مروى سامي، مصمِّمةٌ شابَّةٌ من مصر، قادها شغفُها منذ الصغرِ إلى مهنةِ التصميمِ الداخلي والأثاث، إذ كانت تُزيِّن، وتُصمِّم بيوتَ الدمى الخاصَّةِ بها، وكانت تصنع أثاثاً صغيراً من بقايا الخشبِ لها. هي مولعةٌ بالتراكيبِ والألوانِ والموادِّ الخام، ولديها حبٌّ خاصٌّ لتصميمِ الإضاءةِ وتركيباتها، وأبدعت مجموعاتٍ عدة يدويَّةَ الصنعِ في مسيرتها. من بين أعمالِ المصمِّمةِ مروى البارزةِ تصميمُ جائزةِ «الملهم» التي مُنِحَت لمحمد صلاح، لاعبِ فريقِ ليفربول الإنجليزي ونجمِ المنتخب المصري، من اتحاد بلاده لكرةِ القدم عامَ 2020، وقلادةُ حورس للإضاءةِ التي وصلت إلى القائمةِ القصيرةِ لجوائزِ التصميمِ والعمارة الدوليَّة بـ 2017 في لندن، إلى جانب عرضِ مجموعةِ «الإضاءة في الطين» ضمن معرضِ «المسارات نحو الجذور» الذي نظَّمته «إثراء × إيزولا» في أسبوعِ ميلانو للتصميم عامَ 2024. تحبُّ المصمِّمةُ، التي تمتلك استديو خاصاً بها في القاهرة، أن تروي القصصَ من خلال أعمالها، وتحاولُ أن تحترمَ البيئةَ في ممارستها، مع شاعريَّةٍ، تُبديها الوحداتُ التي تصنعها.
تصوير البورتريهات: يحيى أحمد
تصميم وحدات الإضاءة

بعد التخرُّجِ مباشرةً، هل من حدثٍ، دفعكِ إلى اختيارِ تصميمِ المنتجاتِ مهنةً. حدِّثينا أكثر عن هذا الفرعِ من التصميم، وعن أحواله في مصر؟
تخرَّجتُ في قسمِ العمارةِ بكليَّةِ الهندسةِ عامَ 2008. بعد العملِ في مجالِ تصميمِ الديكور على مدى أعوامٍ، لاحظتُ وجودَ نقصٍ في وحداتِ الإضاءة، خاصَّةً تلك التي تُعدُّ من القطعِ النادرة، وتروي قصصاً ما. ربما كان المرءُ، يجدُ في مصر آنذاك وحداتِ إضاءةٍ عصريَّةً أنيقةً، أو وحداتِ إضاءةٍ كلاسيكيَّةً تقليديَّةً حصراً، لا سيما بعد القوانين التي منعت استيرادَ الأثاثِ ووحداتِ الإضاءة، لذا وجدتُ الجوَّ مثالياً لتصميمِ وابتكارِ قطعٍ، تروي قصصاً مصريَّةً، ومصنوعةً باستخدامِ موادَّ محليَّةٍ قدرَ الإمكان، وتُلبي احتياجاتِ السوق.
ماذا يعني لكِ الضوءُ، وإلى أي حدٍّ تركيباتُ الإضاءةِ قادرةٌ على تجميلِ الديكورِ الداخلي؟

الضوءُ، هو الحياة. هو أساسي للغايةِ للعملِ والحياةِ بشكلٍ سليمٍ، ويؤثِّرُ بشكلٍ كبيرٍ في المزاجِ، والشعورِ بالبيئةِ المحيطة. في المنزلِ مثلاً، يمكن لكلِّ شخصٍ اختيارُ وحدةِ إضاءةٍ محدَّدةٍ بصورةٍ، تعكسُ شخصيَّته واحتياجاته. وحداتُ الإضاءة، تُشبه المجوهراتِ التي تُكمل الإطلالة، إذ دون عقدٍ رائعٍ، قد ينتهي بكِ الأمرُ بفستانٍ مملٍّ، أو دون زوجَي أقراطٍ جريئَين، قد تشعرين بنقصٍ ما. هذا ينطبقُ على وحداتِ الإضاءة، فهي تُكمل المساحة، وتُلبي احتياجاتِ المالكة. بالتأكيد ليس هناك جدارٌ خالٍ مع وجودِ إضاءاتٍ جميلةٍ، ثم إن الأخيرة، تُضفي أجواءً «حالمةً، ومساحةَ عملٍ مميَّزةً» في المساحةِ، أو نمطاً عليها، سواء كنتِ تُفضِّلينها كلاسيكيَّةً، أو بوهو، أو إسكندنافيَّةً، أو من طرازِ منتصفِ القرن، وغير ذلك.
هل يمكن للتصميمِ المحلي لتركيباتِ الإضاءةِ أن يُنافس على صعيدِ مصر؟

التصميمُ المحلي لوحداتِ الإضاءةِ قادرٌ على المنافسةِ بالفعل، هذا مع الإشارةِ إلى وجودِ كثيرٍ من المصمِّمين المتخصِّصين في المجال، إضافةً إلى مصمِّمي المنتجات، أو مصمِّمي الديكور الذين يمتلكون أعمالاً وتصاميمَ مبهرةً في مجالِ تركيباتِ الإضاءة، ما يُقوِّي المنافسة، ويزيدُ الابتكار، لتصبحَ السوقُ المصريَّةُ بيئةً خصبةً وزاخرةً بالأعمالِ المختلفة التي تُرضي كلَّ الأذواق، وتُغطي الاحتياجات كافة.
قد يهمك الاطلاع أيضاً على: المصممة الفرنسية ليزا أليجرا: أسلوبي يجمع بين القوة والرصانة والخلود
ما التحدِّياتُ المرتبطةُ بصنعِ تركيباتِ الإضاءة؟

عدمُ توفُّرِ خاماتٍ وأجزاءٍ من الخاماتِ المستوردةِ بصورةٍ مستمرَّةٍ، وارتفاعُ الأسعار. كذلك تُمثِّل التكنولوجيا في تفاصيلِ التصنيع تحدياً كبيراً لعدمِ توفُّرِ أجزاءٍ، أو ماكيناتٍ مطلوبةٍ، ما يضطرني إلى التصنيعِ بطريقةٍ أخرى بوصفها بديلاً، أو التغاضي عن بعضِ التقنيَّاتِ الحديثةِ المحدَّدةِ في صنعِ المُنتَج.
تراث مصر وثقافتها

حدِّثينا عن مجموعاتكِ بإيجازٍ لنواحي محتوياتِ كلٍّ منها، والموادِّ المستخدمةِ فيها؟
تعكسُ مجموعاتي في مجملها مصر، لا سيما مصر القديمةُ، وتبدو وكأنَّها تُحيي تراثَها وثقافتَها، وجزءاً من ملامحها سواء من خلال قِصَّةٍ ما، أو تفاعلٍ، أو خامةٍ محليَّةٍ أصيلةٍ، أو حتى لونٍ، أو «موتيف». ما أحاولُ فعله، هو المزجُ بين التراثِ والتاريخ، وبين الحديثِ والمعاصر، ليكونَ للعملِ، أو المنتجِ قِصَّةٌ وتفاعلٌ، ويمكن أن تكون القِصَّةُ هنا عبارةً عن الهندسةِ والخطوطِ التي استوحيتُ منها التصميم، أو تفاعلاً وتيمّناً من حكمةٍ ما، أو رمزاً قديماً، وفي الوقتِ نفسه، يحاكي العملُ الحاضرَ في الشكلِ والاستخدامِ والتكنولوجيا. أنا أحبُّ الخاماتِ باختلافاتها، كما اكتشافُ الجديدِ منها، لذا أركِّزُ على عملِ تعاوناتٍ مع مصمِّمي الخامات، أو متخصِّصين في خامةٍ معيَّنةٍ، إذ يضيفُ ذلك قيمةً للمُنتَج في النهاية. مثلاً، أستخدمُ الفخَّار، وهي مادةٌ محليَّةٌ صديقةٌ للبيئة، في إعدادِ وحداتِ إضاءةٍ، علماً أن هذه المادة معروفةٌ على صعيدِ صنعِ أدواتِ المائدةِ، والمزهرياتِ، والأكواب، لكنَّني في وحداتِ الإضاءة أقومُ بتغييرِ طريقةِ الاستخدامِ المعروفة، وأكسبُ لونَ الخامةِ الجميل. كذلك أستخدمُ مادةَ Shell homage القابلةَ للتحلُّل، وهي ترجعُ إلى قشورِ البيض، وقشورِ المكسَّرات مع إمكانيَّةِ التحكُّم بدرجةِ شفافيتها، ومزجِ الأخيرةِ بالنحاس، وحِرفةِ تصنيعه القديمة. بذلك أكون قد دمجتُ مادةً مستقبليَّةً بحِرفةٍ قديمةٍ لصنعِ وحدةٍ، سمَّيتها «نص القمر»، فكلُّ نصفٍ، يعكسُ قِصَّته وخواصه، ويُكمل النصفَ الثاني، في الوقتِ نفسه.
ديكور وألوان

ماذا عن الألوان، هل تُجرِّبين ألواناً غريبةً، أم تُحبِّين البقاءَ في منطقةِ الألوانِ الآمنة؟
أحبُّ أن تحملَ تصاميمي ألواناً محايدةً أحياناً، وأرغبُ في أن تُبرِزَ الأعمالُ الألوانَ في أحيانٍ أخرى. كذلك أحرصُ على صنعِ نسختَين من التصميمِ الواحد لأبسِّطَ على العميلِ الاختيار بشرط أن تروي القطعةُ المحايدةُ من خلال التصميمِ والخامةِ الأصليَّةِ القِصَّةَ بوضوحٍ، فيما تقفُ القطعةُ الملوَّنةُ العصريَّةُ بجرأةٍ.
إكسسوارات منزلية

إلى أي حدٍّ تعتقدين أن الإكسسواراتِ المنزليَّة، لا سيما وحداتُ الإضاءةِ، قادرةٌ على تحسين الديكور؟
أجدُ في الإكسسواراتِ الطريقةَ الأكثر سهولةً وسرعةً لإضفاءِ لمسةٍ شخصيَّةٍ على ديكورِ المنزلِ، أو المساحة، كما هو الحالُ مع وحداتِ الإضاءة، فهي قطعةُ المجوهراتِ التي تستخدمينها لتغييرِ مظهرِ الفستانِ نفسه، أو إحياءِ إطلالةٍ قديمةٍ في خزانةِ ملابسكِ. في الوقتِ الراهن سريعِ الوتيرة، يميلُ الكثيرون للطرز المعاصرةِ والحديثةِ في إطار التصميمِ الداخلي، وقطعِ المفروشاتِ المتوفِّرةِ على صعيدٍ واسعٍ عبر جاليريهاتٍ ذات فروعٍ عالميَّةٍ، لتأتي قطعُ الأثاثِ والديكورِ الموروثةُ والمجدَّدةُ من خلال تغييرِ المقابض، أو غيره، لتصنعَ الفارق، وتعكسَ الشخصيَّةَ المعاصرة، وتُبرِز تميُّزها عن غيرها.
قد يهمك الاطلاع أيضاً على: المهندس سام سعادة: الإضاءة تترجم طابع المشروع وجوّه
وعي بيئي

لديكِ وعي بيئي، يتجلَّى من خلال طريقةِ العملِ والمجموعاتِ التي سبق أن أطلقتها، حدِّثينا أكثر عن ذلك؟
أحاولُ بكل صراحةٍ، كما يحاولُ الجميع، تقديمَ الأفضل للكوكبِ والناسِ على الأرض. ازديادُ الكوارثِ الطبيعيَّة وظاهرةِ الاحتباسِ الحراري، يُنبِّهنا إلى العملِ من أجل الأرضِ والبيئةِ والبشر. في هذا الإطار، تتركَّزُ محاولاتي على اختيارِ خاماتٍ محليَّةٍ، والتصنيعِ المحلي مع تقليلِ الهدرِ من خلال إعادةِ استخدامِ المواردِ والموادِّ والمنتجات، وإصلاحها وتجديدها وتدويرها للتخلُّصِ من النفايات، والحفاظِ عليها أطولَ فترةٍ ممكنةٍ. بالطبع، أختارُ خاماتٍ جديدةً، أو معروفةً وصديقةً للبيئة، مع الصنعِ اليدوي، وليس الإنتاجَ المتسلسل.
ما علاقتكِ بحِرفيي مصر؟
هي علاقةُ حبٍّ وكراهيةٍ كما تُسمَّى بالإنجليزية. أحبُّ الحِرفيين لأصالتهم، والعملِ اليدوي الذي يُقدِّمونه مع كلِّ ما يتطلَّبه ذلك من بذلِ طاقةٍ وجهدٍ ووقتٍ كبيرٍ في صنعِ المُنتَج، وأحبُّ أن أسمع آراءَهم، خاصَّةً أن بعض الحِرفيين يعلمُ أصولَ الصنعة، وبعضَ التقنيَّاتِ والتفاصيلِ التي قد تكون غائبةً عني، لكنْ، وعكسَ ذلك، هناك عدمُ مرونةٍ، وخروجٌ عن المألوفِ في الشغل، أو المواعيد، وهذا لا يروقُ لي.
ما أحلامُكِ على صعيدِ المهنة؟
أحلمُ بالمنافسةِ على صعيدِ الشرق الأوسط والعالم من خلال أعمالي التي أطمحُ لأن تكون موجودةً بقوَّةٍ في مصر وخارجها. أتمنَّى كذلك أن أدرسَ أكثر، وأطوِّر نفسي في مهنتي، وأتعمَّق في الخاماتِ الجديدةِ من مخلَّفاتِ الطبيعة، لتكونَ بدائلَ جيِّدةً للمواد والخامات المستنفذة. كما أحلمُ على الدوامِ بأن أوصل حكايةً، أو تفاعلاً، أو إحساساً مريحاً لمستخدمي منتجاتي على المدى البعيد لتضيفَ إلى منازلهم وحياتهم.





