وسط عالم سريع التغيّر، نجحت المصممة اللبنانية كارين طويل في أن ترسم لنفسها مساراً فريداً في عالم الموضة من خلال علامتها كارولين لانغ Karoline Lang، التي تحمل اسم جدتها الكبرى، وتُجسّد هوية راسخة بين الشرق والغرب، الحداثة والجذور. بتصاميمها الراقية، تكتب كارين سردية أنثوية معاصرة تعكس قوة هادئة، أناقة متقنة، واهتماماً بالغاً بالحرفة والتفاصيل.
وفي هذا اللقاء الخاص مع "سيدتي"، تأخذنا كارين طويل في رحلة عبر بداياتها، ومراحل تطوّرها، وأسرار فلسفتها الإبداعية، مرورًا بمجموعة ربيع وصيف 2025، ووصولاً إلى رؤيتها المستقبلية للعلامة.
- ما الذي ألهمك لاختيار مجال الموضة، وكيف كانت تلك البدايات؟
البداية جاءت بشكل غير متوقّع. نشأت وسط عائلة من المهندسين المعماريين، وكنت أظن دائماً أنني سأسلك هذا الطريق. لكن الإبداع له منطقه الخاص، ووجدت نفسي منجذبة نحو عالم الموضة، وكأنها نوع آخر من العمارة، لكنها تتعامل مع الجسد بدلاً من المباني. ففي تلك الأيام الأولى، كنت مزيجًا من العفوية والجرأة. لم أكن أفكر كثيرًا، بل أبدع، أجرّب، وأتعلم من خلال الخطأ والصواب. كان كل شيء غريزياً. واليوم، أدرك أن تلك الطاقة الخام ساعدتني في بناء ما أنا عليه الآن كمصممة.
قد يهمك أيضاً: أسرار نجاح المصممة فيكتوريا بيكهام في يوم ميلادها... كيف حولت الخسارة إلى الربح؟

- كيف تطورت شخصياً ومهنياً منذ انطلاقتك؟
كل شيء تغيّر. في البداية، كنت أعمل بدافع العاطفة، وأفكاري كانت تتدفق بلا حدود. اليوم، أصبح لدي وضوح أكثر، وأصمّم بهدف ووعي. تعلّمت أن أحرّر التصميم، أن أصفّيه من الزوائد، أن أُعطي لكل تفصيل مكانه. أصبحت العملية أشبه بالهندسة: دقيقة، مقصودة، ومبنية بحكمة.
على الصعيد الشخصي، وجدت إيقاعي الخاص. أدركت أن القوة لا تعني بالضرورة الصخب؛ أحيانًا تكمن في التفاصيل، في الصمت، في قطعة مصممة بإتقان. هناك أجد قوتي اليوم.
الهوية والعلامة بين الجذور والحداثة

- أخبرينا عن قصة اسم العلامة كارولين لانغ Karoline Lang ماذا يعني لكِ؟
العلامة تحمل اسم جدتي الكبرى، كارولين لانغ Karoline Lang، أول امرأة قوية عرفتها عن قرب في عائلتي. كانت أنيقة، رزينة، ذات حضور هادئ لكن مؤثر. إطلاق اسمها على العلامة هو طريقتي في تجذير المشروع بشيء حقيقي، عائلي، نسوي.
اللافت أن "Lang" تعني "طويل" بالألمانية، ما يعكس اسمي العربي. وكأن الاسم ذاته كان جسرًا بين الثقافتين: الشرق والغرب، التراث والحداثة. وهذا التوازن هو جوهر عملي.
- كمصممة لبنانية تعمل في بيئة عالمية، كيف توفّقين بين التراث والحداثة؟
الأمر أشبه برقصة متناغمة. لبنان جزء من كياني، بكل تناقضاته، جماله، وتعقيداته. وفي الوقت نفسه، تلقيت تعليمي وصُقلت في أوروبا. لا أؤمن بإقحام التراث في التصميم، بل أسمح له بأن يعيش فيه طبيعيًا: في البناء، في القصة، في الحرفة.
هدفي هو ابتكار قطع عصرية، لكن لا تنفصل عن جذورها.
مجموعة ربيع وصيف 2025: درع ناعم للمرأة المعاصرة

- ما الذي ألهمك في مجموعة ربيع وصيف 2025؟ وما السمات الأساسية لهذه المجموعة؟
ولدت هذه المجموعة من رغبة في التحرر. بعد فترة من التأمل، شعرت بحاجة إلى تصميم قطع أكثر خفة وعفوية. الأقمشة تنساب بخفة، لكن القصّات تحمل قوة.
الموضوع الأساسي هو درع ناعم، أزياء تمنح المرأة إحساسًا بالقوة من دون أن تثقلها. ملابس تشبه الجلد الثاني، تحمي وتُعبّر في آن.
- هل يمكنك مشاركتنا قطعة بارزة من المجموعة؟
هذا الموسم يدور حول الأناقة السهلة. على سبيل المثال، صممنا بلوزة بقصّة دقيقة، تُنسّق مع تنورة نحتية، كل منهما قائم بذاته، لكن سحرهما يتضاعف عند الجمع بينهما.
الفكرة هي خلق خزانة من القطع الأساسية الراقية، التي يمكن إعادة تنسيقها بطرق مختلفة تعكس هوية المرأة في كل مرحلة. رفاهية هادئة مبنية على الاستمرارية والنية والذات.
فلسفة التصميم وقوة التفاصيل

- كيف تصفين فلسفتك التصميمية؟
معمارية، مصقولة، وحسية بهدوء. أصمم لنساء يتمتعن بالقوة والنعومة معًا. الموضة بالنسبة لي ليست عن الكثرة، بل عن القصد. كل خط، كل طيّة، كل تفصيل يجب أن يكون له سبب.
أؤمن أن الملابس تستطيع تمكين المرأة من دون أن تصرخ وتلك هي الأناقة الحقيقية بنظري.
- ما القيم التي تهمك في عملية التصميم والإنتاج؟
الاستدامة تبدأ بالاحترام: للناس، للمواد، وللوقت. أعمل مع فريق صغير من الحرفيين في بيروت، وهم معي منذ البداية. كل قطعة تُصنع بعناية وعلاقة شخصية.
لا ننتج بكثرة، ولا نلاحق الصرعات. أختار الخامات لجودتها وطول عمرها. الحرفة هي روح علامتي، وهي برأيي، المعنى الحقيقي للفخامة.
- ما نصيحتك للمصممين الصاعدين من الشرق الأوسط الذين يطمحون للعالمية؟
ابقَ متجذّرًا لكن منفتحًا. اجعل هويتك الثقافية مصدر قوة لا قيد. ولا تنتظر الإذن أو الاعتراف، ابدأ من حيث أنت، وبما لديك.ولا تنسَ أهمية الفريق. لا أحد ينجح بمفرده. وجود شركاء وموجهين مناسبين يصنع فرقًا كبيرًا.
- هل مررت بلحظات كدتِ فيها أن تتخلي عن هذا المسار؟
كثيرًا. الموضة ليست طريقًا سهلاً، خاصةً حين تبنين مشروعًا مستقلاً في بيروت بكل ما يحمله ذلك من تحديات.
ما أبقاني على المسار هم الناس، فريقي، زبائني، عائلتي. وأيضًا ذلك الصوت الداخلي الذي كان يهمس دائمًا: "لم تعبّري بعد عمّا جئتِ لتقولي". وهذا ما يجعلني أستمر في التصميم.
- ما خططك المستقبلية لعلامة كارولين لانغ Karoline Lang؟
أطمح لتعميق القصة. نحن نتوسّع تدريجيًا، نحو أسواق جديدة، نعم، ولكن أيضًا نحو تعبيرات فنية أخرى. الشراكات حاضرة في الأفق، خصوصًا تلك التي تمزج بين الموضة والفن والعمارة. أرغب في النمو دون أن أفقد الحميمية. التوسّع ببطء وبنية واضحة، مع البقاء وفيّة لروح العلامة.

ما الإرث الذي تطمحين لتركه في عالم الموضة، محليًا وعالميًا؟
أرغب في أن أترك خلفي إرثًا من الأعمال التي تشعر بأنها خالدة، مدروسة، وأنثوية بمعناها الأقوى. أريد أن أثبت أن بإمكانك بناء شيء ذي معنى من بيروت، وأن الأناقة يمكن أن تكون صامتة، وأن الجذور يمكن أن تكون بداية لشيء جديد.
تابعي أيضاً: تصاميم فدوى باروني.. الأناقة والاحتشام في كل تفصيل
