تبرزُ الشيفُ البحرينيَّةُ العالميَّةُ تاله بشمي في مجالِ الطبخِ عبر مذاقاتٍ فريدةٍ، يمكن وصفها بـ «نبضٍ متجدِّدٍ في المطبخِ الخليجي»، إذ تمزجُ ذاكرةَ النكهاتِ بروحٍ عصريَّةٍ، وتتقنُ تفاصيلَ ما تفعله بمهارةٍ، تحملُ أصداءَ العالم. ولمناسبة الاحتفال باليوم الوطني البحريني في 16 ديسمبر، رافقت «سيدتي» تاله في رحلةٍ إلى الذاكرة، لتتكشّف مسيرتها التي شكّلت بصمةً خاصة في عالم الطهو. فعلى مائدتها، تستيقظُ الحواسُّ من التقاليد، وتستلهمُ أصالةَ الطعم، ومن فنونِ الحياة، تمنحُ الأطباقَ لمسة، تُبهِجُ العين، وكأنَّها جرعاتُ فرحٍ منكَّهةٍ بذاكرةٍ بحرينيَّةٍ أصيلةٍ.
حوار | لمى الشثري Lama AlShethry
المديرة الإبداعية ومنسّقة الأزياء | جايد شيلتون Jade Chilton
تصوير | ميشال تقلا Michel Takla
مكياج | ميشال كيواركيس Michel Kiwarkis، لدى MMG
شعر | إيفان كوز Ivan Kuz
إنتاج | إيتشو دوكاو Icho Ducao
مساعدة منسّقة الأزياء | روثييل برناردو Ruthiel Bernardo
موقع التصوير | دبي The Meld Concept
الشيف تاله بشمي

بنطلون من سيمون روشا Simone Rocha
القطعتان متوافرتان لدى THAT Concept Store
جزمة من جيل ساندر Jil Sander
في طفولتها، انطلقت الحكايةُ، وبأسرارِ الوصفاتِ القديمة، تمتدُّ مسيرةٌ، لا تعرفُ حدوداً للشيف تاله، التي حملت شغفها إلى Culinary Arts Academy Switzerland، ثم صقلت حسَّها بين مطابخِ Grand Hotel Les Trois Rois، و restaurant Prisma، كما قادت في 2020 مطعــمَ Fusions by Tala، لتحوِّله إلى محطَّةٍ مضيئةٍ عبر حجزِ مكانٍ ثلاثَ مرَّاتٍ متتالية بين العشرةِ الأوائل في MENA’s 50 Best Restaurants قبل أن تُغادره نهايةَ 2024.
وضمن محطَّاتِ رحلتها كذلك، لمعَ حضورها في Top Chef Middle East، وتزيَّنت مسيرتُها بأوسمةٍ، تشهدُ على فرادتها من Middle East & North Africa Best Female Chef عامَ 2022، مروراً بجائزةِ Rising Star في 2023، و Three Knives في العامِ التالي، في عام 2024، تم تعيينها Gastronomy Ambassador من قِبل منظمة الأمم المتحدة للسياحة. ووصولاً إلى Estrella Damm N.A. Chefs’ Choice Award، وهو تكريمٌ كبيرٌ، يحملُ قيمةً خاصَّةً لها، إذ يأتي من قلوبِ زملاءِ المهنة، ويضعُ على عاتقها مسؤوليَّةَ مواصلةِ رفعِ اسمِ وطنها البحرين. وعلى الرغمِ مما تقدَّم من نجاحاتٍ إلا أن هناك ما هو أعمقُ من ذلك: الرسالةُ التي تحملها تاله بإعادةِ اكتشافِ الوصفاتِ البحرينيَّةِ التي كادت أن تُنسى، تلك الأكلاتُ التي لا يعرفها الجيلُ الجديدُ إلا من ذاكرةِ الجدَّات حتى شكَّل عالمُ الطهي بالنسبةِ لها لغةً، تُعبِّر بها عن ذاتها، ليتحوَّلَ مع الوقتِ هذا الشغفُ إلى رغبةٍ في فهمِ جذورِ المكوِّنات، وكيف يمكن للذكرياتِ أن تُترجَم إلى أطباقٍ، تحملُ روحَ المكانِ والإنسان. ولعلَّ أهمَّ ما يُميِّز مسيرةَ تاله انفتاحُها على العالمِ بكلِّ حواسها، فهي تجوبُ الأرجاء، وتتذوَّقُ، وتعيدُ صياغةَ الأطباقِ برهافةِ أناملها. أمَّا إلهامُها الأوَّلُ، فهو البحرين، فمن بهاراتِ سوقِ المحرّق القديمة إلى نكهاتِ البحرِ والموالح، وحتى قصصِ الأهلِ، والموروثِ الشعبي، تعدُّ بلادها، بكلِّ نكهاتها، طبقاتٍ من ذاكرةٍ حيَّةٍ بالنسبةِ لها. واليوم، تفتحُ بشمي نافذةً عالميَّةً على أسرارِ النجاح في مهنةٍ لطالما كانت حِكراً على الرجال، وتُشارك قرَّاء «سيدتي» طريقتَها في إيصالِ مذاقاتِ بلادها إلى العالميَّة، تزامناً مع الاحتفال بـ «اليوم الوطني البحريني».
ما رأيك بالاطلاع على لقاء سابق مع المعمارية اللبنانية الفرنسية لينا الغطمة
"البحرين منحتني هويةً وطريقاً ومساحةً للإبداع.. وأحث القرَّاء على الاعتزاز بتراثنا ومشاركة العالم نكهاتنا"

لديكِ مسيرةٌ ملهمةٌ في الطبخ، كيف بدأ شغفكِ بالمجال؟
بدأ شغفي بالطبخِ من البيت، من روائحِ البحرين التي تربَّيتُ عليها، ومن فضولي الدائمِ تُجاه النكهات. لم أكن أرى الطبخَ مهنةً في البدايةِ بقدرِ ما كان لغةً، أُعبِّر بها عن نفسي، ومع الوقتِ، أدركتُ أن لدي رغبةً حقيقيَّةً في فهمِ جذورِ المكوِّنات، وكيف يمكن تحويلُ الذكرياتِ إلى أطباقٍ، تحملُ روحَ المكان والإنسان.
حسبَ النسبِ العالميَّة، يُهيمن الرجالُ الطهاةُ على المجالِ بنحو 80%، في رأيكِ، ما الأسبابُ وراءَ ذلك، وكيف تغلَّبتِ عليها، وأوجدتِ مساحتكِ الخاصَّة؟
التحدِّي الأكبر، هو الصورةُ النمطيَّة، والافتراضُ بأن المطبخَ الاحترافي، يحتاجُ إلى قوَّةٍ جسديَّةٍ أكثر من الإبداعِ والقيادة. تغلَّبتُ على ذلك بالعملِ المتواصل، وبناءِ أسلوبي وهويَّتي، والتمسُّك بصوتي الخاص. عندما تراك الناسُ ناجحاً لكونك لست نسخةً من أحدٍ عندها فقط تبدأ مساحتُك تتَّسعُ تلقائياً.
ماذا عن التحدِّياتِ التي قد تُواجهها المرأةُ العربيَّةُ والخليجيَّةُ في مجالِ الطهي الاحترافي، ما أكثرها حضوراً؟
أبرزُ التحدِّياتِ هنا: التوازنُ بين العملِ المكثَّفِ، والحياةِ الخاصَّة، ومحدوديَّةُ الفرصِ القياديَّةِ تاريخياً، لكنَّ الأبوابَ اليوم، تُفتَحُ أكثر، والجيلُ الجديدُ من الشابَّاتِ، يدخلن المجالَ بثقةٍ أكبر، وهذا يُغيِّر المشهدَ بسرعةٍ.

بنطلون من سي أيتش كارولينا هيريرا CH Carolina Herrera
هناك حِراكٌ في دولِ الخليج لدعمِ الطهي بوصفه ثقافةً محليَّةً، وهو ما تفعله هيئةُ الطهي التابعةُ لوزارةِ الثقافةِ السعوديَّة، ما أهميَّةُ هذه الخطوات؟
هذا التحرُّك مهمٌّ جداً، لأنه يُعيد الاعتبارَ للهويَّةِ الغذائيَّةِ المحليَّة، ويُحوِّل المطبخَ من مفهومٍ منزلي إلى صناعةٍ قادرةٍ على أن تُنافس عالمياً، كما أن هذا الأمر، يخلقُ فرصاً للشباب، ويدعمُ المزارعين، وينقلُ تراثَ المنطقةِ إلى المستقبلِ بشكلٍ واعٍ وحديثٍ.
أنتِ ابنةُ البحرين الغنيَّة بالمذاقاتِ وتعدُّدِ النكهات، ما الذي يُلهِمُ مسيرتَكِ المهنيَّةَ من وطنكِ؟
البحرين، تُلهمني بكلِّ تفاصيلها، من البهاراتِ القديمةِ في سوق المحرّق إلى نكهاتِ الموالحِ والبحر، وحتى قصصِ أهلي، والموروثِ الشعبي. أنا أطبخُ دائماً بروحٍ بحرينيَّةٍ أصيلةٍ حتى عندما تكون التقنيَّةُ عالميَّةً، فالبحرين بالنسبةِ لي، ليست نكهةً واحدةً، وإنما طبقاتٌ من الذكريات.
كيف ترين حضورَ المرأةِ الخليجيَّةِ في عالمِ الطهي؟
اليوم، الحضورُ النسائي أقوى من أي وقتٍ مضى. المرأةُ الخليجيَّة، أثبتت أن لديها حساً عالياً بالهويَّةِ والابتكار، وهي تدخلُ المجالَ بثقةٍ ووعي، وتُعيد تعريفَ ماذا يعني أن تكون شيفاً في منطقتنا.

بنطلون من سي أيتش كارولينا هيريرا CH Carolina Herrera
صندل من جيل ساندر Jil Sander
حدِّثينا عن تجربتكِ خلال الغداءِ الخاصِّ لدارِ أباديا بـ «أسبوعِ الموضة» في الرياض؟
كانت تجربةً جميلةً ومُلهمةً. أحببتُ التعاونَ مع شهد الشهيل، فهي تحملُ رؤيةً، تُشبه رؤيتي باحترامِ الجذور، وتقديمِ شيءٍ حديثٍ وراقٍ. إعدادُ القائمةِ للحدثِ، كان فرصةً لخلقِ حوارٍ بين الموضةِ والطعام، وبين الهويَّة والحداثة، وجاءت الأطباقُ انعكاساً لهذا التلاقي.
حصلتِ على جائزةِ أفضل طاهيةٍ Estrella Damm N.A. Chefs’ Choice Award 2025، ماذا يعني لكِ هذا التكريم؟
التكريمُ، يحملُ قيمةً خاصَّةً، فهو يأتي من زملاءِ المهنة. يعني لي ذلك، أن صوتي، ورؤيتي لهما أهميَّةٌ، وأن ما أقدِّمه من عملٍ صادقٍ، يصلُ إلى قلوبِ الطهاةِ الذين أحترمهم. هذه مسؤوليَّةٌ أيضاً للاستمرارِ في رفعِ اسمِ البحرين.
يمكنك أيضًا التعرف على سيدة الأعمال البحرينية آمال المؤيد
"البحرين تلهمني بكل تفاصيلها من البهارات القديمة في سوق المحرّق إلى نكهات الموالح والبحر وحتى قصص أهلي والموروث الشعبي"

بنطلون من ألكساند وانغ Alexander Wang، متوافر لدى VAO Concept Store
ما أحلامكِ الكبيرة، وما القصصُ التي تُريدين روايتَها من خلال الطهي؟
أحلمُ بأن أخلقَ مدرسةً للنكهةِ الخليجيَّةِ الحديثة، وأن أنقلَ مطبخَ منطقتنا إلى قوائمِ أهمِّ مطاعمِ العالم. أريدُ أن أحكي قصصَ البحرين كلّها، من قصصِ البحرِ والتمرِ والبهاراتِ القديمة إلى قصصِ الناسِ التي تُشكِّل نكهاتُها هويَّتنا.
شغفُكِ بالطهي، كيف تُبقينه مستمراً؟
أتنفَّسُ الإلهامَ من كلِّ شيءٍ حولي، من السفرِ، والمزارعِ، والأسواقِ القديمة، ومن الناسِ أيضاً. كذلك أسمحُ لنفسي بأن أهدأ عندما أحتاجُ إلى ذلك، لأن الإبداع، يتطلَّبُ مساحةً، ليعودَ أقوى.
أي مذاقٍ المفضَّل لديكِ؟
أحبُّ التوازنَ بين الحموضةِ، والملوحةِ، والعمقِ، والنكهاتِ التي تُشبه الخليج: واضحةٌ، صادقةٌ، وحاضرةٌ.

بنطلون من ألكساند وانغ Alexander Wang، متوافر لدى VAO Concept Store
كيف تقضين وقتَكِ خارجَ المطبخ؟
أحبُّ الفنَّ، والرسمَ، والقراءة، كما أستغلُّ وقتي بالوجودِ مع عائلتي وقططي. أجدُ متعةً أيضاً في المشي، والسفرِ، واكتشافِ ثقافاتٍ مختلفةٍ، فهذا يُوسِّع مخيِّلتي بوصفي طاهيةً.
ما نصيحتُكِ للمُقبلين على مهنةِ الطهي من الشبابِ والشابَّات؟
كونوا أصيلين، ولا تُقلِّدوا أحداً. ابحثوا عن صوتكم الخاصِّ، وكونوا صبورين، فهذه مهنةٌ، تحتاجُ إلى الوقتِ والصبر، وتذكَّروا أن الطهي، ليس مجرَّد وصفةٍ، وإنما حكايةٌ، تحملُ روحكم.
ما أسوأ المفاجآتِ التي قد تحصلُ في المطبخ؟
من ذلك تعطُّلُ قطعةِ معدَّاتٍ أساسيَّةٍ خلال الخدمة، أو حين يصلُ مكوِّنٌ رئيسٌ غير مُطابقٍ للمستوى المطلوب. مع ذلك هذه اللحظاتُ، تصنعُ طاهياً أقوى.

قميص من إيينك EENK،
متوافر لدى THAT Concept Store
جزمة من جيل ساندر Jil Sander
هل من إطراءٍ خاصٍّ، ترك أثراً في قلبك؟
أكثر إطراءٍ، يُؤثِّر بي عندما يُخبرني شخصٌ ما أن طبقاً معيناً، ذكَّره ببيتِ أهله، أو ذكرى قديمةٍ. بالنسبةِ لي، هذا أعمقُ من أي جائزةٍ.
تظهرين اليوم على صفحاتِ «سيدتي» بمناسبةِ «اليوم الوطني البحريني»، ما شعوركِ، وما رسالتكِ؟
أشعرُ بفخرٍ كبيرٍ لتمثيل بلدي في مناسبةٍ قريبةٍ جداً إلى قلبي. البحرين منحتني هويَّةً، وطريقاً، ومساحةً للإبداع، ورسالتي للجميع بأن نعتزَّ بتراثنا، وأن نطهو قصصنا، وأن نُشارك العالمَ نكهاتنا. اليوم الوطني، هو احتفالٌ بالوطن، وبما يمكن لكلِّ فردٍ منا أن يُضيفه له.





