بين الطابع الكلاسيكي لأعمال السبعينيات وبين الحداثة البصرية. وتبدو كل حلقة وكأنها تنتمي إلى عالمها الخاص: تشعر بغبار الصحراء، بحرارة فلوريدا، وبرطوبة نيويورك.
اللقطات الواسعة، وزوايا الكاميرا الذكية، والموسيقى التي تمزج الجاز مع الغموض، تمنح المسلسل هوية بصرية وصوتية مستقلة تجعله واحدًا من أجمل إنتاجات Peacock حتى الآن.
الجرأة في كسر القواعد
من أجمل ما يميز هذا الموسم هو شجاعته في كسر قواعده الخاصة. توني توست، المشرف الجديد على الموسم، أضاف لمساتٍ إنسانية أعمق، وسمح للحلقات أن تكون أكثر غرابة ومرحًا في الوقت ذاته.
هناك حلقة تروى بالكامل من وجهة نظر طفلٍ في مسابقة تهجئة، وأخرى تنغمس في عالم محتالين يعيدنا إلى أفلام الجريمة القديمة.
هذا التنويع يمنح المشاهد شعورًا متجددًا في كل أسبوع، دون أن يفقد المسلسل نغمة ريان جونسون المعهودة.
صحيح أن صيغة “نعرف القاتل من البداية” قد تُشعر البعض بالرتابة، لكن Poker Face يعرف كيف يُبقيك مشدودًا بفضل ذكاء الحوار وكاريزما البطلة. بل إن تكرار الفكرة يصبح جزءًا من الطقس الممتع: نعرف القاتل، لكننا لا نعرف كيف ستواجهه تشارلي هذه المرة، أو كيف سينقلب السحر على الساحر في النهاية.
التقييم النهائي: 4 من 5
الموسم الثاني من Poker Face هو أكثر من مجرد استمرار ناجح — إنه تطور طبيعي وذكي لمسلسلٍ وجد نبرته الخاصة منذ البداية. يجمع بين الكوميديا، والغموض، والدراما الأخلاقية، ويمنحنا بطلة لا تشبه أحدًا على الشاشة.
قد لا يكون المسلسل مثال الكمال، لكنه يقدم تجربة ممتعة، دافئة، ومليئة بالشخصيات التي تترك أثرًا.
وفي زمن السرعة والتشويق الزائف، يذكّرنا Poker Face بأن رحلة البحث عن الحقيقة يمكن أن تكون مليئة بالضحك، والدموع، وحتى الأمل.
تابعي المزيد... مراجعة مسلسل The Girlfriend.. صراع الأم والحبيبة في دراما نفسية تُروى من منظورين
لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا «إنستغرام سيدتي».
وللاطلاع على فيديوغراف المشاهير زوروا «تيك توك سيدتي».
ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر «تويتر» «سيدتي فن».