يطبق الأبناء ما اكتسبوه من الوالدين للتهرب من الأمور البسيطة
تعويد الأطفال على الكذب، وخاصةً بالإجبار، يخلق في نفسية الطفل عدائية
خلق شخصية تتسم بالعدوانية والحيلة في الكثير من الأوقات
5 صور

وصلت رسالة إلى "سيِّدتي" من أحد قرائها الرجال يطلب منا مناقشة تصرف بعض الآباء والأمهات في إجبار أبنائهم على الكذب قائلاً: "لدي موضوع أتمنى أن تفتح المناقشة به من خلالكم عن إجبار الأهل أولادهم على الكذب".
لا يخفى على أحد أن الكثير من الآباء والأمهات قد يستخدمون أسلوب الإجبار على الكذب بطريقة غير مقبولة تساهم في تكريس الصفات السلبية عند بعض الأطفال، وتشجيعهم على اتباع طريق الكذب دون وعي منهم بمخاطر ذلك التصرف.
ولأهمية رسالة قارئنا، أرسلناها إلى أخصائية العلاج السلوكي المعرفي والتربوي والمعلمة النفسية عزيزة براني لتكشف عن أضرار إجبار الأهل أبناءهم على الكذب وكيفية معالجة الأمر.


"الكذب الأبيض" خطأ شائع
بداية، ذكرت الأخصائية عزيزة أن الكذب الأبيض كما هو دارج يعرف بأنه تقنية شائعة الاستخدام بين الآباء والأمهات حول العالم، وهو الخطوة الأولى في تعويد الطفل وإجباره على الكذب بصورة غير مباشرة، ولكنه في واقع الأمر يمثل للطفل صورة كذب مباشرة، مكوناً بذلك مشاكل أخلاقية وسلوكية عديدة؛ لأنه أصبح يعلم أن الكذب مسموح طالما لن يؤذي أحداً، مثال على ذلك وأكثر ما نشاهده داخل الإطار المدرسي: تحفيظ الأم للطفل حجة لغيابه عن أيام الدراسة ليقول لمعلمته: إنه مريض، والأمر خالٍ من الصحة تماماً، وقد تعتقد الأم بذلك أنها تحمي طفلها وتخفف عنه عبء العقاب واللوم، ولكنها تدخله في حقيقة الأمر لشباك الكذب حتى إن كان بدافع المصلحة، فلا يجوز استخدام الكذب لإنقاذ الأبناء ووضع الحجج لهم وكأنهم بذلك يعطون الرخصة والصلاحية لهم في تبرير أكاذيبهم.
عادة يرتبط إجبار الأبناء على الكذب بعدة سلبيات غير سوية وخاطئة في التنشئة السلوكية والأخلاقية، والتي تتمثل في اتسام شخصية الطفل بـ"الكاذب" بعدة صور مختلفة، منها:
• يطبق الأبناء ما اكتسبوه من الوالدين للتهرب من الأمور البسيطة من خلال خلق الأكاذيب المزيفة المحملة بالأعذار لإنقاذ أنفسهم.
• تعويد الأطفال على الكذب، وخاصةً بالإجبار، يخلق في نفسية الطفل عدائية تتسم في صفاته الشخصية لتندمج مع الكذب، فيكون بصورة لاشعورية الكذاب المتنمر الذي يسعى لاستخدام الأكاذيب وإجبار الآخرين عليها بهدف تلبية رغباته وتحقيق الفوز.
• ما بين الكذب الأبيض والكذب الإجباري، يخرج الأبناء بتصريح إباحة الكذب الخبيث والكيدي، فينسبون للآخرين تصرفاتهم الخاطئة، ويدعون كيداً على الآخرين لإشباع غريزة غرورهم لا أكثر أو للانتقام.
• سنعكس هنا مقولة: "الطبع يغلب التطبع"، لتصبح "التطبع يغلب الطبع"، فالطفل يمتص كل ما هو مكتسب من أسرته، وقد يطغى على طبعه وليس من سجيته، وأول ذلك يأتي من باب التقليد كأن يأمر الطفل أخيه بالكذب قائلاً: "أمي جعلتني أكذب ولم تعاقبني، فإن كذبت لن تعاقبك أنت أيضاً".
• من أخطر الأضرار وأشدها وتنتج بسبب الإجبار على الكذب إصابة الطفل بالكذب المرضي، ليكون كذاباً لا شعورياً وخارجاً عن إرادته.
• عدم الثقة في الوالدين.
• خلق شخصية تتسم بالعدوانية والحيلة في الكثير من الأوقات.


نصائح تربوية لـ"محو" الكذب من قاموس الأبناء
أجابت على سؤال تم طرحه من أحد القراء، وهو: كيف تتعامل الأم مع طفلها بعد شروعها في خلق "كذاب صغير" بسبب التصرفات الغير محسوبة؟ حيث قالت: هذا ما يجب أن تسأله الأم لنفسها لتتمكن من تقويم سلوكها وسلوك طفلها كذلك، وذلك من خلال النصائح التالية:
• الاعتراف بالخطأ: الرجوع إلى الحق يعني الاعتراف بالخطأ، وهو بداية الإصلاح والمصداقية بين الوالدين والأبناء بأن يصرحا بأنهما ارتكبا خطأ في إجبار الطفل في ذلك الموقف على الكذب معتذرين له، ليشعر الطفل بالثقة والمصداقية، وينمى لديه حس الاعتراف بالخطأ دون تزييف أو تحايل.
• تعزيز قيمة الصدق: يفقد الطفل الكثير من مفهوم الصدق، لذا على الوالدين تعزيز قيمته من الجانب الأخلاقي والديني بالدرجة الأولى، والتأكيد على أن المسلم الحق الصادق لا توجد لديه صفات المنافق، وذلك من خلال سرد القصص التي تتمحور حول الصدق وأجره وثوابه وفضائله التي تعود على صاحبه.
• وضع العقاب: البعد التام عن مسامحة الطفل عند الكذب بسبب شعور الوالدين بخطئهما، على العكس يجب فرض عقاب مناسب إذا غير الحقيقة، ومسامحته في حالة واحدة فقط إذا اعترف بكذبه واعتذر عنه على أن يتم التأكيد أنه سيتعرض للعقاب إن تم تكرار ذلك.
• المكافأة والتشجيع: لتعزيز السلوك الإيجابي عند الطفل، يجب مكافأته والثناء عليه بكلمات التشجيع عند اعترافه بالحقيقة، واتباع السلوك الصادق الأمين لكي يرى النتيجة الإيجابية ويعيشها بالفعل ويستمتع بلذة ما حققه.