فلسفة الصيام في رمضان

يعتبر الصيام أحد الأركان الأساسية في العقيدة الإسلامية فهو يختلف من حيث طبيعته ومدته الزمنية ما بين يوم أو يومين أو ثلاثة أيام كصيام المناسبة أو الأجر والثواب وهو ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه، وما بين شهر ألا وهو شهر رمضان والذي يعاقب على تركه ويثاب على صومه، والصيام لا يقتصر فقط على الإمساك عن الشراب والطعام بل يرتقي في فلسفته في العقيدة الإسلامية إلى تهذيب النفس وتربيتها عن الانزياح لمتطلباتها المفتوحة طيلة السنة، وهو تصفية للنفس من إملاءتها الخارجة عن نطاق الصواب والمألوف.

ولقد شرع الله سبحانه وتعالى صيام شهر كامل لما فيه من الحكم التربوية والصحية، فليس الجوع هو الغاية من الصيام وإنما الغاية هو استشعار الجوع الذي قد يكون مرافقا طيلة السنة لشريحة من المجتمع الإنساني، كما أنه تصفية الجسد من ترسبات السموم بما أثبتته الدراسات العلمية المعاصرة، فالصيام يعني في مواطن عدة مفهوم المجاهدة، وأن الصائم الذي توفرت فيه شروط الالتزام بضوابط رمضان يستشعر منذ الأيام الأولى أنه في عملية انتقال من الاستهلاك إلى الانضباط، ومن العشوائية إلى الترتيب، وليس الصيام لغة مرهونة بمتطلبات الجسد المادية، بل ينعكس حتى على المتطلبات الروحية والارتقاء الوجداني، فيكون ترجمة عملية للتدفق الروحاني بما ينعكس على صاحبه من نفحات إيمانية يختلط فيها ما هو صيام وقيام وقراءة للقرآن.

وقد جعل الله سبحانه وتعالى محطة شهر رمضان مرحلة زمنية يجدد فيها المسلم ارتباطه به، كبداية جديدة لانطلاقة متجددة في مجالات الحياة، وكم من مسلم كان له شهر رمضان انطلاقة لصفحة لطالما راهن عليها في يوم ما أن تكون هي الأصلح، كالمتعهد مع نفسه بالخروج من البلاءات الشهوانية التي لا يملك القوة في الإقلاع عنها، فيحضر شهر رمضان كداعم حقيقي له، حيث يرفع همته في تفعيل القرارات المؤجلة بسبب النزوع الشهواني في تبنيها.

كما أن شهر رمضان كان محطة أساسية للمسلمين في استشعار النصر في الكثير من المواقع الحاسمة التي رفعت الرسالة الإسلامية في الكثير من بقاع المعمورة، وكثيرا ما يعرف شهر رمضان تفعيل أنشطة مؤجلة تتم ترجمتها في هذا الشهر الفضيل لما له من مساحة في بركة الوقت، ويطغى عليه تقوية أعمال البر والإحسان التي ترفع قيم التعامل الإنساني إلى الترجمة الحقيقية لمعنى التضامن وفعل الخير، ولا يبقى من معنى له ارتباط بالإنسانية إلا وكان شهر رمضان محتضنا لها ومتبنيا لها.

كما أن الشهر الكريم يقوي من التلاحم الأسري في محطات يومية سواء ارتفاع ممارسة صلة الرحم مع العائلة أو الأقرباء، أو التآلف بين الجيران وأهل الحي، وليست المائدة الرمضانية إلا جزء بسيط من ثقافة الصيام في العقيدة الإسلامية، لأن الاهتمام بها هو من قبيل المعهود من حاجات الجسم وليس المائدة ما أصبح يوجد في الثقافة الاستهلاكية المعاصرة المنتشرة في البيوت العربية.