دليلكِ لتطور مشاعر مولودكِ في الشهور الأولى: من أول صرخة إلى أول ابتسامة/%D8%B3%D9%8A%D8%AF%D8%AA%D9%8A-%D9%88%D8%B7%D9%81%D9%84%D9%83/%D9%85%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AF%D9%83/1823576-%D8%AA%D8%B7%D9%88%D8%B1-%D9%85%D8%B4%D8%A7%D8%B9%D8%B1-%D9%85%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AF%D9%83
طفل يتمتع بالصحة والحيوية في شهوره الأولى
كثيراً ما تمتزج دموع فرحة الأم بالضحكات بمولودها بمجرد أن تسمع أول صرخة له بعد نزوله، ذلك الصوت الصغير الذي يُعلن بداية الحياة وبداية الرحلة العاطفية المذهلة التي سيعيشها مع أمه خلال شهوره الأولى. صرخة مولودك أيتها الأم ليست مجرد استجابة فسيولوجية، بل هي أول وسيلة تواصل عاطفية بينه وبينك ومع العالم، وأول دليل على بداية تحرك مشاعره في أعماقه. رحلة المولود من البكاء الأول إلى الابتسامة الأولى، هي الفترة التي يتكوّن فيها العقل العاطفي للطفل؛ حيث يتعلم المولود كيف يشعر، وكيف يعبّر عن نفسه، وكيف يرتبط بالآخرين. اليوم سيأخذكِ الدكتور محسن جمال الدين أخصائي طب الأطفال في جولة تفصيلية؛ للتعرف إلى كيفية تطور مشاعر مولودك شهراً بعد شهر؟ وما الذي يمكن أن تفعله الأم لدعم هذا النمو العاطفي الدقيق؟
أولاً: ما وراء البكاء والصرخة الأولى
البكاء لغة الرضيع الأولى
في اللحظة التي يولد فيها الطفل، يكون جهازه العصبي في طور النمو، ومشاعره لا تزال غامضة وغير منظمة، لكن البكاء هو لغته الأولى. يبكي لأنه يشعر بالجوع أو البرد أو الألم أو حتى الوحدة، فهو لا يعرف بعد كيف يطلب ما يحتاجه إلا بالصوت والدموع. البكاء الأول ليس فقط تعبيراً عن الألم، بل عن الدهشة بعد شهور من الدفء والظلام داخل الرحم، يجد الطفل نفسه فجأة في عالم مليء بالأضواء والأصوات والوجوه. تبدأ الأم بغريزتها فك رموز هذه اللغة، فتميّز بين بكاء الجوع وبكاء النعاس أو الألم، ومع مرور الوقت، يتعلم الطفل أن هناك منْ يفهمه، فيبدأ شعوره الأول بالأمان العاطفي. الشهر الأول.. مشاعر غريزية تبحث عن الأمان في الشهر الأول من عمر المولود، تكون جميع مشاعره غريزية تماماً؛ يشعر بالراحة حين يُحتضن، وبالانزعاج حين يُترك وحده. يهدأ عندما يسمع دقات قلب أمه؛ لأنها تشبه الأصوات التي سمعها داخل الرحم، ويرتاح لصوتها ورائحتها أكثر من أي شيء آخر في العالم. لا يميز الطفل بين ذاته والعالم الخارجي، هو وأمه شيء واحد بالنسبة له، لذلك فإن احتضانك المستمر له ليس تدليلاً، بل غذاء عاطفي أساسي. انتبهي: كل لمسة وكل نغمة في صوتك، ترسل إلى دماغ مولودك إشارات تساعد على بناء روابط عصبية مسؤولة عن الثقة والشعور بالأمان لاحقاً. الشهر الثاني.. بريق العيون والمناغاة
تطور مشاعر ولغة الطفل
مع دخول الشهر الثاني، تبدأ ملامح الوعي العاطفي في الظهور؛ حيث يبدأ الطفل في النظر مباشرة إلى وجهك، يتأمل عينيك لفترات أطول، كأنه يحاول قراءة ملامحك، يبدأ في إصدار أصوات خفيفة غير مفهومة – تُعرف بالمناغاة – وهي أولى محاولاته للتعبير والتواصل. تظهر أيضاً بوادر السعادة والارتياح عندما تقتربين منه، أو عندما تلمسينه برفق، قد لا يبتسم بعد، لكنه يعبّر بعينيه وصوته عن الارتباط بك. هنا تبدأ بذور الحب الأولى في التكوّن؛ إذ يبدأ الطفل إدراك أن وجودكِ يجلب له الراحة، وأن غيابك يسبب له الانزعاج. الشهر الثالث.. أول ابتسامة حقيقية في الشهر الثالث، تحدث اللحظة التي لا تُنسى: ابتسامة المولود الأولى، وهي ليست حركة عشوائية للوجه بل استجابة حقيقية للعاطفة. حين تبتسمين له أو تتحدثين إليه بصوت دافئ، يرد عليك بابتسامة تحمل معنى الاتصال العاطفي الحقيقي، هذه اللحظة تشير إلى أن الدماغ بدأ يربط بين المشاعر والتعبير الوجهي، وأن الطفل بدأ يميز بين الوجوه المألوفة وغير المألوفة. سيدتي الأم: الابتسامة الأولى ليست فقط دليلاً على السعادة، بل على بداية "الوعي الاجتماعي”، أي إدراك الطفل أن هناك أشخاصاً حوله يتفاعلون معه. وهنا يبدأ ما يُعرف بـ التواصل العاطفي المتبادل بين الأم والطفل، وهو أساس بناء الشخصية الوجدانية السليمة في المستقبل.
الشهر الرابع.. الضحك والتفاعل في الشهر الرابع، تتحول الابتسامة إلى ضحك صريح وممتع، يضحك الطفل عند سماع صوت مألوف أو عند رؤية وجه محبوب، ويبدأ في التفاعل أكثر مع الألعاب والأصوات المضحكة. هذه الضحكة الصغيرة هي علامة على نضوج الجهاز العصبي العاطفي، وأن المولود بدأ يفهم مفهوم المرح، كما يبدأ في اختبار ردود فعلك؛ فإذا ابتسمتِ له، يبتسم، وإذا تجاهلته، قد يتوقف عن الضحك وينظر إليكِ بحيرة. بهذا الشكل يتعلم أن مشاعره يمكن أن تؤثر في مشاعر الآخرين، وهذه أول خطوة نحو تطوير الذكاء العاطفي للطفل. الشهر الخامس.. الارتباط العاطفي الحقيقي في هذا الشهر، يبدأ الطفل في إدراك منْ هم الأشخاص الذين يمنحونه الأمان، ومنْ هم الغرباء، يتعلق أكثر بالأم، ويظهر عليه الانزعاج إذا ابتعدت عنه لفترة طويلة. قد يبدأ بالبكاء فور خروجك من الغرفة، أو يهدأ فقط عند سماع صوتك من بعيد، هنا يظهر ما يُعرف بـ قلق الانفصال الطبيعي، وهو دليل صحي على تطور العلاقة العاطفية بينكما. الطفل الآن بدأ يفهم أن الأم شخص مستقل، وليس امتداداً له، ومع ذلك فهو يعتمد عليها بشكل كامل، هذا الارتباط هو حجر الأساس لشعور الطفل لاحقاً بالثقة في الناس، فإذا شعر بأن حبك ثابت واحتضانك دائم، سينمو وهو يؤمن بأن العالم مكان آمن.
الشهر السادس.. تقليد المشاعر في النصف الثاني من العام الأول، تتطور قدرة الطفل على تقليد تعابير الوجه، ويصبح قادراً؛ فهو يعبس إذا عبستِ، ويضحك إذا ضحكتِ، ويبدو عليه التأثر بنغمة صوتك سواء كانت غاضبة أو حنونة. هذه مرحلة حاسمة جداً؛ لأنها تمثل بداية التعاطف الفطري، أي قدرة الطفل على فهم مشاعر الآخرين؛ حيث أكدت دراسة من جامعة كامبريدج أن الأطفال في هذا العمر يمكنهم تمييز الفرح والحزن في ملامح الوجه ونبرة الصوت، حتى دون أن يفهموا الكلمات. لذلك يُنصح الأهل دائماً بالتحدث مع الطفل بوجه مبتسم وصوت مطمئن؛ لأن تعبيرات الوجه تصبح لغة الطفل العاطفية الأولى.
ثانياً: تطور المشاعر الدقيقة
الأم ورضيعها يتواصلان بصرياً
خلال الشهور الستة الأولى، تكون المشاعر الأساسية مثل الفرح والحزن والخوف قد ظهرت، لكن مع اقتراب نهاية العام الأول، تبدأ المشاعر المركبة بالظهور مثل الغيرة، والإحباط، والفضول. تلاحظين أنه يغضب عندما تأخذين منه لعبة، أو يمد يده ليحصل على شيء بعيد، أو يصرخ عندما لا تلبي رغباته، هذه كلها مؤشرات على نمو الإرادة والاستقلالية، وهي علامات عاطفية طبيعية وصحية تماماً. الطفل الذكي عاطفياً في هذه المرحلة هو منْ يعبر عن مشاعره بحرية، ويشعر بالأمان في التعبير عنها، دون خوف من الرفض أو العقاب.
ثالثاً: دور الأم في دعم نمو المشاعر
طفل ينظر إلى أمه
استجيبي لبكائه دائماً حين تبادرين لاحتضانه كلما بكى، فأنتِ لا “تدللينه”، بل تُخبرين جهازه العصبي أن العالم يستجيب لحاجاته، مما يجعله أكثر هدوءاً وثقة في المستقبل. تحدثي معه حتى لو لم يفهم الكلمات صوتكِ الدافئ يعلمه الإيقاع والتفاعل العاطفي. استخدمي نغمات مختلفة: الفرح، التعجب، الحنان، فذلك ينشّط مراكز المشاعر في دماغه. تواصلي بالعين دائماً النظر في عيني الطفل أثناء الرضاعة أو اللعب من أقوى وسائل التواصل العاطفي، فالعين تنقل المشاعر قبل الكلمات، وتبني بينكما جسوراً لا تُرى لكنها تُشعر وتُدرك. احترمي مشاعره مهما كانت بسيطة إذا غضب أو بكى أو أبدى خوفاً، لا تسخري منه، بل احترمي إحساسه وهدئيه، هكذا يتعلم أن مشاعره مقبولة، وأن التعبير عنها لا يعني الضعف. شاركيه اللحظات الصغيرة كل لحظة ضحك أو دهشة أو حب هي طاقة إيجابية تبني ذاكرته العاطفية، هذه الذكريات الأولى تبقى محفورة في أعماق عقله وتشكل شخصيته المستقبلية. *ملاحظة من "سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.