في زمن يسير بسرعة خاطفة، لمع اسم ماريان بشارة كواحد من أبرز الأسماء في عالم تصميم الأزياء، ليس فقط في لبنان، بل على الساحة العالمية. خلف هذه العلامة الفاخرة تقف امرأة لبنانية حالمة، شغوفة، لا تعرف المساومة حين يتعلّق الأمر بالإبداع والجودة. مصممة تُجيد الإصغاء للحواس، وترجمة الأحاسيس إلى فساتين تنبض بالحياة، بدعم فريق وفيّ يُرافقها في رحلة كل تصميم بدقّة لا تعرف الخطأ. ماريان بشارة لا تُلاحق الموضة، بل تصنع لحظات تصبح خالدة في الذاكرة.
حبك للتصميم بدأ في الطفولة.. كيف تطوَّرت هذه الهواية إلى إطلاق علامة؟
منذ صغري، كنت أعلم أنني سأكون مصممة أزياء. كنت مأخوذة بالأقمشة والفساتين، أقضي ساعات أتابع العروض على شاشة التلفاز، وألاحق كل جديد في عالم الكوتور. بدأت أصمم فساتيني بنفسي كوسيلة للتعبير عن شغفي. وفي سن الرابعة والعشرين فقط، حوَّلت ذلك الحلم إلى حقيقة بإطلاق علامة ماريان بشارة Mariane Bechara، مكان تتحول فيه المشاعر إلى تصاميم، وتصبح فيه القصص التي تخيّلتها كطفلة واقعاً مرئياً، ومساحة خلقت فيها المستقبل الذي لطالما حلمت به.
قد يهمك أيضاً: فساتين لا تحتاج إلى إضافة عقد.. تعرفي إلىها مع خبيرة الموضة سهى الداية

من مجال التسويق إلى تصميم الأزياء.. كيف أثَّر هذا الانتقال على هويتك؟
بدأت رحلتي بدرجة أكاديمية في التسويق، خيار عملي يتماشى مع رغبة أهلي، ويوفر لي أساساً قوياً لفهم عالم الأعمال. هذا الجانب ساعدني كثيراً اليوم في إدارة العلامة من حيث التسويق والإدارة. لكن التحوّل الحقيقي حصل في ميلانو، أثناء دراستي الثانية في معهد Istituto Marangoni. هناك، وفي قلب مدينة الأناقة، صقلت موهبتي، ووضعت الأسس لرؤيتي الإبداعية. في ميلانو، أدركت أن الموضة ليست مجرد مهنة، بل هي الامتداد الأصدق لشخصيتي، والنقطة التي انطلقت منها علامتي نحو العالم.
الأتيليه يقع في منزل لبناني تقليدي.. كيف يُؤثر هذا المكان على التصاميم؟

منذ لحظة دخولي إلى هذا المكان، شعرت أنه يجب أن تبدأ رحلتي. أردت مساحة يشعر فيها الزبائن بأنهم في بيتهم، وكان هذا البيت اللبناني التقليدي هو المكان المثالي لذلك. بسقوفه العالية، وأجوائه الهادئة، أصبح ملاذي الإبداعي. ورغم أننا سننتقل قريباً إلى مكان أوسع، سيبقى هذا البيت يحمل رمزية خاصة. دفء هذا المكان، وأصالته، وسحره الخفي، كان مصدر إلهام للعديد من مجموعاتي؛ لأنه يذكّرني بأن الإبداع يولد غالباً من أماكن تنبض بالحياة والحنين.
أخبرينا عن مجموعتكِ الأخيرة، ما المشاعر التي كنتِ تأملين في إيصالها؟
هذه السنة كانت مميزة للغاية بالنسبة لنا. أنجزنا مجموعتين لربيع وصيف 2025، الأولى نفدت خلال أسبوع، أما الثانية فكانت قريبة جداً إلى قلبي؛ لأن كل قطعة فيها صمّمتها وكأنني سأرتديها بنفسي. بعض الفساتين أُعيد تصنيعها مئات المرات، وشُحنت إلى بلدان مختلفة حول العالم؛ لتجد مكانها في خزائن نساء من ثقافات متعددة. نلتزم دائماً بتفاصيلنا الخاصة، وخاماتنا المميزة، وأسلوبنا المتفرّد، وهي عناصر تُضفي على كل قطعة بصمتنا الخاصة. فكرة أن تصاميمنا أصبحت جزءاً من قصص نساء حول العالم، تُحفّزني على الحلم بشكل أكبر.

تصاميمكِ تجمع بين الأناقة الخالدة والحرفية الدقيقة.. ماذا يعني هذا المزيج في سياق الموضة الحديثة؟
بالنسبة لي، الفستان يجب ألا يُرتدى مرة واحدة فقط. الخلود يعني أن يظل التصميم جميلاً، مهما مرّ عليه من وقت أو تغيّرت صيحات الموضة. في الأتيليه، نصنع كل فستان بأجود الخامات، وأدق الأدوات، وأعلى درجات التشطيب. نؤمن بأن القطعة المصنوعة بحبّ وشغف، يمكن أن تعيش في خزانتك لسنوات، وتُرتدى أكثر من مرة، وتظل تبعث البهجة في كل ظهور.
ما الذي يُبقيكِ مُلهمة رغم الضغوط في عالم الموضة؟
أكثر ما يُلهمني هنَّ النساء اللواتي أصمّم لهن. كثيرات منهن أصبحن كالعائلة. كل تصميم نخلقه سوياً يحمل بين طياته هذا الرابط الإنساني العميق. رؤية فرحهن وثقتهن في أنفسهن يُعد أكبر دافع لي. لا أستطيع تخيّل نفسي في مهنة أخرى. هذا ليس مجرد عمل، بل هو شغفي، وسعادتي اليومية، وسبب اهتمامي بكل تفصيلة في كل تصميم؛ لأنه ببساطة.. هذا ما أنا عليه.

منْ هي "امرأة ماريان بشارة"؟ وما الصفات التي تتحلين بها حين تصمّمين لها؟
امرأة ماريان بشارة Mariane Bechara قوية، واثقة، أنثوية، ولا تعتذر عن حضورها. تؤمن بأن القطعة التي ترتديها يجب أن تترك أثراً، وتخطف الأنظار. تعود إلينا دائماً محمّلة بعبارات الإعجاب والثناء التي سمعتها، وتعرف أن التفرّد يكمن في التفاصيل الصغيرة. لا تبحث فقط عن فستان لحفل أو مناسبة، بل عن لحظة لا تُنسى، وعن قطعة تُعجب بها الآن، وستظل تُبهر بها بعد سنوات.
ما أهمية الحفاظ على التقنيات الحرفية في عملكِ؟
الحرفية اليدوية هي جوهر عملي. أؤمن أن الجمال الحقيقي في الموضة ينبع من لمسة الإنسان: من الدقة، والصبر، والساعات الطويلة التي لا يمكن أن تُستبدل بالآلات. كثير من تصاميمنا تُنفذ بتقنيات موروثة منذ أجيال؛ لأنني أريد لكل قطعة أن تحمل في طياتها هذا الإحساس بالروح والتاريخ. ليست الغاية فقط صُنع فستان جميل لليوم، بل تصميم تحفة يمكن أن تُحتفظ بها، وتُروى قصتها، وتُوَرث كإرث عصري.

كيف تُوازنين بين الهوية المحلية والجاذبية العالمية؟
أعمالنا تحظى بتقدير واسع، ونُرسل القطع إلى مختلف بقاع الأرض. نصمّم فساتين الزفاف لعروس في الخارج، أحياناً من دون أن نلتقي بها شخصياً، وهذا يدل على الثقة التي بنيناها عالمياً. ومع ذلك، تبقى هويتي اللبنانية في صميم كل ما أقدمه. بدأت رحلتي من بيروت، وهنا احتفلت بأول نجاحاتي. أنا ممتنة لأن انطلاقتي كانت من بلدي، وأينما ذهبت، سأحمل لبنان في قلبي.
هل هناك اتجاهات جديدة أو تعاونات تحلمين بها؟
أنظر للمستقبل بامتنان لما حققناه خلال فترة قصيرة، وأنا في عمر 32 فقط. ومع ذلك، ما زالت أحلامي بعيدة عن الاكتمال. أؤمن أن كل خطوة مهمة تحتاج للوقت المناسب، والفكرة المناسبة، والظرف الصحيح. ورغم فخري بما أنجزناه، أعلم أن هناك الكثير في الأفق، وأنا مصمّمة على الاستمرار في البناء، والإبداع، والوصول إلى آفاق جديدة.
تابعي أيضاً: عائشة الساعي: العطور رواية تلامس الأحاسيس والمشاعر