mena-gmtdmp

السعوديتان نجاة عبدالرزاق وشهد نجم: وصفات "أنتي" تطبخ بالحب والذكريات والضحك 

في زمنٍ، تتسارعُ فيه التغيُّرات، وتزدادُ الفجواتُ بين الأجيال، يبرزُ نموذجٌ إنساني جميلٌ، يجمعُ بين الحكمةِ والحداثة، بين دفءِ التقاليدِ ونبضِ الحاضر. في هذا الحوار، نطلُّ على تجربةٍ فريدةٍ بين جدَّةٍ، تُدعى «أنتي»، نجاة عبدالرزاق، وحفيدتها شهد نجم، ونلقي الضوءَ على علاقةٍ عائليَّةٍ حميمةٍ، تحوَّلت إلى مشروعٍ مشتركٍ، يحملُ رسالةً ساميةً: إحياءُ التراثِ السعودي، ومشاركته بأسلوبٍ عصري عبر وسائلِ التواصل.

أنتي، التي عاشت بين مكة المكرَّمة وأمريكا، تمزجُ في وصفاتها بين نكهاتِ الذكرياتِ، وخبراتِ السنين، أمَّا شهد، التي نشأت في كنفِ الجدَّةِ الملهمة، فتنقلُ هذه التجربةَ إلى جمهورٍ شابٍّ، يتوقُ للتواصلِ مع جذوره دون التخلِّي عن حداثته. في هذا اللقاءِ، نتنقَّلُ بسلاسةٍ بين صوتَي الجدَّةِ والحفيدة، فنسمعُ رواياتِ الطبخ، وضحكاتِ المطبخ، والمواقفَ الطريفةَ، والحكمَ المتبادلة.. لنكتشفَ معاً كيف يمكن للتراثِ أن يُروى بلغةِ الحاضر، وكيف يمكن للحنينِ أن يصبحَ مشروعاً مُلهماً.
 

تصوير : لينا مو 

نجاة عبدالرزاق وشهد نجم

نجاة عبدالرزاق وشهد نجم



مَن هي «أنتي» Annati ، وكيف تُقدِّم نفسها للقرَّاء؟

أنتي: أنا نجاة عبدالرزاق عبدالمجيد، وُلِدتُ، ونشأتُ في مكة المكرَّمة. لقبي على السوشال ميديا «أنتي»، وعن حياتي، فأقولُ: لقد عشتُ فترةً طويلةً في الولايات المتَّحدة مع عائلتي، وربَّيتُ أبنائي وأحفادي في بيئةٍ، تحافظُ على التقاليدِ، والثقافةِ السعوديَّة. أشارك الآن وصفاتي التراثيَّةَ، وتجاربي الحياتيَّةَ عبر وسائلِ التواصلِ الاجتماعي، وأفتخرُ بكوني جدَّةً لحفيدتي شهد التي أشاركها رحلتي الإبداعيَّة. أهدفُ إلى إلهامِ الجيلِ الجديدِ للحفاظِ على تراثنا من خلال الطبخِ والقصص.

شهد: أنا شهد نجيم، أعملُ مديرةً للاستدامةِ في شركةِ الدباغ، وعضوةٌ في عددٍ من مجالسِ الإدارة. أعتزُّ بلقبِ «حفيدة أنتي»، إذ أراه من أهمِّ إنجازاتي. نشأتُ مع جدَّتي، وأشاركها شغفَها بالتراثِ السعودي بأسلوبٍ عصري. الظهورُ في مجلَّةِ «سيدتي» التي أستمتعُ بقراءتها منذ صغري شرفٌ كبيرٌ بالنسبةِ لي.

مواقع التواصل

كيف بدأتِ رحلتكِ في مشاركةِ وصفاتكِ وتجاربكِ على Instagram وTikTok؟ وهل كنتِ تتوقَّعين النجاح؟

أنتي: بدأتُ رحلتي في الولايات المتَّحدة حيث كنت أحرصُ على إحياءِ التقاليدِ السعوديَّة من خلال الطبخِ مع عائلتي، والعائلاتِ المحيطة. كنا نجتمعُ في المناسباتِ لتحضيرِ أطباقٍ مثل الأرزِّ البخاري، والملوخيَّة، ما عزَّز ارتباطنا بثقافتنا. عندما عدتُ إلى السعوديَّة، شجَّعني أبنائي على توثيقِ وصفاتي عبر إنستجرام، وتيك توك. في البدايةِ، لم أكن متحمِّسةً لفكرةِ التصوير، لكنَّني تالياً، بدأتُ بمقاطعَ بسيطةٍ بهدفِ إفادةِ الجيلِ الجديد. لم أتوقَّع النجاحَ الكبير الذي حقَّقته، وألهمني تفاعلُ المتابعين، وطلبهم وصفاتٍ جديدةً للاستمرار. شعرتُ بسعادةٍ غامرةٍ عندما رأيتُ الكثيرين يستفيدون، ويسترجعون ذكرياتهم العائليَّةَ من خلال وصفاتي.

شهد: خلال جائحةِ كورونا، كنت أعملُ في الرياض، وأزورُ جدَّتي كلَّ أسبوعٍ. طلبتُ منها تعليمي الأكلاتِ السعوديَّة، فأنا، مع أنني ماهرةٌ في تحضيرِ أطباقٍ عالميَّةٍ مثل الباستا، شعرتُ بأنني في حاجةٍ إلى تعلُّمِ أكلاتٍ من تراثنا. هنا، اقترحت والدتي تصويرَ مقاطعِ فيديو بدلاً من كتابةِ الوصفاتِ بسببِ ضيقِ الوقت، والحمد لله أوَّلُ فيديو كان ممتعاً حيث كنت أسألُ جدَّتي عن طريقةِ تحضيرِ الأرزِّ والفاصولياء. قرَّرنا بعدها مشاركةَ هذه التجاربِ مع الجمهور، لنُظهِرَ أن الشبابَ قادرون على تعلُّمِ التقاليدِ بأسلوبٍ، يناسبُ حياتهم العصريَّة.

الجدة والحفيدة تناغم الأجيال

حفيدتكِ شريكتكِ في التصويرِ والإبداعِ، كيف بدأ هذا التعاونُ بينكما، وما الذي يجعله مميَّزاً؟

أنتي: تعاوني مع شهد، بدأ بشكلٍ عفوي. منذ صغرها، كانت تُرافقني بالمطبخِ في الولايات المتَّحدة. نتعلَّمُ، ونطبخُ معاً مع الحفاظِ على التقاليدِ السعوديَّة. عندما قرَّرنا التصويرَ لوسائلِ التواصل، كانت شهد الدافعَ الأكبر، إذ شجَّعتني قائلةً: «جدَّتي، خبرتكِ رائعةٌ، فلنشاركها». هي تساعدني في التصويرِ، واقتراحِ الأفكارِ بينما أقدِّمُ الوصفاتِ التقليديَّة. ما يجعلُ تعاوننا مميَّزاً، هو تكاملنا: خبرتي التقليديَّةُ مع طاقتها العصريَّة. علاقتنا القويَّةُ، والمملوءةُ بالحبِّ والضحك، تنعكسُ في فيديوهاتنا، ويحبُّ المتابعون الروحَ العائليَّةَ التي تُظهِرُ أن التقاليدَ، يمكن أن تتماشى مع الحياةِ الحديثة.

شهد: تربَّيتُ في منزلِ جدتي، فكانت علاقتنا وثيقةً منذ البداية. كنت أرشدها في السيارةِ قبل وجودِ تطبيقاتِ الخرائط، وهذا يعكسُ قربنا. تعاوننا ناجحٌ، لأنني أتعلَّمُ من خبرتها بينما أضيفُ لمسةً عصريَّةً للمحتوى. تحدِّي تعلُّمِ الأكلاتِ السعوديَّةِ مثل المقادير «بالعين»، كان ممتعاً على الرغمِ من صعوبته في البداية، وهذا التكاملُ بين خبرتها، وطاقتي، يجعلُ فيديوهاتنا ملهمةً وجذَّابةً.

ما رأيك بالتعرف أيضًا على صانعة المحتوى يارا بو منصف

 

«تعلمت من جدتي البساطة والترابط الأسري، وكيفية تطويع خبراتها لتناسب عصرنا»
شهد نجم

 


الفائدة تعم الجميع

نجاة عبدالرزاق وشهد نجم


ما الذي يدفعكِ يومياً لمشاركةِ محتوى جديدٍ مع جمهوركِ؟

أنتي: يُحفِّزني شعوري بإفادةِ الناس. تعليقاتُ المتابعين عن نجاحِ الوصفات، أو تذكُّرهم ذكرياتٍ عائليَّةً من خلالها، تُدفئ قلبي. تعاوني مع شهد، يمنحني طاقةً متجدِّدةً، وأفكارها العصريَّة، تُشجِّعني على الاستمرار. أرى أن المحتوى رسالةٌ لدمجِ التراثِ مع الحداثة، وهذا يدفعني لتقديمِ المزيد.

شهد: أفرحُ عندما يرى المتابعون فيديوهاتنا، ويشعرون بالحنينِ لعائلاتهم. نسعى إلى تقديمِ محتوى إيجابي، يزرعُ السعادةَ، ويُذكِّر الناسَ بالروابطِ العائليَّة، خاصَّةً في أوقاتٍ قد تكون الأخبارُ فيها محبطةً.

كيف ترين دورَ التكنولوجيا التي تُتقنها حفيدتكِ في إيصالِ خبراتِ جيلكِ إلى آلاف المتابعين؟

أنتي: التكنولوجيا مثل إنستجرام، وتيك توك، فتحت آفاقاً واسعةً. بدلاً من تعليمِ عائلتي فقط، أصبحتُ أشارك خبراتي مع آلافِ المتابعين. شهد تجيدُ استخدامَ هذه المنصَّاتِ بأسلوبٍ، يجذبُ الشباب، ما يجعلُ التراثَ السعودي متاحاً لجيلٍ قد لا يجدُ وقتاً لتعلُّمه بالطرقِ التقليديَّة.

شهد: التكنولوجيا وسيلةٌ لنقلِ الدروسِ بسرعةٍ، وأسلوبٍ عصري. نصائحُ جدَّتي عن الطبخِ، والحياةِ، تصلُ للجمهورِ بطريقةٍ، تجمعُ بين التراثِ والحداثة، ما يجعلها مُلهمةً، وسهلةَ الفهم.

ما أكثرُ ما تستمتعين به عند استخدامكِ وسائلَ التواصلِ الاجتماعي سواء في الطبخِ، أو سردِ القصص؟

أنتي: أستمتعُ بالتفاعلِ مع المتابعين، وتعليقاتهم التي تُعبِّر عن استفادتهم، أو ذكرياتهم. الطبخُ بالنسبةِ لي وسيلةٌ للتعبيرِ عن الحبِّ، وسردُ قصصِ حياتي، ينقلُ رسالةً للشبابِ للحفاظ على تقاليدهم. التصويرُ مع شهد مليءٌ بالضحك، ما يُضفي متعةً خاصَّةً على التجربة.

شهد: أحبُّ اللحظاتِ العفويَّةَ مع جدَّتي أثناء التصوير، والتفاعلَ الذي يُظهِرُ الروحَ العائليَّة. مشاركةُ هذه التجارب، تجعلني أشعرُ بقربٍ من المتابعين.

ما أكثرُ لحظةٍ ممتعةٍ قضيتِها مع حفيدتكِ أثناء تحضيرِ الوصفاتِ، أو تصويرِ مقطعِ فيديو، وهل لديكِ قِصَّةٌ طريفةٌ؟

أنتي: أثناء تصويرِ وصفةِ الأرزِّ البخاري، أضافت شهد كميَّةً كبيرةً من البقدونس حتى بدا الطبقُ مثل غابةٍ خضراءَ! ضحكنا كثيراً، وهي تحاولُ تدارك الموقفِ قائلةً: «هذا أسلوبٌ جديدٌ!». فقلتُ: «هل هذا أرزٌّ أم سلطةٌ؟». هذه اللحظةُ العفويَّة أحبَّها المتابعون لروحها المرحة.

شهد: أتذكَّرُ المرَّةَ الأولى التي حشوتُ دجاجةً فيها. كنت متردِّدةً، وأقولُ: «كيف أضعُ يدي داخلها؟». ضحكنا كثيراً، وجدَّتي تقولُ: «دلِّعيها هكذا!». كانت لحظةً لا تُنسى.

ما رأيك بالاطلاع على لقاء سابق مع المذيعة السعودية هاجر عبدالله

 

«سعادتي لا توصف عندما يستفيد كل من حولي من خبرتي في إدخال المطبخ التقليدي مع العصري»
نجاة عبدالرزاق

 


الحفاظ على التراث

نجاة عبدالرزاق


وصفاتكِ التراثيَّةُ والتقليديَّةُ، تحمل طابعاً مميَّزاً، ما سرُّ النكهاتِ الشهيَّة، وهل هي وصفاتٌ عائليَّةٌ موروثةٌ؟

أنتي: السرُّ في الحبِّ، والذكرياتِ التي أضعها في كلِّ طبقٍ. الوصفاتُ موروثةٌ من والدتي وجدَّتي، مع لمستي الخاصَّةِ من خبرتي في أمريكا والسعوديَّة. استخدامُ البهاراتِ الطازجة، والمقاديرِ الدقيقةِ مع الطهي بفرحٍ، يُضفي طعماً مميَّزاً. الوصفةُ ليست مجرَّد مكوِّناتٍ، هي قِصَّةٌ وذكرى أيضاً.

هل تعتقدين أن حفيدتكِ اكتسبت حكمةً، أو عاداتٍ من جيلكِ، لم تكن تعرفها قبل تعاونكما؟

أنتي: نعم. شهد اكتسبت حكمةً من خلال تواصلنا اليومي. التجاربُ المشتركةُ علَّمتها قيماً وتقاليدَ، لا تظهرُ في الكتب، ما طوَّر نظرتها للحياة.

شهد: عشتُ مع جدَّتي منذ صغري، فلم أشعر بفجوةٍ بيننا. تعلَّمتُ منها البساطةَ، والترابطَ الأسري، وكيفيَّةَ تطويعِ خبراتها لتناسبَ عصرنا.

ما أطرفُ اختلافٍ في وجهاتِ النظرِ بينكِ وبين حفيدتكِ، ظهر أثناء العمل معاً سواء في المطبخِ، أو في الحياةِ ككلٍّ؟

أنتي: شهد، تحبُّ الطرقَ الحديثةَ مثل الخلَّاطِ الكهربائي بينما أؤمنُ بالطهي اليدوي. نمزحُ حول هذا الجانب، ونجمعُ بين الطريقتَين، لنحصلَ على طبقٍ مميَّزٍ.

شهد: كنت أطالبُ بمقاديرَ دقيقةٍ، لكنَّ جدَّتي، تعتمدُ على «العين». تعلَّمتُ طريقتها بعد محاولاتٍ مملوءةٍ بالضحك.

ما النصيحةُ التي تقدِّمينها للجدَّاتِ اللاتي يرغبن في التواصلِ مع أحفادهن من جيلِ الشبابِ بناءً على تجربتكِ؟

أنتي: كوني طبيعيَّةً، وبسيطةً، واتركي المجالَ للأحفادِ للتعبيرِ عن أنفسهم. افهمي ظروفهم، وكوني مستمعةً من القلبِ دون تدخُّلٍ زائدٍ.
بشكلٍ عامٍّ، ومن خلال ملاحظتي، الطلاقُ في السابقِ، كان نادراً، وكانت العائلاتُ متماسكةً، لكنْ اليوم، تواجه الأجيالُ تحدِّياتٍ جديدةً. أنصحُ الأزواجَ والشبابَ بأن يتحلُّوا بالصبر، ويُحافظوا على العائلةِ بكلِّ أفرادها، ومنهم الأجداد، فالحياةُ الزوجيَّةُ، تحتاج إلى تنازلاتٍ متبادلةٍ. لا يمكن أن ينتهي كلُّ خلافٍ بالانفصال، خاصَّةً إذا كان هناك أطفالٌ، فهم لا ذنبَ لهم. الحياةُ، تحتاجُ إلى «صبرِ أيوب»، ومع الوقتِ، يفهمُ كلُّ طرفٍ الطرفَ الآخر، وتستمرُّ الحياةُ بانسجامٍ.
شهد: أرى أن الجدَّاتِ نعمةٌ لا تُعوَّض، ويمتلكن خبراتٍ جديرةً بالاهتمامِ بها.
يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط