السعودي الكفيف محمد سعد: درّبت شجون الهاجري لأداء دور الكفيفة وهذه المغالطات في الدراما تسيء إلى المكفوفين

محمد سعد يدرّب شجون الهاجري على حمل العصا
من مسلسل "سامحني خطيت"
من مسلسل "سامحني خطيت"
من مسلسل "سامحني خطيت"
من مسلسل "سامحني خطيت"
محمد سعد يدرّب شجون الهاجري
من مسلسل "سامحني خطيت"
المخرج عيسى ذياب
مسلسل سامحني خطيت
شجون في سامحني خطيت
من مسلسل "سامحني خطيت"
12 صور

يعتبر الشاب السعودي محمد سعد الذي فقد بصره بعد أسبوع من ولادته بسبب خطأ طبّي، أنّ هذا الخطأ كان أجمل ما حصل معه رغم أنّه قد تسبّب بالألم لعائلته، لأنّ حياته بات لها معنى مختلفاً، بعد أن أصبح الملهم لمكفوفين تعلّموا من إصراره أن لا شيء مستحيل أمام الإرادة والطموح.
سعد الذي يسعى إلى كسر الصورة النمطيّة السائدة عن المكفوفين، قام بالتواصل مع فريق عمل مسلسل "سامحني خطيت"، الذي تلعب بطولته الممثلة الكويتية شجون الهاجري، وطلب أن يمنحوه فرصة إجراء تعديل على السيناريو بما لا يساهم في تعزيز الصورة النمطية عن المكفوفين وكان له ما أراد.
درّب الهاجري على أداء دور الكفيفة، في مسلسلٍ قد يكون نقطة بداية في الدراما العربية للإضاءة على حقيقة أنّ المكفوفين ليسوا أشخاصاً فاقدي للأهليّة، غارقين في السواد.
"سيدتي" التقت بمحمد سعد الذي تحدّث عن أبرز المغالطات التي تقع فيها الدراما العربية فيما يتعلّق بالمكفوفين وعن سبل إصلاحها.


-من خلال تواصلك مع فريق عمل مسلسل "سامحني خطيت"، أردت تصحيح مغالطات تقع فيها الأعمال الدراميّة العربيّة عن المكفوفين، ما أبرز هذه المغالطات؟
في البداية أودّ أن أشيد بتعاون فريق العمل معي، خصوصاً أنّه كان لديّ محاولات سابقة مع أشخاصٍ لم يكونوا متعاونين، ليس سهلاً أن تطلبي من شخصٍ لا يعرفك أن يعطيك سيناريو مسلسل كامل لتقرأيه وتعدّلي عليه، ليس سهلاً على أي مؤلّف أن يكشف عن السيناريو، لذا أثمّن تعاون فريق العمل معي إذ سلّمني السيناريو كاملاً لأتمكّن من وضع التعديلات على شخصية البطلة وحركاتها وطريقة تفاعلها مع المحيطين بها وتعاملها مع العمى. بمعنى أنه لم يكن تعديلاً في أحداث السيناريو.
(يتابع) ثمة أخطاء كثيرة تقع فيها الأعمال الدرامية، أوّلها خطأ أساسي وهو أنّ الكفيف يسير وهو يضع يديه أمامه كأنّه زومبي. هذا الأمر خاطىء وبشع جداً. الأمر الثاني، أنّ الكفيف غير قادر على استقبال اتصالاته ورسائله، وأنّ هناك من يستقبلها عنه، وهذا أمرٌ مجافٍ للواقع، إذ أنّ الكفيف يستخدم هاتفه بصورة طبيعية بواسطة قارئة الشاشة.
من الأخطاء التي تقع فيها الدراما أيضاً أنّ الكفيف يرى في منامه صوراً بشكلٍ مموّه، وهو أمر مخالف للواقع، إذ أنّ حلم الكفيف يشبه واقعه، أنا مثلاً عندما أحلم حلمي يشبه واقعي تماماً، بمعنى أنّني أستمع إلى الأصوات أشعر باللمس أشمّ الروائح، لكنّي لا أشاهد صوراً. الحلم هو استحضار لصورٍ مختزنة في المخيّلة، وإذا كان الكفيف لا يعرف ما هو البصر، فكيف سيشاهد صوراً في منامه؟
والخطأ الأهم هو أنّ الكفيف يرى لوناً أسوداً، وهذا أمر خاطىء وحزين ودراماتيكي.


-ماذا يرى الكفيف إذاً؟
المبصر عندما يغمض عينيه، يرى السواد لأنّه عبر إغماض عينيه يكون قد حجب عنهما النور. في الدراما، يصوّرون الكفيف على أنّه يعيش في الظلام لإضفاء عنصر الدراما على العمل، إلا أنّهم يساهمون بنقل صورة سلبيّة عن الكفيف إلى الناس. من يرى السواد هو من يكون لديه عصب بصري لا يزال يعمل بينما تعاني عينه من مشكلة تعيقها عن العمل، أما الناس الذين ولدوا كفيفين، أو أصيبوا بفقدان البصر بسبب مشكلة تتعلق بالعصب البصري لا يرون السواد بل يرون الضوء. عيوننا شغالة نسبياً، كبصر نحن لا نبصر سوى النور. كثيرون أعرفهم لا يرون سواداً لأنّهم فقدوا بصرهم منذ الولادة.
(يسأل محمد صديقه الكفيف الذي كان بجواره) عبد الله هل ترى سواداً؟
يجيب عبد الله: بل أرى ضوءاَ.

(يستطرد محمد) بالنسبة للمصابين بالعمى منذ الولادة أو الذين يعانون من مشاكل في العصب البصري، كثيرون منهم يرون سواداً، لكن بعضهم إذا كان العصب البصري ومركز الإبصار تالفاً تمامًا قد لا يرى حتى الضوء، ولكنه أيضًا لا يرى السواد، من الصعب أن نشرح لكم هذه المعادلة.

-ما هي الرسالة التي تريد إيصالها من خلال تصحيح الصورة الشائعة عن المكفوفين؟
هناك أمور خاطئة، عندما تجتمع تعكس صورة سلبيّة عن المكفوفين. في الدراما العربيّة، غالباً ما يلجأ المؤلف إلى كاركتير الكفيف ليعطي مسحة دراميّة، فيتحمّس زيادة عن اللزوم، ويجنح إلى المبالغة، والناس في العادة تأخذ فكرتها عن الكفيف من هذه المسلسلات. لذا أحببت أن أغيّر هذه الصّورة النمطيّة، فنسّقت مع فريق عمل "سامحني خطيت"، وقابلت المخرج والممثلة شجون الهاجري، ودرّبتها على استخدام العصا بشكلٍ صحيح سترونه في حال أجادت استخدامها في المسلسل، وهنا أشيد بحماسة شجون عندما قمت بتدريبها ولا أنسى عندما أمسكت العصا وهمست في أذني بلهجة كويتية "أنا عمياء".

-غالبية الأفلام والمسلسلات العربيّة تصوّر الكفيف على أنّه شخصٌ كئيب غارق في السواد، هل يعكس هذا الأمر واقع الكفيف فعلاً؟
لا أبداً، الكفيف ليس بالضرورة شخصاً كئيباً. وأنا هنا أدعوكم لمشاهدة حلقة برنامجي الكوميدي "عالعمياني" الذي قدّمته على اليوتيوب، وكتبت عنه وسائل إعلام عالميّة، كان شيئاً غريباً وصادماً للمجتمع، كما أنّ اسم البرنامج شكّل صدمة. لا مشكلة لديّ مع فقدان النظر، ولا أعتبره ضعفاً، لذا أحاول أن أعالج القضايا بطريقة كوميديّة، لأوصل رسالة للمؤلف أنّك إذا أردت أن تضفي مسحةً دراميّة على أعمالك، فينبغي ألا تكون هذه المسحة على حسابنا.



-هل تنطبق صورة السوداوية على الشخص الذي يكون مبصراً ويفقد بصره لاحقاً لا على المكفوفين منذ الولادة؟
أعرف سيّدة فقدت بصرها على كبر، ولا تزال ترسم وتنظّم معارض، كما أنّها ناشطة على "تويتر". أحياناً يكون طبع الشخص سلبياً، فيبحث عن أي حجّة ليبرّر سلبيّته وعن أي مشكلة ليجعل منها شمّاعة يعلّق سلبيّته عليها. بالنهاية على كل منّا أنّ يتقبّل فكرة أنّ هذه حياته ولا أحد سيعيشها غيره، يعود الأمر إلى الشّخص وتقبّل من حوله لوضعه، لو كان محيطي يتعامل معي بسلبيّة ربّما لكنت سلبياً، لكنّ أنا شخصياً لا أريد أن أضيّع يوماً في حياتي بالزعل.

-في الدراما العربيّة الكفيف معوّق يحتاج إلى الاعتماد الكلّي على الآخرين، هل تسعى لدحض هذه الصورة النمطيّة؟
أنا شخصياً أعيش لوحدي في شقّة منفصلة، أطبخ وأقوم بتصوير طبخاتي وتحميلها على اليوتيوب. وهذا الأمر ليس بطولة، بل هو أمرٌ عاديً، ونحن نحاول أن نظهر للناس أنّ هذا الأمر الذي تستغربونه هو أمر طبيعي. أنا شخص أعيش بحرية، أسافر وحدي، وقد سافرت مؤخراً إلى الولايات المتّحدة الأميركية، وقمت بجولة كاملة وكنت أسافر من ولاية إلى أخرى وحدي، وقدّمت عروضاً عبارة عن ملخّص تجربتي حول الأمور التي كنت أحلم بها وتحتاج إلى نظر ونجحت فيها رغم أنّني كفيف، كنت أريد أن أوصل فكرة مفادها أنّه بإيمانك وإصرارك على تحقيق طموحاتك لا شيء مستحيل.



-ما هي الأمور التي تحتاج إلى بصر ونجحت فيها؟
التصوير مثلاً، أنا مغرم بالتصوير الفوتوغرافي وأبرع فيه، بإمكاني أن أحدّد مكان الشخص الذي يجلس أمامي من صوته وأضبط موبايلي وألتقط صورة له بدون أن يعيقني حاجز البصر. الناس يعتمدون على البصر بنسبة مئة في المئة ويعتبرونه كل شيء، بينما هو مجرّد حاسّة من خمس حواس.

-إلى ماذا يحتاج مجتمعنا ليتثقّف أكثر حول وضع الكفيف؟
أنا شخصياً أقوم بجهد في هذا الإطار، لكنّي لست نموذجاً يعمّم لأنّي درست وتعلّمت، بينما ثمّة مكفوفين لم يرسلهم أهاليهم إلى المدرسة، واعتبروا أنّ وجودهم خارج البيت لا جدوى منه، وأنّهم الأقدر على الاعتناء به، أعرف فتاةً عمرها 30 عاماً تجلس في بيتها لم تتعلّم ولا تعمل لأنّ عائلتها رأت أنّ مكانها الطبيعي في المنزل. أنا شخصياً، رغم كل المهارات التي اكتسبتها عندما قرّرت أن أغادر منزل أهلي جوبهت بمعارضةٍ شديدةٍ، كانوا خائفين من استقلاليتي ولم يكونوا مقتنعين بأنّي أستطيع الاعتماد على نفسي كلياً. اليوم الوضع اختلف تماماً، فإذا سألتِ أهلي عنّي قد يكون جوابهم "لا ندري، اتصلوا به قد يكون في دبي أو بيروت أو أميركا". أعرف أنّ المجتمع غير مهيّء للتعامل مع المكفوفين، لكنّ ثمّة مكفوفين اتكاليين، وهنا أتساءل لماذا لم يقم أي مكفوف من قبلي بمحاولة تغيير الفكرة السائدة عن المكفوفين في المسلسلات العربية؟ واجبنا أن نقوم بتغيير هذه الصورة النمطيّة، والأمر لا يقوم به شخص لوحده، فإذا لم تشاهدي عشرين مكفوفاً يكسرون الصورة النمطية، لن تتغيّر تلك الصورة في رأسك.

-من هو محمد سعد؟ كيف تعرّف عن نفسك؟
أنا محمد سعد، ناشط اجتماعي سعودي، ومدرّب تقنّي للمكفوفين، لم أولد كفيفاً، بل فقدت بصري بعد أسبوع من ولادتي بسبب خطأ طبّي غير مقصود، وأعتقد أنّه كان أجمل خطأ طبّي لأنّي أشعر اليوم أنّ حياتي لها معنى وقيمة، أنّني أتكلّم باسم أشخاص أحاول أن أساعدهم، أنمّيهم. أعرف أشخاصاً كانوا غير اجتماعيين واليوم تغلّبوا على عزلتهم. لا أقول أنّ لي فضلاً عليهم، لا أحد له فضل سوى الله الذي أعطاني نعمة لأساعد الناس. أنا سعيد بالخطأ الطبّي رغم أنّه تسبّب بالألم لأهلي، لأنّه أعطاني حافزاً لأكون عاملاً إيجابياً في حياة الكثيرين.